الهيئة الدولية لقاع البحار: نحو تأجيل قرار التعدين التجاري
بدأت في 11 يوليو الجاري اجتماعات مجلس الهيئة الدولية لأعماق البحار التابعة للأمم المتحدة، والمقرر أن تستمر لمدة أسبوعين. وتواجه الهيئة معضلة البت في فتح باب التعدين التجاري في أعماق المحيطات. وذلك بعد انتهاء مهلة السنتين في 9 يوليو الجاري التي قررها المجلس في العام 2021.
وقد تصاعد الخلاف بين دول مؤيدة ومعارضة بالمطلق لمبدأ التعدين البحري، وبين دول مطالبة بتجميد اختياري لأنشطة التعدين إلى حين وضع المعايير واللوائح المطلوبة. ما يجعل الاحتمال المرجح هو فشل الاجتماع في التوصل إلى قرار.
تواجه هيئة البحار تحدياً جدياً بعد تحولها من هيئة “مغمورة” في جامايكا، منذ العام 1996، إلى ساحة صراع سياسي حاد بين القوى الكبرى, وصراع أكثر حدة مع قوى الضغط البيئية والمناخية.
ويمكن اختصار الصراع الدولي بانقسام العالم إلى معسكرين. الأول مؤيد لبدء التعدين التجاري فوراً. وتقود هذا المعسكر الصين ويضم النرويج وروسيا وعدداً كبيراً من الدول الجزرية مثل ناورو، تونغا وكيريباتي. والثاني معارض بالمبدأ، وتقوده أميركا ويضم فرنسا والسويد وبعض الدول الأوروبية والجزرية. والتيار الثالث مؤيد لوقف مؤقت واختياري لأنشطة التعدين يضم ألمانيا وبريطانيا وكندا و12 دولة تقدمت بمطالبة رسمية بهذا الشأن. وتربط هذه الدول موافقتها بوضع جميع المعايير البيئية واللوائح القابلة للتنفيذ وتوافر أدلة كافية للحكم على التأثير المحتمل على النظم البيئية.
خوف على البيئة أم النفوذ
مع أن المسائل البيئية هي الأكثر إثارة للقلق كما تؤكد الدول المعارضة لبدء أنشطة التعدين التجاري. إلا أن بعض الخبراء يعزون السبب إلى تخوف أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا من سيطرة الصين على هذه الأنشطة. ما يؤدي إلى مفاقمة ارتهان الدول الغربية للصين في توفير المعادن النادرة. خاصة تلك التي تدخل في صناعة الطاقة المتجددة والبطاريات.
هناك قرار من الأمم المتحدة بتوزيع جزء من عائدات التعدين البحري على كل دول العالم، باعتبارها تراث مشترك للبشرية
يضاف إلى ذلك مشكلة كبيرة تتعلق بمسألة تقاسم العوائد المالية والفوائد الاقتصادية لأنشطة التعدين بين مختلف دول العالم. وذلك تنفيذاً لقرار صادر عن الأمم المتحدة في العام 1975 يقضي باعتبار ثروات قاع البحار “تراث مشترك للبشرية”. ونص القرار على قيام شركات التعدين في قاع البحار بدفع جزء من أرباحها لصندوق خاص.
تعدين تحت ستار الاستكشاف
لذلك يتوقع أن تتم التسوية باتخاذ قرار بتأجيل البت في فتح باب التراخيص للتعدين التجاري. مقابل غض النظر عن قيام بعض الشركات الفائزة بعقود للتنقيب الاستكشافي باستخراج كميات تجارية. كما تفعل شركة (ذا ميتالز) الكندية metals.co التي أعلنت أنها استخرجت العام الماضي حوالي 5 آلاف طن من المعادن النادرة. ومنحت هيئة البحار 30 عقداً للاستكشاف لشر كات ترعاها دول عدة مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، وروسيا وفرنسا وعدد من الدول الجزرية الصغيرة.
يضاف إلى ذلك، قيام بعض الدول مثل الصين والنرويج والدول الجزرية ببدء أعمال التعدين التجاري في مياهها البحرية التي لا تخضع لسلطة الهيئة الدولية لقاع البحار. وبالفعل أعلنت النرويج مؤخرًا عن خطط لفتح 280 ألف كيلومتر مربع من مياهها البحرية للاستكشاف والتنقيب التجاري.
بعض الدول مثل الصين والنرويج ستقوم بفتح باب التعدين التجاري في مياهها البحرية بانتظار فتحه في المياه الدولية
مؤشرات الفشل والتأجيل
يستدل على احتمال الفشل في اتخاذ قرار، من نتائج اجتماعات اللجان التي تسبق عادة اجتماع مجلس الهيئة. وأهمها اللجنة القانونية والتقنية (LTC) واللجنة المالية (FC) اللتين اجتمعتا خلال الفترة من 28 يونيو إلى 7 يوليو 2023. وتضم اللجنة القانونية التي تعتبر الأقوى والأهم، نخبة من المحامين والجيولوجيين والدبلوماسيين وعلماء البيئة. وتعتبر توصياتها شبه ملزمة للمجلس، ولا يمكن رفضها إلا بأغلبية ثلثي أعضائه الـ 36. ويبدو واضحاً من البيان الصادر عن اللجنة في ختام اجتماعها إنها لن توصي بفتح باب التراخيص.
وينطبق ذلك على جزيرة ناورو وشركة ذا ميتالز التي تصر على حقها بالحصول على الترخيص بموجب مهلة السنتين. ولكن سيان أوين من تحالف الحفاظ على أعماق البحار، قال عقب اجتماع اللجنة: “أن ناورو أعلنت أنها ستقدم “خطة عمل” إلى اللجنة الفنية هذا العام، لكن من غير المتوقع أن توصي اللجنة بالموافقة عليها”
أما بالنسبة للجنة المالية فقد تركز البحث على إمكانية إنشاء صندوق التراث المشترك كبديل للتوزيع المباشر على الدول الأعضاء. وأقرت اللجنة مواصلة العمل لتطوير مفهوم الصندوق وتقديم تقرير كامل إلى مؤتمر الجمعية العامة للهيئة مستقبلاً.