سيدات يقدن معركة وقف التغير المناخي

خلال السنوات القليلة الماضية، تشكلت السياسة الدولية للمناخ بدرجة كبيرة على أيدي مجموعة مترابطة من الساسة الذين أوشكت حياتهم المهنية على الانتهاء. وفي الفترة الحالية، يبرز قادة جدد من خارج مراكز القوة في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، بعضهم جديد على الساحة الدولية، والبعض الآخر مخضرم فيها. وتتصدر المرأة هذا الصف الجديد من القيادات.

وعن ذلك قالت جنيفر مورغان، مبعوثة ألمانيا الخاصة لشؤون المناخ: “تشغل النساء الآن مناصب صناع القرار، ما قد يزيد احتمال اتخاذهن قرارات مؤثرة قابلة للتنفيذ ومستمرة”، وإن امرأتين، لورانس توبيانا، مبعوثة فرنسا لشؤون المناخ، وكريستينا فيغريس، اللتين أدارتا الهيئة المعنية بالمناخ التابعة للأمم المتحدة، ساعدتا في التوصل إلى اتفاقية باريس التاريخية في 2015 لإبطاء وتيرة الاحترار العالمي.

ومع الانحراف الخطير للعالم عن مسار تحقيق هدف الحفاظ على زيادة درجة الحرارة في نطاق 1.5 درجة مئوية عن معدلاتها قبل الثورة الصناعية، تزايدت الحاجة إلى خطة شاملة لمواجهة تغير المناخ أكثر مما سبق. وهنا نتعرف على بعض قائدات تلك الجهود في الأعوام المقبلة.

ميا موتلي

ميا موتلي

تمكن قليلون من التفوق على ما حققته رئيسة وزراء بربادوس في تغيير قواعد لعبة تمويل العمل المناخي. فبخُطبها المؤثرة واقتراحاتها الجذرية، قادت جهوداً لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي بهدف تيسير حصول الدول الفقيرة على التمويل.

ترغب موتلي، 58 عاماً، في إجراء إصلاح شامل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما سيتيح للدول منخفضة الجدارة الائتمانية اقتراض مزيد من الأموال لاستثمارها في التدابير الوقائية للحماية من الظواهر الجوية المهلكة، ويجعلها مؤهلة لتخفيف أعباء الديون مؤقتاً عند وقوع كارثة ما.

في وقت سابق من هذا العام، اجتمع في باريس أكثر من 40 من قادة دول العالم لمناقشة خطتها، المعروفة باسم “أجندة بريدج تاون” (Bridgetown Agenda). وانتهت القمة بتأييد زيادة التمويل الطارئ السريع من صندوق النقد الدولي، ونظم الإنذار المبكر من الكوارث، والتأمين ضد الكوارث الطبيعية، والوقف المؤقت لسداد الديون.

تؤدي الدول الجزرية دوراً كبيراً في محادثات المناخ، إذ يمثل ارتفاع مستوى سطح البحر والأعاصير الكثيرة العنيفة تهديداً لوجودها. لكن موتلي هي من استحوذت على مركز الاهتمام بعرض حلول للدول النامية، فيما تحالفت مع زعماء، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكسب التأييد.

تريد موتلي إجراء إصلاح شامل لما يطلق عليها “مؤسستي نظام بربتون وودز” (Bretton Woods institutions)، وهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (بالإضافة إلى بنوك التنمية متعددة الأطراف التي أُنشئت بعدهما)، لتقرضا مزيداً من المال إلى الدول منخفضة الجدارة الائتمانية. وستساعد تلك القروض في تمويل إجراءات حماية السواحل، وفي التخفيف مؤقتاً من أعباء الديون عند وقوع كارثة ما. كما أشارت موتلي وبيرسود أيضاً إلى أن فرض ضريبة مناخ على الشحن أو المعاملات المالية قد يساعد.

رغم أن الاقتراحات جذرية، فقد بدأت تكتسب زخماً بين الدول المتقدمة التي طالما عارضت زيادة إسهاماتها. ففي وقت سابق من هذا العام، اجتمع أكثر من 40 من قادة دول العالم في باريس للاتفاق على كيفية تحويل “أجندة بريدج تاون” إلى واقع. وانتهت القمة بالاتجاه إلى زيادة التمويل الطارئ السريع من صندوق النقد الدولي، ونظم إنذار مبكر من الكوارث، وتأمين ضد الكوارث الطبيعية الناتجة تلقائياً عن الظواهر الجوية المتطرفة، وتعليق أقساط الديون مؤقتاً.

