يخوت فاخرة بمحرك هيدروجين وهجين
تم إعداد التقرير بالتعاون مع مجلة عالم اليخوت
تولي صناعة اليخوت، بسبب الطبيعة المتميزة للصانعين والملاك، إهتماماً كبيرا للامتثال لمعايير تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تمهيداً لتصفيرها. ما يتطلب بالتالي الاستثمار المكثف في تطوير أنواع جديدة من المحركات ومن الوقود.
السوق أولاً أم التكنولوجيا
يثير هذه الاهتمام تساؤلات كثيرة أهمها؛
- هل يتم تطوير التكنولوجيا بناء على وجود طلب في السوق. أم أن تطوير التكنولوجيا هو الذي يخلق السوق؟
- هل تقع على صناعة اليخوت مسؤولية ضخ استثمارات كبيرة لتطوير التكنولوجيا المتعلقة بخلق بدائل صديقة للبيئة في مجالات الوقود والمحركات وسلاسل الإمداد والخدمات؟ أم أن هذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الحكومات وعلى أصحاب المصحلة الحقيقيين وهم صانعي ومشغلي وسائل النقل ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة مثل السفن والطائرات والشاحنات والمعدات المدنية والعسكرية.
- هل من مصلحة صناعة اليخوت الوقوف عند مرحلة انتقالية تعمل خلالها على التكيف الجزئي من خلال المحركات الهجينة ومواصلة إجراء التحسينات اللازمة لتخفيض استهلاك الوقود وبالتالي الانبعاثات.
تكتسب هذه التساؤلات مشروعيتها، من عدم إمكانية تحمل صناعة اليخوت عبئ تطوير أنوع جديدة من الوقود والمحركات، خاصة وأن الدافع الحقيقي هو الإمتثال للمعايير التي اعتمدتها المنظمة البحرية الدولية في العام 2018 والقاضية بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 50 في المئة كحد أدنى بحلول العام 2050 وإزالتها بالكامل في العام 2100. علماً ان هذه المعايير أرفقت بشرط مهم وهو مؤشر كفاءة الطاقة (EEDI) الذي يتطلب حداً أدنى من كفاءة الطاقة لكل ميل. وهنا يقع نوع من عدم عدالة تحميل تطبيق معايير موحدة على السفن واليخوت نظراً للاختلاف الجذري في النموذج الاقتصادي والتشغيلي بينهما. فالسفن تعمل على مدار العام ووفقاً لطرق منتظمة وحمولات محددة ما يسهل قياس أدائها، بينما تعمل اليخوت بمعدل 400 إلى 500 ساعة في السنة، كما تشير جمعية اليخوت الفائقة (SYBAss).
أطلب تطاع
لكن هناك دافع أخر قد لا يقل أهمية، لاندفاع صناعة اليخوت للاستثمار في المحركات البديلة، ويتعلق برغبة ملاك اليخوت، وهم بغالبيتهم من النخب السياسية والاقتصادية في العالم، الذين لا يريدون أن يشعروا بالخجل من يخوتهم لأنها مضرة بالبيئة، كما لا يريدون ان تقيد حركتهم وخياراتهم بالاستمتاع بما يمتلكونه بسبب قرارات تنظيمية حكومية، كمثال إعلان بلدية أمستردام حصر السماح بالإبحار في المياه الداخلية، بالقوارب صفرية الانبعاثات فقط، اعتباراً من العام 2025.
ويقول برام جونجيبير كبير المصممين في شركة De Voogt Naval Architects المنضوية في مجموعة Feadship التي تعتبر من رواد الحلول الصديقة للبيئة: “على الرغم من عدم نضوج التكنولوجيا وكذلك الأسواق، فمن الممكن بناء يخت عديم الانبعاثات إذا كان المالك يريد ذلك حقًا”.
ويبدو أن هناك من يريد فعلاً… فقد أعلنت شركة Lürssen مثلاً أنها تلقت أول طلبية لبناء يخت مزود بتقنية خلايا الوقود. ويتركز البحث حالياً على المفاضلة بين خلية وقود الهيدروجين او الميثانول الأخضر أو الأمونيا الخضراء.
