«ممر شرق ـ غرب»: صناعة هندية ـ خليجية بدعم أميركي
مشروع ممر شرق ـ غرب من الهند إلى أوروبا، عبر الخليج هو مشروع هندي ـ خليجي. وأيدته أميركا ربما لأنها تريده ميدانا جديداً لـ “حرب مشاريع البنية التحتية” مع الصين.والتي يصح تسميتها بحرب المبادرتين، أي مبادرة (B3W) الأميركية ـ الغربية، ومبادرة الحزام والطريق الصينية.
ولكن هل تأتي “حسابات بيادر” السعودية والإمارات والهند مخالفة “لحسابات حقول” الصين وأميركا ومجموعة السبع. ويكون المشروع نواة لمبادرة ثالثة تستفيد من المبادرتين انطلاقاً من مصالح الدول المعنية فيه. وليشكل تأكيداً على رفض هذه الدول الانجرار إلى سياسة المحاور. وتأكيداً على تموضعها خارج القوالب المرسومة لها من القطبين؟
هذه التساؤلات، لا تحمّل الأمور أكثر مما تتحمل، بل تضعها في نصابها الصحيح. ويتضح ذلك من المعطيات التالية:
- يشكل تأييد أميركا لمشروع ممر شرق ـ غرب، تعبيراً عن تغيير مهم في مقاربتها لعلاقتها بالدول النامية والدول العربية تحديداً. وذلك بالإنتقال من المستوى السياسي والأمني إلى المستوى الاقتصادي والتنموي المستند إلى مصالح هذه الدول. وهي المقاربة التي تعتمدها الصين والتي ساهمت في تعزيز وجودها ونفوذها في مختلف الدول الآسيوية والأفريقية وحتى الأوروبية. والهدف هو امتصاص غضب وقلق الدول الحليفة والصديقة تجاه المقاربة الأميركية. وتجلى ذلك على سبيل المثال، في مواقف بعض الدول العربية في مواضع عدة. والتي لم يكن أولها التنسيق مع روسيا في إطار (أوبك بلس)، والرفض الحازم لزيادة إنتاج النفط. ولن يكون آخرها انضمام السعودية والإمارات إلى مجموعة «بريكس» بموافقة الهند التي كانت تعارض بشدة توسيع المجموعة.
مشروع هندي ـ خليجي
- يصح اعتبار المشروع صناعة هندية ـ خليجية بمباركة أميركية. وهو بهذا المعنى، يعكس النمو المطرد لقوة الهند الاقتصادية والسياسية. فالاقتصاد الهندي يحتل حالياً المرتبة الخامسة بعد إزاحة فرنسا وبريطانيا. وهو ما يؤهل الهند عملياً لتكون القطب الثالث إلى جانب أميركا والصين. وقد أشار إلى ذلك الكاتب عبد الرحمن الراشد في مقال مهم بعنوان القوة الهندية تتوجه عربياً. ذكر فيه أن الهند لديها طموحات كبيرة مثل الصين. ولديها مشروع اقتصادي ـ سياسي مماثل لمشروع «الحزام والطريق»، هو «شرق غرب». وضمن هذا المشهد الدولي، تبرز دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات، كلاعب رئيسي يحرص الجميع على ضمه إلى فريقه. خاصة وأن إيران باتت بحكم علاقاتها المتوترة مع محيطها ومع القوى الكبرى، خارج اللعبة. وذلك على الرغم من موقعها الجغرافي الإستراتيجي. وهو ما يفسر جزئياً اعتماد مشروع «ممر شرق ـ غرب»، الشحن البحري إلى جانب السكة الحديد. كما يفسر تمسك إيران وروسيا بالمشروع المتعثر «ممر شمال ـ جنوب».
حرب المبادرتين
- تسعى أميركا من خلال تأييدها للمشروع إلى إحياء «مبادرة إعادة بناء عالم أفضل» Build Back Better World التي أطلقتها مجموعة السبع في العام 2021. ومع كل النفي والإنكار أن يكون هدفها منافسة المبادرة الصينية. لكن الرئيس جو بايدن كان حاسماً في ذلك بقوله إن «مبادرة «B3W» تشكل بديلاً عالي الجودة لمبادرة الحزام والطريق». ولذلك فإن نفي نائب وكالة الأمن القومي جون فاينر قبيل مؤتمر قمة العشرين، «أن يكون هدف المشروع منافسة الصين»، لم يكن في محله. خاصة وأن مبادرة «B3W» ليست يتيمة. فقد سبقها عدة محاولات تستهدف مبادرة الحزام والطريق مثل: مبادرة مجموعة العشرين في العام 2019 التي قادتها اليابان لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية، ومبادرة الاتحاد الأوروبي في 2021 لوضع استراتيجية عالمية للتواصل بين دول الاتحاد وآسيا، و مبادرة “شبكة النقطة الزرقاء” الخ…
وللدلالة على عمق المنافسة في هذا المجال، نشير إلى ان المبادرة الغربية التي استهدفت كما أعلن «تطوير مشاريع تراعي النواحي المناخية والبيئية والاجتماعية ومعايير الشفافية ومكافحة الفساد»، أعلنت في 13 يونيو 2021. وفي 23 يونيو أي بعد مرور أقل من عشرة أيام ردّت الصين بإعلان مبادرة جديدة أطلقت عليها «شراكة الحزام والطريق الخضراء».
حول حروب البنية التحتية بين الصين وأميركا، والتنافس بين المبادرة الغربية «إعادة بناء عالم أفضل» والمبادرة الصينية «الحزام والطريق»
معضلة التمويل
تبقى الإشارة إلى أن التحدي الأساسي الذي يواجه المشروع الهندي ـ السعودي ـ الإماراتي المدعوم من أميركا، هو توفير التمويل. وهو تحد يواجه كافة المبادرات المتعلقة بمشاريع البنية التحتية. إذ يشير تقرير للبنك الدولي إلى أن البلدان النامية تحتاج إلى حوالي 2.4 تريليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر القادمة. في حين أن التمويل الذي وفرته مثلاً، حكومات مجموعة السبع لمشاريع البنية التحتية في الدول النامية، لم يتجاوز 140 مليار دولار على مدى السنوات السبع الماضية. وينطبق ذلك على الصين، التي لم تضخ في مشاريع مبادرة الحزام والطريق، سوى 20 في المئة من المبالغ التي التزمت بها.
أما المراهنة على استثمارات القطاع الخاص فيبدو محفوفاً بالمخاطر، في ظل إحجامه تاريخياً عن ذلك. إذ يشير غوانغز تشين نائب رئيس البنك الدولي لشؤون البنية التحتية، إلى أن المتوسط السنوي لمساهمة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية في بلدان الاقتصادات النامية لم يتجاوز 79 مليار دولار سنوياً خلال الفترة 2000 – 2022. كما يشير إلى أن نحو 75 في المئة من هذه الاستثمارات تركزت في خمسة بلدان هي الصين، البرازيل، الهند، إندونيسيا وفيتنام.