شركات السيارات الكهربائية: سباق البطاريات والمعادن النادرة
حققت صناعة السيارات الكهربائية في العام 2022 إنجازين كبيرين، سلطا بالوقت نفسه الضوء على تحديين أكبر. فقد حققت المبيعات قفزة جديدة بنسبة 53%، لتصل إلى 388 مليار دولار. ولتتجاوز القيمة التراكمية للمبيعات حاجز تريليون دولار. وخلق هذا النمو غير المسبوق تحديين، الأول عدم جهوزية استراتيجيات الإنتاج لدى الشركات المصنعة لمقابلة الطلب، والثاني عدم توافر الطاقة الانتاجية الكافية من البطاريات والمعادن النادرة لإنتاجها.
ويلاحظ حدوث تحول في الطلب منذ العام 2021، حين بدأ تسجيل قفزات كبيرة، فمن أصل تريليون دولار كمبيعات خلال العشر سنوات الأخيرة، كان هناك حوالي 600 مليار دولار تمت بين منتصف 2021 ونهاية 2022. وينتظر أن تقفز المبيعات في العام 2023 إلى 500 مليار دولار. ولتقارب حصتها من إجمالي مبيعات سيارات الركاب 18% مقابل أقل 2.6% في 2019.
عدم جهوزية خطوط الإنتاج
بالنسبة للتحدي الأول، تكمن المشكلة في ان صناعة السيارات محكومة بدورة انتاج طويلة مقارنة ببقية الصناعات، ويحتاج تطوير أي طراز جديد لعدة سنوات حتى بالنسبة لمحركات الاحتراق الداخلي ذات التكنولوجيا المستقرة وسلاسل الإمداد الراسخة. وقد يحتاج الأمر إلى أكثر من ذلك بالنسبة لمحركات الكهرباء، ذات التكنولوجيا المتغيرة ما يرتب نتائج كارثية على أي قرار استثماري خاطئ. ولذلك يلاحظ أن غالبية الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية كانت تتريث في ضخ استثمارات كبيرة لتطوير طرازات جديدة. وغالبية السيارات المتاحة هي طرازات قديمة تخضع “لعمليات تجميل” ولكن ضمن خطوط الإنتاج نفسها. وينطبق ذلك أيضاً على السيارات التقليدية التي تستخدم عادة خطوط الإنتاج لطراز معين لمدة تتراوح بين ست و 10 سنوات مع بعض الإضافات والتغييرات كل عام. وللدلالة على ذلك نشير إلى أن نسبة مبيعات السيارات الكهربائية في الصين ارتفعت إلى 30% في 2022 مقابل حوالي 5% فقط في 2019، وهذا النمو ضخم في الطلب، لا يمكن تلبيته خلال الدورة الزمنية الطبيعية لتطوير الطرازات وخطوط الإنتاج وتأمين سلاسل الإمداد.
ومع التنامي السريع للمبيعات، بدأت الشركات تعيد حساباتها، خاصة تلك التي ترددت في الاستثمار بتطوير الطرازات الجديدة والتي تخاطر بفقدان أسواقها ما لم تلحق الركب. فلم تتجاوز حصة كافة العلامات التجارية اليابانية نسبة 5% من إجمالي السيارات الكهربائية المباعة في العالم خلال العام 2022، ولم تظهر اي واحدة منها في قائمة أول 10 شركات في حين بلغت حصة سيارات “تسلا” المصنوعة في الصين 18%.
ولذلك اندفعت الشركات اليابانية لتدارك المشكلة، فأعلنت شركة هوندا مثلاً عن تحديث استراتيجيتها للسيارات الكهربائية، كما أعلنت شركة تويوتا عن استراتيجية جديدة عنوانها “السيارات الكهربائية أولاً”، وقامت بتعيين إدارة جديدة لها. ولكنها أرفقت ذلك بالإعلان انها لن تتمكن من إطلاق منصة جديدة لإنتاج السيارات الكهربائية قبل العام 2027، وإن كان بعض المراقبين يرون أنها قد تنجح في تقريب الموعد بالنظر إلى تاريخها الطويل في التكيف مع التطورات
معضلة المعادن النادرة
اما بالنسبة للتحدي الثاني، فتكمن المشكلة بعدم توافر مصادر ثابتة وموثوقة للبطاريات في ظل ندرة المعادن المستخدمة في صناعتها وتحكم دول معدودة في إنتاجها وتكريرها وفي مقدمتها الصين وتشيلي. وستتفاقم هذه المشكلة في حال صدقت التوقعات بحدوث نمو كبير في الطلب على السيارات الكهربائية. إذ يلاحظ حدوث نقص في البطاريات والمعادن في ظل الطلب الحالي، الذي لم يكن يتجاوز 3% من إجمالي عدد السيارات في العالم والمقدرة بحوالي 1.3 مليار سيارة ركاب.
ولذلك اندفعت شركات السيارات إلى اعتماد حلول سريعة وجذرية لمواجهة هذه المشكلة، تمثلت بإطلاق مشاريعها الخاصة لإنتاج البطاريات وكذلك لإبرام عقود مباشرة مع موردي المواد الخام والمعادن النادرة. كما فعلت جنرال موتورز التي عقدت ثلاث صفقات لتوريد معادن الكاثودات والليثيوم والنيكل لإنتاج أسطولها من السيارات الكهربائية، كما كشفت شركة فورد موتورز عن قائمة بموردي المستلزمات التي تتراوح من الليثيوم الأرجنتيني إلى النيكل الإندونيسي، لما يكفي لتصنيع 600 ألف سيارة كهربائية سنوياً.