رسالة متعددة العناوين والمضامين
لماذا كشفت إيران أرقام إنتاجها النفطي؟

لماذا أعلنت إيران وعلى لسان أكثر من مسؤول عن ارقام صادراتها النفطية. وهو أمر أحاطته طوال السنوات الخمس الماضية بستار حديدي من السرية. مع الأخذ بالاعتبار ما يحمله هذا الإعلان من إحراج لأميركا والغرب لناحية عدم الجدية في إنفاذ العقوبات. وللصين أيضاً التي تعتبر المستورد الأول للنفط الإيراني. إضافة إلى بقية الدول والشركات المستوردة و«الوسيطة».

وقبل محاولة الإجابة، تجدر الملاحظة أن الإعلان جاء أولاً على لسان وزير النفط جواد أوجي بقوله، أن الإنتاج اليومي للنفط الإيراني سيرتفع بمقدار 150 ألف برميل بحلول 22 أغسطس الجاري. على ان يرتفع بمقدار 100 ألف برميل أخرى في نهاية سبتمبر المقبل. وليتولى إكمال الشرح الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية محسن خجسته بالتأكيد على “أن الإنتاج سيبلغ حوالي 3.5 مليون برميل يومياً بعد هذه الزيادات. ما يعني أن الإنتاج الحالي هو بحدود 3.25 مليون برميل. وذلك رقم يعلن عنه لأول مرة. أما حجم الصادرات فأوضحه رئيس هيئة الخطة والميزانية الحكومية داوود منظور، بالقول” صدرت إيران أكثر من 1.4 مليون برميل من النفط يومياً، متجاوزة المستويات المتوقعة في الميزانية للعام المنتهي في مارس 2024.

رسالة متعددة العناوين

يمكن القول أن الإعلان بهذا التوقيت، المتزامن مع الاتفاق الجزئي مع أميركا على «تحرير السجناء والأموال» هو رسالة متعددة العناوين والمضامين، وأهمها:

أولاً: رسالة إحراج لأميركا. ومضمونها، أن زيادة الإنتاج والصادرات تمت بعلمها وموافقتها، فهي لم تكن لتتم لولا التغاضي عن إنفاذ العقوبات. وبالتالي فإن العودة للتشدد في إنفاذها بعد الاتفاق الجزئي، سيضع أميركا في موقف ضعيف ومحرج تجاه دول المنطقة، وكذلك الدول الأوروبية والصين والهند. لأنها ستؤكد أن العقوبات توضع وتلغى تبعاً لمصالح أميركية ضيقة.

ثانياً:رسالة تطمين للصين والدول المستوردة. ومضمونها أن إيران تمتلك طاقة انتاجية كبيرة. كما تمتلك القدرة على الإنتاج والتصدير. ما يجعلها مصدرا موثوقاً لصادرات مستدامة. وليس مجرد مصدر رخيص للنفط المهرب. ويستند هذا الاستنتاج إلى تشكيك بعض المؤسسات المعنية بدقة الأرقام المعلنة. معتبرة أنها تحمل بعض المبالغة. فقد أشارت “ستاندرد آند بورز غلوبال” مثلاً إلى ان المعدل الوسطي للإنتاج الإيراني كان بحدود 2.6 مليون برميل يومياً. وشككت في إمكانية زيادته بنحو مليون برميل بدون رفع كامل للعقوبات. وهو ما أكدته شركة “كبلر” بالقول “أن زيادة الإنتاج إلى 3.5 مليون برميل بحلول نهاية سبتمبر أمر مستبعد”. ومع أن إيران لا تبلغ منظمة أوبك بأرقام الإنتاج منذ إعادة فرض العقوبات عليها، لكن المنظمة قدرت في آخر تقرير لها أن إنتاج الخام الإيراني بلغ 2.8 مليون برميل يومياً في يونيو، مقابل متوسط قدره 2.5 مليون برميل في العام 2022.

رسالة إحراج لأميركا لتفادي إعادة إنفاذ العقوبات بعد إنجاز اتفاقية «تحرير السجناء والأموال»

ثالثاً: رسالة تذكير لـ (أوبك بلس). ومضمونها أنه من الآن وصاعداً يجب الأخذ بالاعتبار الأرقام الجديدة للطاقة الانتاجية والصادرات الإيرانية، عند احتساب ميزان العرض والطلب في السوق. وعند اتخاذ قرارات تتعلق بتخفيض أو بزيادة سقف الإنتاج وتوزيع الحصص. ويفهم من هذه الرسالة أيضاً أنها لتأكيد حق إيران بزيادة إنتاجها وصادراتها قدر المستطاع، طالما استطاعت إيجاد المشترين. ومعروف ان إيران المعفية من اتفاقيات توزيع حصص الإنتاج، تنتج منذ وقت طويل بمعدلات أقل من قدرتها الإنتاجية. ولا شك ان هذا الإعلان سيزيد الضغوط على تحالف (أوبك بلس) في سعيه لموازنة العرض والطلب وضبط استقرار السوق. كما أن زيادة الصادرات الإيرانية تسهم بتخفيف أثر تخفيضات الإنتاج التي بدأها التحالف بتخفيض 2 مليون برميل في نوفمبر 2022. ثم بتخفيض طوعي بمقدار 1.66 مليون برميل في مايو الماضي.

رابعاً: رسالة إلى الداخل الإيراني. وهدفها شد العصب وتأكيد قدرة النظام على «الانتصار» على أميركا بدون تقديم تنازلات. ويمكن وضع ذلك أيضاً في سياق الصراع السياسي على خلافة خامنئي. ويستدل على ذلك من توالي التصريحات التي “تنسب النصر” إلى عهد الرئيس إبراهيم رئيسي. ومثال ذلك قول حسين حسين زاده ، عضو لجنة الطاقة في البرلمان “تمكنت إيرن منذ تولى الرئيس إبراهيم رئيسي منصبه في أغسطس 2021 من زيادة الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً، ليصل إلى حوالي 3.1 مليون برميل .

إلى الصين بمعرفة أميركا

تبقى الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من صادرات النفط الإيراني تتوجه إلى الصين، وبدرجة أقل إلى الهند. إضافة إلى صادرات ثابتة بنحو 100 ألف برميل إلى سوريا و 30 ألف برميل إلى فنزويلا على شكل منتجات مكررة. لكن الأهم ان هذه الصادرات كما تشير شركة كبلر المتخصصة، باتت تشحن على متن ناقلات إيرانية أو ناقلات شرعية بعد استصدار شهادات منشاً لها من بعض الدول النفطية. ولم يعد النقل مقتصراً على «الناقلات الأشباح» او أسطول الظل. خاصة وان هذه الناقلات لم تعد متاحةً لإيران بسهولة بسبب ارتباطها بعقود طويلة الأجل لنقل النفط الروسي. وذلك ما يؤكد ان تصدير النفط الإيراني والالتفاف على العقوبات، يتم بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى