قرار “أوبك+” تخفيض الانتاج: غضب أميركي وتلويح بسلاح قانون “نوبك”
قرار تخفيض إنتاج “أوبك بلاس”، شكل ضربة قوية لسياسة أميركا ومجموعة السبعة القاضية بإلزام الدول النفطية الإنتاج بأقصى طاقتها، والبيع بأقل الأسعار. وذلك ما يفسر الحملة الشعواء ضد القرار والمرشحة للتصاعد، وصولاً إلى التلويح باستخدام “القانون النووي” المعروف بإسم “لا لأوبك” NOPEC رغم المخاطر السياسية والاقتصادية الكبيرة لمثل هذه الخطوة التي وصفها أحد المحللين بـ “الرعناء”.
قرار التخفيض كان متوقعاً، بعد تراجع الأسعار بنسبة 25 في المئة خلال الربع الثالث في أكبر خسارة فصلية منذ عامين. كما إن معارضة أميركا كانت متوقعة أيضاً. ولكن غير المتوقع وغير المفهوم هو المبالغة في رد الفعل وتحويل التعامل مع قرار تقني نفطي إلى ما يشبه مواجهة سياسية مع الدول المنتجة للنفط. وهو ما عبر عنه باستحياء الرئيس جو بايدن بالإعراب عن “خيبة أمله بالقرار قصير النظر”. ولتشرح الوثيقة الصادرة عن البيت الأبيض ونشرتها وسائل الإعلام بغير استحياء “أن القرار يمكن اعتباره عملا عدائياً، ويسبب أزمات رئيسية للولايات المتحدة”.
وفي مقابل الحملة السياسية الشعواء من قبل أميركا وبقية الدول الصناعية، جاءت ردود الدول النفطية متوازنة ورصينة. ولعل أفضل تخليص لمواقف هذه الدول هو تصريح وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان عقب اجتماع تحالف “أوبك بلاس” بقوله: ” ان التحالف سيبقى قوة أساسية لتأمين استقرار أسواق النفط والاقتصاد العالمي”. وشدد على أهمية “التصرف المسبق لمواجهة حال عدم اليقين غير المسبوقة في الاقتصاد العالمي وأسواق النفط”. وغمز من قناة الدول الصناعية بقوله “لا نعلم تداعيات سياسات مكافحة التضخم على الطلب العالمي”. ولتبقى النقطة الأهم في التصريح هي التأكيد على أن “أوبك” لم تمارس سياسة عدائية تجاه أي طرف، كما لم تعرض أسواق الطاقة للخطر”.
وما يجعل ردود الفعل غير متوقعة وغير مفهومة، حقيقة معروفة، وهي أن انتاج “أوبك بلاس” الفعلي يقل بحوالي 3 ملايين برميل يومياً عن الانتاج المعلن أو السقف المحدد. ويرجع الفرق إلى أن العديد من الدول لا تتمكن من إنتاج الكميات المحددة لها، إما لعدم وجود طاقات انتاجية كافية لديها، وإما لأسباب أمنية وعسكرية، وإما لخضوعها للعقوبات. ما يجعل قرار تخفيض 2 مليون برميل بمثابة “تحصيل حاصل”، وليس له أي أثر فعلي على كفاية الإمدادادت في السوق.
حسابات انتخابية
حالة “الهلع والغضب” الأميركية، يمكن إرجاعها إلى أسباب عدة لا علاقة لها بأسواق النفط ولا بالاقتصاد، ومن أهمها:
اولا: توقيت القرار قبل شهر تقريباً من الانتخابات النصفية. حيث سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المحروقات والإطاحة بالتحسن النسبي في شعبية بايدن بعد الانخفاض التدريجي في الأسعار خلال الأشهر الثلاثة الماضية بفضل الجهود المكثفة داخلياً وخارجياً التي بذلتها الإدارة للتخفيف من حدة انعكاسات الحرب الروسية على أوكرانيا. وهو ما عبر عنه صراحة المتحدث باسم مجلس الأمن القومي رداَ على سؤال بشأن الانتخابات بقوله: “بفضل جهود الرئيس، انخفضت أسعار الطاقة بشكل حاد عن مستوياتها المرتفعة”.
ثانياً: شكل القرار نكسة قوية لركيزتين في سياسة أميركا ومجموعة الدول السبعة في مجال الطاقة، الأولى محاربة الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة، والثانية إجبار الدول النفطية على الضخ بأقصى طاقاتها الانتاجية والبيع بأقل الأسعار. وذلك لضمان تشبع الأسواق وتجنب ارتفاع معدلات التضخم والحفاظ على النمو. وهو ما سعت إليه أميركا والدول الصناعية طوال الفترة الماضية حيث مارست أقصى الضغوط السياسية على الدول النفطية، والتي تضمنت جولات متكررة لمبعوثين ووزاء ورؤساء دول ومن بينهم الرئيس الأميركي إلى الدول المنتجة للنفط.