جينيفر مورغان

جنيفر مورغان

بصفتها ناشطة مناخية مخضرمة، حضرت جنيفر مورغان كل قمم المناخ، وأمضت 3 عقود تقريباً تساعد في إدارة المنظمات غير الربحية مثل “السلام الأخضر ” (Greenpeace) و”معهد الموارد العالمية” (World Resources Institute). إلا أن مورغان، 57 عاماً، دخلت معترك السياسة بنفسها في العام الماضي، ويتبع منصبها وزير خارجية ألمانيا مباشرة؛ إذ إنها ممثلة البلد لشؤون المناخ. وُلدت مورغان في نيو جيرسي، وتعيش في ألمانيا منذ 2003، لذلك؛ كان اختيارها مفاجئاً في بلد نادراً ما تُعيّن أجانب في أرفع مناصبها.

قالت مورغان إن ماضيها كناشطة مرموقة لم يعِقها، “فعندما تنضم إلى منظمة غير حكومية، يكون عملك غير تقليدي، مثل ممارسة الضغط وإثارة الرأي العام. لا أشعر بقيود على قول الحقيقة لمن في السلطة، لكن عليّ أن أفعل ذلك بشكل مختلف. فالكلمات أكثر أهمية”.

أدت مورغان دوراً جوهرياً في إنشاء صندوق جديد لتحمل تكلفة الأضرار المناخية في قمة المناخ “كوب 27” التي أقيمت العام الماضي في مدينة شرم الشيخ، بمصر. إلا أن غضبها كان واضحاً في نهاية القمة، نتيجة عدم إحراز تقدم بشأن خفض الانبعاثات.

كما قالت إن اتخاذ مزيد من الإجراءات هذا العام أمر حتمي، من جهتي خفض انبعاثات الكربون، وإقناع دول، مثل الصين والسعودية، بتحمل تكلفة التداعيات الناتجة -جزئياً- عن انبعاثاتها. وتشير إلى أن الصين في الفترة الحالية هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأن السعودية إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط، وأضافت “لم نعد في عام 1992”.

يُنتظر أن يسطع نجم مورغان في قمة مناخ “كوب 28” التي ستُقام في دبي هذا العام، بعد أن استقال فرانس تيمرمانس من منصب كبير مسؤولي المناخ في الاتحاد الأوروبي. قالت “نحتاج إلى خريطة طريق للتحول. ونحتاج أيضاً لاستيعاب الوضع الراهن لحماية مستقبل البشرية. هذا ما يحفزني”.

أيف بازيبا

إيف بازيبا

بدون بالوعة الكربون الضخمة التي يوفرها حوض نهر الكونغو، لخسرت البشرية معركة الاحترار العالمي. تحرص إيف بازيبا، 58 عاماً، على أن تدرك الدول الغنية ذلك، وأن تمول حماية هذا الحوض.

منذ توليها منصب وزيرة البيئة بجمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل عامين ونصف، أصبحت صوتاً صارخاً في المحادثات المتعلقة بالمناخ، نيابة عن الاقتصادات الناشئة التي تكافح للحصول على تعويض مقابل حماية بيئتها.

على رأس قائمة مطالب بازيبا، زيادة المقابل المالي لأرصدة الكربون التي تشتريها الشركات والدول التي تسعى إلى تعويض انبعاثاتها. كما أن لديها قدراً من النفوذ في عملية التفاوض؛ إذ إن الكونغو موطن ثاني أكبر غابة مطيرة وأضخم مساحة من أراضي الخُث الاستوائية في العالم.

تصف بازيبا نفسها بأنها براغماتية، وتروّج للكونغو على أنها “دولة توفر الحل” بغاباتها في المعركة ضد تغير المناخ. فالدولة لديها أكبر قدرة على توليد الطاقة الكهرومائية، ومخزونات هائلة من المعادن، مثل النحاس والكوبالت، اللازمة لتنفيذ التقنيات الخضراء. كما تدعم أيضاً إتاحة أجزاء من الغابة المطيرة للتنقيب عن النفط، مشيرة إلى استمرار قدرة الحكومة على حماية البيئة، وهو موقف جعلها محل جدل بين المدافعين عن البيئة.

