هل تتراجع إيران في أزمة حقل الدرّة ؟
أثارت إيران في الأسبوع الماضي غباراً جديداً حول حقل الدرّة الكويتي ـ السعودي المشترك. وأظهرت نوعاً من الارتباك أو التفاوت في المواقف. إذ تراوحت الردود بين الإعلان عن التوجه لبدء عمليات المسح والاستكشاف، واعتبار الاتفاق السعودي الكويتي للبدء باستغلال الحقل “غير قانونيا”. ثم عادت للمطالبة بإجراء مفاوضات للتوصل إلى حل.
وهذا الأمر يجعل من الممكن طرح السؤال: هل قررت إيران مراجعة موقفها خصوصا وأن أي ترسيم للحدود البحرية وفقاً للقانون الدولي، سينتهي بتأييد للموقف السعودي الكويتي. وهل يمكن القول أن هذا الارتباك إذا صح التعبير، يعكس تبايناً داخلياً بين اتجاه معتدل يريد الاستثمار في الأجواء التي خلقها التفاهم السعودي الإيراني. وبين اتجاه متشدد يريد الاستمرار في سياسة عرض القوة والاستنزاف والمساومة التي باتت سمة أساسية من سمات التعامل الإيراني مع ملفات المنطقة.
لا شك أن الموقف السعودي ـ الكويتي من حقل الدرة، وضع طهران أمام اختبار حقيقي، يفرض عليها الاختيار بين الاستمرار في نهج العرقلة والضغوط السابق، وبين فتح صفحة جديدة وتعزيز مناخ الثقة وعلاقات التعاون الإيرانية الخليجية.
إصرار خليجي
في المقابل، تصر الكويت والسعودية على أن حقل الدرة يقع بالكامل ضمن المنطقة المحايدة المشتركة بين البلدين. وهو واقع يظهره بوضوح ترسيم الحدود البحرية الذي تم وفق معايير ومبادئ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وقد شدد نائب رئيس الوزراء، وزير النفط سعد البراك على هذه الحقيقة. مطالباً إيران بالتعاون في ترسيم الحدود البحرية وفق القواعد والأعراف الدولية، بدل المطالبة بحقوق في حقل الدرة ومواصلة تعطيل استغلاله.
رفض إيراني للترسيم
إلا إن الموقف الإيراني لا يتضمن الآن ولم يتضمن من قبل القبول بعملية ترسيم دولية للحدود البحرية. وتتمسك إيران بأعمال المسح التي أجرتها في عهد الشاه شركة النفط الأنغلو- إيرانية التي أصبحت لاحقا شركة بريتش بتروليوم. والتي كلفتها طهران في مطلع السبعينات بتقدير الكميات التي قد “تعود لها” من حقل الدرة. وحسب طهران فإن أعمال المسح التي أجرتها الشركة أظهرت تقاطعا في مخزون الغاز في الطرف الشمالي للحقل. وإن هذا التقاطع يعطيها الحق في نحو 40 في المئة من مخزون الغاز أو ما يقارب 7 تريليون قدم مكعب.
حقل الدرة وضع طهران أمام اختبار حقيقي لجدية الكلام عن تعزيز مناخ الثقة والتعاون مع دول الخليج
في المقابل منحت الكويت والسعودية حق تطوير واستغلال الحقل لشركة “شل”، وتم ذلك من خلال شركة الخفجي، وهي مشروع مشترك بين شركة أرامكو لأعمال الخليج والشركة الكويتية لنفط الخليج، المختصة بعمليات المنطقة المحايدة. وجاء ذلك بعد القيام بترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري وفقاً لمبادئ قانون البحار. وبعد التفاهم بين الكويت والسعودية في العام 1970، على تقاسم موارد المنطقة المحايدة بالتساوي. وتضم هذه المنطقة حقل الدرة.
وبالرغم من إظهار الترسيم أن حقل الدرة يقع بالكامل ضمن المياه البحرية السعودية ـ الكويتية، إلا أن إيران تمسكت بموقفها وتمكنت بذلك من إعاقة استغلال الحقل لفترة طويلة. كما إن إيران استمرت في رفض طلب إجراء ترسيم دولي للحدود البحرية، مراهنة على مفاوضات ثنائية مباشرة مع كل من الكويت والسعودية. على اعتبار أن ذلك يسهل أكثر تحقيق مآربها في الحقل.
واقع جديد
يبدو الآن أن السعودية والكويت قررتا كسر التعطيل المتمادي عبر الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في نهاية العام 2022. وأعلن البلدان أن هدفه هو البدء باستغلال حقل الدرّة الذي يقدر مخزونه بحوالي مليار قدم مكعّب من الغاز، ونحو 84 ألف برميل من المكثفات. على أن يتم تقاسم الإنتاج بينهما مناصفة . بذلك أراد البلدان إلزام إيران باتخاذ موقف واضح لجهة قبول الترسيم الدولي للمنطقة البحرية وبالتالي دفعها إلى وقف التعطيل المستمر منذ أكثر من 50 عاما.
أهمية الحقل
يتسم حقل الدرة بأهمية خاصة لدولة الكويت التي لا تمتلك مخزونات كبيرة من الغاز الطبيعي وتعتمد بصورة كبيرة على استيراد الغاز لتأمين حاجاتها. وقامت الكويت في العام 2021 بافتتاح أول محطة لاستقبال وتخزين الغاز الطبيعي المسال. وذلك ضمن خطة تستهدف تخفيف الاعتماد على النفط ومشتقاته في تأمين حاجة البلاد من الطاقة الكهربائية. ونشرت وكالة بلومبرغ في العام 2021 تقريرا توقع زيادة كبيرة في الطلب على الغاز. وذلك ما يؤكد حاجة الكويت لاستخدام إنتاج حقل الدرة من الغاز لتأمين حاجات الاقتصاد المحلي منه.
وينطبق ذلك إلى حد ما على السعودية التي تمتلك مخزونا كبيراً من الغاز الطبيعي ولا زالت تحقق اكتشافات جديدة. ولكن هناك حاجة متزايدة للغاز لدعم صناعة البتروكيماويات، وكمصدر نظيف وأكثر ملائمة للبيئة في توليد الطاقة.