الطاقة في الدول النامية: لا استثمار ولا تمويل، والرهان على «COP28»
ما يحدث على صعيد الاستثمار والتمويل في قطاع الطاقة، يدعو للحذر والتبصر في تداعياته الخطيرة على الدول النامية والفقيرة. فوكالة الطاقة الدولية تقدر أن يقفز الاستثمار في الطاقة المتجددة إلى حوالي 1.8 تريليون دولار هذا العام. أي ما يعادل ضعف الاستثمار في الطاقة الاحفورية تقريباً. وتتوقع أن ينتهي العام بحدث غير مسبوق وهو تجاوز الاستثمارات في الطاقة الشمسية فقط، إجمالي الاستثمارات في قطاع النفط والغاز.
ذلك هو الجانب المشرق من الصورة، ولكن الجانب المظلم الداعي للحذر، هو أن أكثر من ثلثي هذه الاستثمارات يتركز في الدول الغربية الغنية والصين. وتكمن خطورة ذلك في مجالين هما:
- حرمان الدول النامية والفقيرة من فرصة اللحاق بركب التنمية العالمي، من خلال منعها من استخدام الوقود الأحفوري حفاظاً على المناخ والبيئة. ومثال ذلك، الدول الأفريقية، التي تمتلك موارد ضخمة من الفحم والنفط والغاز. ولكنها بالمقابل تعاني حرماناً أضخم في موارد الطاقة والكهرباء اللازمة لتحقيق التنمية.
- حرمان الدول النامية والأفريقية تحديداً من فرصة الاستفادة من تطوير موارد الطاقة النظيفة لأنها لا تمتلك الأموال اللازمة لذلك. فمن أصل 1000 جيغاوط من الطاقة النظيفة التي أنتجت عالمياً لم تتجاوز حصة دول أفريقيا مجتمعة 1 في المئة. وبالتدقيق قليلاً، يلاحظ أن الجزء الأكبر من هذه النسبة الضئيلة استأثرت به خمس دول أفريقية فقط.
«لا طالت بلح الشام ولا عنب اليمن»
إذن الخلاصة، أن تقليص استخدام الوقود الأحفوري، بهدف تخفيض الانبعاثات، يتطلب توفير التمويل اللازم لتطوير الطاقة النظيفة. ليس في الدول الغنية فقط، بل في الدول النامية. التي تقدر حاجتها بحوالي 1.7 تريليون دولار سنوياً للوفاء بمتطلبات اتفاقية باريس بشأن الاحتباس الحراري. علماً أن هذه الدول يفترض أن تحظى بالحصة الأكبر من الاستثمارات والتمويل لسببين. الأول مقابل التنازل عن حقها الطبيعي باستخدام الغاز والفحم لتوليد الكهرباء. والثاني لأنها هي المرشحة لكي تستأثر بالحصة الأكبر من زيادة الطلب على الطاقة وبالتالي من الانبعاثات.
استثمارات الطاقة المتجددة 1.8 تريليون دولار، أي ضعف الطاقة الأحفورية تقريباً، تتركز بالدول الغنية، وحصة أفريقيا 1%
وعند هذا الحد يتضح حجم التضليل المرتبط بمقاربة الدول الغنية لقضية أمن الطاقة وأمن المناخ وانعكاساتها على الدول النامية. تلك المقاربة القائمة على الحرب الشعواء ضد الوقود الأحفوري والمطالبة بتخفيض استخدامه ووقف الإدمان عليه، كما قال أمين عام الأمم المتحدة. في وقت تواصل فيه المطالبة “بزيادة الجرعات” المخصصة لها. كما يتضح عمق الخطر المحدق بالدول النامية في حال صدقت مقاربة الدول الغنية أو اقتنعت بها. إذ ستخسر حينذاك فرصة الاستفادة من وقودها الأحفوري بدون الفوز بفرصة الطاقة النظيفة. فتكون “لا طالت بلح الشام .. ولا عنب اليمن”.