لكنها ما تزال مصرة على رأيها؛ بدون الكونغو، لن ينجح أي نهج شامل لإبطاء وتيرة الاحترار العالمي. وفي حوار إذاعي حديث، قالت: “لا يوجد مجال في العالم- شمالاً أو جنوباً أو شرقاً أو غرباً- يمكنه مناقشة المشكلات المتعلقة بالمناخ بدون جمهورية الكونغو الديمقراطية”.

باربرا كريسي

باربرا كريسي

أثبتت باربرا كريسي، نظيرة بازيبا في جنوب أفريقيا، أنها مفاوِضة بارعة أيضاً متى تعلق الأمر بتمويل العمل المناخي. فقد ساعدت في 2021 على التوصل إلى اتفاق تاريخي مع الدول المتقدمة، منها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لتمويل تحول البلد عن استخدام الفحم.

منذ توليها المنصب في مايو 2019، ما تزال كريسي، 65 عاماً، مدافعة قوية عن الدول النامية، وهي تقول إن: “ظلماً يكمن في صميم أزمة المناخ يتمثل في أن قارة أفريقيا مسؤولة عن أقل من 2% من الانبعاثات التاريخية. إلا أنها الأشد تضرراً من تغير المناخ”.

الناشطة السابقة في مجال مكافحة الفصل العنصري هي مرشحة المفاجأة لتولي منصب وزير المالية في بلدها، ودافعت بقوة لتوفير مزيد من الدعم المالي لمساعدة الدول النامية على التأقلم مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وخفض الانبعاثات. وفي الوقت نفسه، حثت الاقتصادات الناشئة الأخرى على الاهتمام بالحلول، عوضاً عن الشكوى من وعود لم تتحقق.

وقالت: “كفانا عزفاً على وتر الشكوى بشأن التمويل البالغ 100 مليار دولار سنوياً” التي تعهدت الدول الغنية بتقديمه بحلول 2020، “لنتحدث عن البيئة بعد 2024. ما الأهداف الجديدة؟ أين سنجد تمويلاً عاماً جديداً؟”.

مارينا سيلفا

مارينا سيلفا

تتولى حالياً الفترة الثانية في منصب وزيرة البيئة وتغير المناخ في البرازيل، أمضت مارينا سيلفا، التي تبلغ من العمر 65 عاماً، مدة طويلة كرّستها للطبيعة. فهي ابنة مجتمع جامعي المطاط، وتنحدر من إحدى الولايات النائية والأشد فقراً في البلد، تقبع في عمق غابات الأمازون، لذا؛ فهي مثال حي لتبعات إزالة الغابات على المجتمعات المحلية التي تعتمد على الغابة المطيرة.

بوصفها عضواً في الحكومة اليسارية للرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، فهي مشغولة بإصلاح مقومات البلاد البيئية، بعد الإطاحة بجايير بولسونارو، أحد أشد معارضي الدفاع عن البيئة في العالم. وتصف سيلفا استعادة إجراءات حماية الغابة المطيرة بأنها “تعافي ما بعد الحرب”. منذ تولي لولا دا سيلفا المنصب في يناير الماضي، تراجع معدل إزالة الأشجار في غابة الأمازون بنسبة 49.7%.

قالت سيلفا: “هناك أمور يتعين علينا عدم التشبث بها، مثل فكرة أن البرازيل قوة زراعية، لأن النباتات تغطي مساحة كبيرة منها. تلك فكرة يجب التخلي عنها”.

فيما تستعد البرازيل لرئاسة مجموعة العشرين في العام المقبل، واستضافة قمة المناخ “كوب 30” في 2025، فالفرصة متاحة أمام سيلفا في دبي لتوضيح موقف بلدها من تغير المناخ، قبل أن تصبح مركز اهتمام الساحة الدولية.

وقالت راشيل كليتوس، كبيرة المحللين الاقتصاديين ومديرة السياسات في “اتحاد العلماء المهتمين” إن خبرات سيلفا السابقة تجعلها صوتاً فريداً، وإنها “تقدم وجهة نظر لا تستوعب القضايا المطروحة فحسب، بل تدرك دور الشعب أيضاً، لا سيما السكان الأصليون”.

المصدر: اقتصاد الشرق من بلومبيرغ

Back to top button