ظاهرة الملياردير الأخضر كمؤشر على تغير نظام الطاقة
- في العام 2021 اختارت مجلة “تايم” أيلون ماسك، مؤسس شركة تيسلا، ليكون شخصية العام. وقد احتل أيضاً مرتبة أغنى رجل في العالم على قائمة فوربس، “بثروة خضراء” قدرها 248 مليار دولار.. جمعها بشكل أساسي من الطاقة المتجددة.
- في العام 1925 تصدر جون دي روكفلر غلاف مجلة تايم كأغنى رجل في العالم، بثروة تعادل ثروة ماسك بعد تعديلها حسب معدل التضخم.. جمعها من النفط والغاز.
صورة سوريالية تلخص التغير الجذري الذي يشهده العالم على صعيد التحول إلى الطاقة النظيفة. وهو ما اعتبرته مجلة “فورين بوليسي”، إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الجديدة للطاقة النظيفة، لتحل تدريجاَ محل الجغرافيا السياسية للنفط والغاز. معتبرة أن هذا الانتقال لن يكون سلساً وقد لا يتم “على البارد”. مع التنبه هنا إلى استمرار الحاجة للنفط والغاز كمكون مهم في مزيج الطاقة العالمي والأهم كمواد خام. فعندما انتهى العصر الحجري لم ينته استخدام الحجارة، كما يقول خبير النفط العالمي الإسكندراني الأصل روبرت مابرو.
يقال؛ إذا شئت معرفة اتجاهات الريح في الاقتصاد والجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، راقب حركة رؤوس الأموال والاستثمارات. فليس من محاسن الصدف أن تشهد السنوات الست بين قمتي المناخ COP25 وCOP26 نمو الأصول الخضراء بنسبة تصل إلى 40 في المئة سنوياً، وبروز ظاهرة “الملياردير الأخضر” ليحتل موقع الصدارة بين مليارديرات العالم، تاركاً وراءه أباطرة النفط والمال والعقار والتكنولوجيا يتحسرون على أمجادهم.
فلنقرأ ما يجري في “البيزنس” وتراكم الثروات، للاستضاءة على ما يجري وما سيجري في الاقتصاد والجغرافيا السياسية.
قراءة في قوائم المليارديرات
نقرأ في السطر الأول لقوائم الأثرياء التي تصدرها فوربس، ارتفاع عدد المليارديرات الخضر إلى 35 مليارديراً. والملفت ان أكثر من نصفهم (19 مليارديراً) دخلوا هذه القوائم لأول مرة العام الماضي. أما بلومبرغ فقد أطلقت قائمة خاصة بالمليارديرات الخضر، تظهر أن الثروات الخضراء بلغت في شهر تشرين الثاني 2021 حوالى نصف تريليون دولار، أي ضعف القيمة السوقية لشركة شيفرون. والأهم أنها ارتفعت بنسبة 41 في المئة مقارنة بشهر شباط الماضي. ويرجع جزء كبير من هذا المكاسب إلى شركة تيسلا التي قفز سهمها بفعل زيادة الإنتاج والأرباح.
ونقرأ في السطر الثاني توزع بيزنس الطاقة النظيفة على ثلاثة مجالات رئيسية هي السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة المتجددة (شمسية ورياح). فهناك ثمانية مليارديرات من أصل 15، يعملون في مجال السيارات الكهربائية وغالبيتهم دخلوا النادي خلال العامين الماضيين، مثل الروسي دينيس سلفاردلوف الذي يعيش في لندن، والمليارديرة الصينية أر. جي سكايرينغ، التي تسعى شركتها إلى إنتاج سيارة كهربائية رباعية الدفع وشاحنات صغيرة. أما في الطاقة الشمسية فيبقى الأكثر شهرة الملياردير الأميركي دين سولون مؤسس شركة شوالز تكنولوجيز، وأول المؤمنين بالطاقة الشمسية. وقد ينافسه العضو الجديد في النادي، الأستاذ الجامعي كاو رينكسيان.
بانتظار الـ”تريليونير الأخضر”
وتجدر هنا ملاحظة أن الثروات وأصحابها لا تزال محصورة في مجال كهربة الطاقة انتاجاً وتخزيناً واستخداماً، وهي مجالات ذات إمكانيات نمو محدودة نسبياً مقارنة بمجال الوقود الذي يشهد نشاطاً مكثفاً على مستوى البحث والتطوير. كما بدأ يستقطب استثمارات ضخمة لمشاريع الهيدروجين والأمونيا بكافة ألوانهما من الرمادي إلى الأزرق والفيروزي وصولاً إلى الأخضر. فلننتظر قفزة كبيرة بأعداد المليارديرات الخضر وبحجم ثرواتهم خلال السنوات القليلة المقبلة، بعد اكتمال هذه المشاريع والتحول التدريجي عن الوقود الإحفوري والفحم في الصناعات، ووسائل النقل ذات الاستخدام المكثف للطاقة مثل الاسمنت والصلب والسفن والطائرات والقطارات. وربما تضطر بلومبرغ حينها إلى تغيير اسم القائمة من GREEN BILLIONAIRES إلى GREEN TRILLIORNAIRES.
سطر مكتوب باللغة الصينية
أما السطر الثالث فهو مكتوب باللغة الصينية، ونقرأ فيه كيف فاجأت الصين أميركا والعالم بجهوزيتها للمواجهة، إذ تبين قائمة بلومبرغ ان أكثر من ثلثي أصحاب المليارات الخضر، ينحدرون من الصين وهونغ كونغ، وهم يسيطرون تقريباً على قطاعات الطاقة الشمسية وبطاريات الليثيوم، وإلى حد ما على السيارات الكهربائية.
وتبين القائمة الصينية للأثرياء (هورن)، التي اطلقت في العام 1999 لتنافس قائمة فوربس، زيادة سنوية قياسية قدرها 20 في المئة في عدد المليارديرات الخضر وفي حجم ثرواتهم. إذ تظهر القائمة أن 8 من الأفراد العشرة الذين حققوا المعدلات الأسرع في النمو يعملون في مجال الطاقة النظيفة مثل البطاريات والسيارات الكهربائية. مقابل انهيار ثروات المليارديرات التقليديين مثل رئيس شركة علي بابا الذي تراجعت ثروته بنسبة 36 في المئة، ليسقط من المرتبة الأولى إلى الخامسة. وكذلك أباطرة العقارات الذين غابوا عن المراكز العشرة الأولى.
والطريف أن الشركة الصينية أمبيركس تكنولوجي (كاتل) التي تأسست في 2011 وتعتبر أكبر مورد لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم، انتجت أربعة من أكبر عشرة مليارديرات في العالم حسب قائمة بلومبرغ، كما إن رئيسها روبن زينج ونائبه هوانغ شيلين إحتلا المرتبتين الثانية والثالثة بعد إيلون ماسك.
أنه زمن التحولات الكبرى، والتساؤلات الأكبر خاصة بالنسبة إلى الدول العربية، التي يبدو أنها ستكون في “عين إعصار” الانتقال من عصر الوقود الإحفوري إلى عصر الطاقة النظيفة. وكما ساهمت الطاقة الإحفورية بتشكيل الاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية في القرن الماضي، فإن الطاقة النظيفة ستساهم بتشكيل العالم بالقدر ذاته من الدراماتيكية، كما يشير تقرير مهم لوكالة الطاقة الدولية.
من مقالات الكاتب، (جريدة المدن بتاريخ 25 ديسمبر 2021)