معضلة محرك الهيدروجين
بات من شبه المؤكد أن محرك الهيدروجين هو أحد أهم الحلول المستدامة. ولكن لا يزال هناك معوقات كبيرة أمامه، من بينها الحاجة إلى مزيد من التجارب للوصول إلى استقرار التكنولوجيا. ولكن العائق الأهم هو عدم وجود بنية تحتية وسلاسل إمداد. إضافة إلى صعوبة تخزينه والحاجة إلى خزانات كبيرة في اليخوت سيكون توفيرها على حساب مرافق الخدمات مثل التخزين والثلاجات وغسيل الملابس الخ.. في حين أن وقود الميثانول يمتاز بسهولة التخزين وله كثافة طاقة أكبر من الهيدروجين، لكنه في المقابل لا تتوفر له سلاسل إمداد كافية أيضاً، كما أنه يولد قدر قليل من الانبعاثات وبالتالي لا يعتبر “الحل الحلم” الذي يمثله الهيدروجين الأخضر. ولنلاحظ هنا أن شركة تسلا مثلا اضطرت إلى تطوير شبكة خاصة بها من الشواحن الكهربائية الفائقة لحل مشكلة عدم توافرها في السوق بهدف توسيع السوق وجعل سياراتها اكثر جاذبية.
بين الاعتبارات المالية والبيئية
تسعى جميع الأطراف المعنية إلى الموازنة بين الاعتبارات البيئية والحلول التكنولوجية للتخلص من الانبعاثات من جهة، وبين الاعتبارات المالية ومعايير الأداء والرفاهية من جهة اخرى. فالشركات المصنعة وأحواض بناء اليخوت، وشركات الخدمات، تمتلك بنية تحتية وخطوط إنتاج وسلاسل إمداد لمحركات الاحتراق الداخلي بمليارات الدولارات، ولن يكون سهلاً عليها تصفية هذه الأصول لصالح حلول غير مجربة، ولصالح تكنولوجيا متغيرة ومتطورة بوتيرة سريعة. ولذلك هم يميلون إلى خيار التحسينات المتواصلة سواء للمحركات او الخصائص الأساسية للجوانب الهندسية خاصة على صعيد ديناميكيات السوائل الحسابية (CFD) التي اثبتت التجارب قدرتها على توفير الوقود بنسبة 20 في المئة.
المحرك الهجين والوقود الحيوي
.. ويبقى المحرك الهجين هو الحصان الرابح في هذه المرحلة بعد أن تثبتت فعاليته. فهو يجمع بين محركي الديزل والكهرباء. وتبين إنه في نطاق سرعة تتراوح بين 15 و 17 عقدة وباستخدام خيار مولد التيار المتردد يتم توفير 15 إلى 20 في المئة من الوقود. وتزداد الفعالية في ظروف السرعة المنخفضة من 7 إلى 11 عقدة. ومعظم الشركات المصنعة لليخوت دخلوا سباق اليخوت الهجينة. والملفت أن عدد عدد اليخوت العاملة بمحرك هجين او بالكهرباء فقط، ارتفع من صفر قبل خمس سنوات إلى حوالي 500 يخت في الخدمة أو قيد الإنشاء حالياً.
ومن الحلول المطروحة والعملية، اعتماد الوقود الحيوي والاصطناعي الذي يمكن استخدامه في محركات الاحتراق الحالية، ويمتاز بأن الانبعاثات الصادرة منه أقل بكثير من الديزل. وتعتبر شركة Rolls-Royce المالكة لشركة صنع المحركات MTU أن أنواع الوقود الحيوي تشكل الحل النموذجي خلال المرحلة الانتقالية، بانتظار تطوير محركات الهيدروجين ووصولها إلى مرحلة التسويق التجاري.
ولتكون الخطوة التالية تطوير نظام مرن للوقود، يسمح باستخدام أنواع الوقود الحالية والمستقبلية أي الوقود مثل الديزل أو الوقود الكحولي. ويراعى في تصميم هذه المحركات استخدامها في المشاريع الجديدة وكذلك في مشاريع تجديد وتعديل اليخوت الموجودة.
Savannah و Pure من Feadship
كان اليخت Savannah الذي بنته شركة Feadship أول يخت بمحرك هجين، وقد فاز بجائزة International Superyacht Society في العام 2016 كأفضل يخت بطول يتجاوز الـ 65 مترًا لتضاف إلى جوائز سابقة حصل عليها مثل جائزة “أفضل مظهر خارجي” و “أفضل تصميم داخلي” بالإضافة إلى “الجائزة الشاملة”. وحقق هذا اليخت توفيرًا في الوقود وصل إلى 30 في المئة
أما اليخت النموذج والأكثر صداقة للبيئة الذي اطلقته Feadship في العام 2021 فكان “Pure” بطول 75.81 متراً، باستخدام نظام جديد كلياً للوقود وذلك في إطار خطة لبناء سوبر يخت بدون أية انبعاثات كربونية مستقبلاً. وإضافة إلى المحرك الهجين المتقدم، توليى Feadship اهمية خاصة لمعالجة جميع انبعاثات العادم، وتضيف ليخوتها محطة لمعالجة النفايات وأنظمة لاستعادة الحرارة، وتحسين كفاءة تكييف الهواء.