تحديد سقف لسعر النفط
ومن أبرز ملامح هذه السياسة وأكثرها دلالة، تلك المتعلقة بخطة الدول الصناعية لتحديد سقف لسعر النفط الروسي. وهي خطة يمكن اعتبارها “ساقطة” من الناحيتين السياسية والاقتصادية. باعتبار أنه لا يحق لأي دولة أو مجموعة دول تحديد سعر سلعة تنتجها دولة أخرى أو دولة خارج المجموعة، وإجبار الدول المستوردة على الألتزام بهذا السقف، تحت التهديد بسلاح العقوبات.
والتدقيق في العقوبات التي تضمنتها الخطة، يؤكد حقيقة ان أميركا تدرك صعوبة تطبيقها. ولكنها يبدو أنها تدرك أيضاُ ان مجرد الإعلان عنها سيحقق الغرض الأول منها وهو استمرار تدفق النفط الروسي إلى الأسواق، ولكن مع إجبار روسيا والدول المستوردة على الالتفاف على العقوبات مقابل أسعار أقل. وذلك ما يحدث حالياً للنفط الروسي المصدر إلى الصين والهند وغيرها.
أما الغرض الثاني والأهم، فهو أن إعلان الخطة وتنفيذها، يفتح المجال على الأقل من الناحية السياسية، لإمكانية تطبيقها مع دول نفطية أخرى. وذلك ما يفسر معارضة الدول المنتجة للنفط لهذه الخطة.
المخزون وقانون NOPEC
استناداً إلى ما سبق، فالمتوقع ان تتواصل جهود أميركا ومجوعة السبعة لتنفيذ سياسة تقييد الوقود الأحفوري وتخفيض أسعاره، كما يتوقع ان تتصاعد الضغوط السياسية على الدول المنتجة. وتمتلك أميركا أسلحة متعددة من أبرزها ما يلي:
- مواصلة السحب بمعدلات قياسية من مخزون النفط الإستراتيجي. حيث قامت الحكومة ببيع حوالي 155 مليون برميل منذ آذار/مارس الماضي، مع عقود لتسليم 10 ملايين برميل أخرى في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري. ولما كان حجم المخزن الحالي يقدر بحوالي 416 مليون برميل، فيمكن لإدارة بايدن إمكانية مواصلة السحب بمعدل مليون برميل يومياً قبل أن تصل إلى الخط الأحمر لحجم المخزون وهو 250 مليون برميل والذي لا يسمح بالمس به إلا في حالات الطوارئ.
- اللجوء إلى “القانون النووي” الموجود في جيب الرئيس بايدن، وهو “لا لأوبك” أو “نوبك” NOPEC ، المدعوم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وتتمثل خطورة هذا القانون بأنه يتضمن تعديلاً للقسم السابع من قانون “شيرمان” الشهير لمكافحة الاحتكار الذي يمنح الحصانة للحكومات الأجنبية وشركاتها. ويقضي التعديل بالسماح للحكومة الأميركية بمقاضاة دول “أوبك” بتهمة الاحتكار والتلاعب بأسواق الطاقة، وربما الحصول على تعويضات بمليارات الدولارات.
ولتوضيح خطورة هذا القانون وتوضيح “هوس” أميركا التاريخي بالسيطرة على النفط، نشير إلى أن الحكومة الأميركية استندت في العام 1911 إلى قانون “شيرمان” لاستصدار قرار من المحكمة العليا بتقسيم شركة “ستاندرد أويل” التي أسسها جون روكفلر إلى 35 شركة بتهمة انتهاج ممارسات احتكارية. وأدى ذلك في حينه إلى إنهيار الأسعار ومعها صناعة النفط. ولما فشلت الحكومة في فرض سياساتها، تمت الاستعانة بالحرس الوطني لـ “غزو” حقول النفط المملوكة للشركات واحتلالها، ثم إجبار الشركات على العمل وفق آلية الحصص الانتاجية التي تحددها الحكومة. والمفارقة المضحكة ان هذه الآلية هي التي تعتمدها أوبك حالياً وتحاربها أميركا.
وليبقى قرار تحالف “أوبك بلاس” مفهوماً ومتوقعاً، ولتبقى الحملة ضده غير مفهومة ولا متوقعة خاصة وان غالبية دول التحالف ليست معادية لأميركا، ولا تستهدف مصالح أميركا، بقدر ما تستهدف حماية مصالحها.
نشر في موقع أساس بتاريخ 8/9/2022