التمويل مسؤولية الدول الغنية
تقدر احتياجات البلدان النامية من التمويلات برقم يتراوح بين 1.7 و 2.4 تريليون دولار سنوياً على مدى العشر سنوات المقبلة. وكل ما يحكى عن توفير هذه المبالغ خارج التمويلات الحكومية من قبل الدول الغنية، هو “ذر للرماد في العيون” وتنصل من المسؤولية. وينطبق ذلك بالدرجة الأولى على الحديث “الممجوج والمكرر” منذ أربعة عقود عن الاستثمارات الخاصة كبديل للتمويل الحكومي. ونختصر الشرح بالاستناد إلى تقارير البنك الدولي التي تؤكد أن «المتوسط السنوي لمساهمة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية في بلدان الاقتصادات النامية لم يتجاوز 79 مليار دولار خلال الفترة 2000 – 2022». وهذا الرقم يشمل كافة مجالات البنية التحتية وليس الطاقة المتجددة فقط. أما الأدهى من ذلك فهو ما يذكره البنك الدولي أيضاً، بأن نحو 75 في المئة من هذه الاستثمارات تركزت في خمسة بلدان هي الصين، البرازيل، الهند، إندونيسيا وفيتنام.
المصدر الثاني الذي يتم الترويج له “زوراً وبهتاناً” هو مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، بنك التنمية الآسيوي، بنك التنمية الأفريقي الخ… ومع أن هذه المؤسسات تدير قروضاً ومساعدات ضخمة تقدر بعدة تريليونات الدولارات، لكنها مخصصة أصلاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر الخ… وما يحدث حالياً هو سعي الدول الغنية وتحديداً أميركا لتغيير أنماط عمل هذه المؤسسات وإجبارها على تحويل أنشطتها من تمويل التنمية إلى تمويل المناخ. وهو ما ظهر جلياً في «إستقالة» رئيس البنك العنيد ديفيد مالباس و «انتخاب» أجاي بانغا الذي وصفه الرئيس الأميركي بـ «القائد التحويلي» راجع مقال: بين تمويل التنمية والمناخ هل يتشظى البنك الدولي بقيادة “بانغا”.
اما المصدر الثالث وهو أسواق الكربون أو ما يسمى برامج تعويض الانبعاثات، فهو ما يزال في طور التشكل. إذ لم يتجاوز إجمالي قيمة التعويضات والإئتمانات المسجلة العام الماضي 2 مليار دولار على مستوى العالم. كما أن هناك جدلاً واسعاً بشأن سلامة الفكرة من حيث المبدأ.
النموذج الإماراتي و «COP 28»
مرة ثالثة يتضح حجم التضليل وعمق الخطر، في تنصل الدول الغنية من التزاماتها ومسؤولياتها، في تمويل مشاريع الطاقة النظيفة في الدول النامية. وكذلك في مساعدة هذه الدول في عملية التكيف مع تغيرات المناخ. إذ لم يتجاوز إجمالي التمويل الذي وفرته مجموعة الدول السبع لمشاريع البنية التحتية بما فيها الطاقة عموماً، 140 مليار دولار على مدى السنوات السبعة الماضية. كما أن هذه الدول لا تزال حتى اليوم تتنصل من دفع مبلغ الـ 100 مليار دولار سنوياً المخصص لسياسات التكيف. والذي التزمت به في مؤتمر «كوب 15». وتتخوف الدول النامية أن تقوم الدول الغنية بالالتفاف مرة أخرى على ما التزمت به في مؤتمر «COP 27» في شرم الشيخ بشأن دفع هذا المبلغ، وبشأن صندوق الخسائر والمخاطر. ويكمن التخوف بأن يتم إعادة تصنيف أو توجيه أو «تسمية» مصادر التمويل الحالية كما في حال تمويلات البنك الدولي مثلاً. وهو ما حذرت منه دراسة مهمة أعدتها منظمة «أوكسفام».
من هنا تأتي أهمية تركيز رئاسة مؤتمر الأطراف «COP 28» على الخروج بنتائج واضحة بشأن التمويل سواء ما يتعلق بصندوق الخسائر والمخاطر، أو بوفاء الدول الغنية بالتزاماتها لتمويل سياسات التكيف. وشدد المدير العام المعين لمؤتمر «COP 28» ماجد السويدي على ذلك بقوله «نحن بحاجة إلى اتخاذ قرارات مهمة تمتاز برؤية بعيدة، تكفل تغيير قواعد اللعبة وإحداث الفرق المطلوب». وتتوقع مصادر متابعة أن يسهم «COP 28»في دفع الدول المتقدمة نحو بلوغ عتبة الـ 100 مليار دولار.
وقد أرفقت دولة الإمارات تركيزها على قضية التمويل في مؤتمر «COP28»، بإطلاق مبادرة لتوفير تمويل بقيمة 4.5 مليار دولار لمشاريع الطاقة المتجددة في أفريقيا. وتمتاز المبادرة بأن التمويل الحكومي يلعب دور القاطرة والمحفز والضامن للاستثمارات الخاصة.