الهيدروجين النظيف: انطلاقة قوية تعرقلها التكلفة المرتفعة

حلول ومبادرات خلال كوب28 لتعزيز تجارة الهيدروجين وتعاون القطاعين العام والخاص

تشهد صناعة الهيدروجين النظيف انتعاشاً ملفتاً على مستوى عدد المشاريع والاستثمارات المعلنة. وكذلك على مستوى تطوير الأطر التنظيمية وآليات التعاون الدولي. وشكل مؤتمر “كوب 28” دفعة قوية في هذا السياق على صعيدي التعاون بين القطاعين العام والخاص وفتح وتعزيز ممرات التجارة في الهيدروجين ومشتقاته. لكن في المقابل يواجه تطور هذه الصناعة عقبة كبيرة تتمثل بارتفاع تكلفة الإنتاج. ما أدى إلى اقتصار نسبة المشاريع المنفذة على 7 في المئة فقط من المشاريع المعلنة.

كان العام 2023 حافلاً بالاتجاهات المتضاربة في صناعة الهيدروجين النظيف (المنخفض الكربون والمتجدد). فقد قفز عدد المشاريع المعلنة من نحو 700 مشروعاً في مايو 2022 إلى 1400 في أكتوبر 2023. وباستثمارات معلنة قدرها 570 مليار دولار حتى العام 2030. وبقدرة انتاجية لهذه المشاريع تفوق 45 مليون طن سنوياً.

أين المشكلة ؟

لكن في المقابل تذكر النسخة المحدثة من تقرير تدفقات الهيدروجين العالمية لعام 2023 ، الذي أصدره مجلس الهيدروجين بمشاركة شركة ماكينزي آند كومباني، أن نسبة 7 في المئة فقط من مشاريع الهيدروجين المعلنة تدخل مرحلة التنفيذ. ومن أصل الـ 45 مليون طن هناك 3 ملايين طن باتت قيد التنفيذ كما في أكتوبر من هذا العام. ويلاحظ ان أوروبا سجلت النسبة الأدنى في عدد المشاريع المنفذة إلى المشاريع المعلنة، إذ بلغت 3 في المئة. مقابل 15 في المئة في أميركا و 35 في المئة في الصين.

الطلب على تجارة الهيدروجين ترتفع إلى 40 مليون طن في 2030، ويتوقع نقل نصفها عبر الأنابيب

وأرجع التقرير السبب في ذلك إلى ارتفاع التكاليف بنسبة تتراوح بين 30 و 65 في المئة خلال العام الماضي. ويشمل ذلك بشكل رئيسي تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة، والنفقات الرأسمالية. ما رفع بالتالي تكلفة الكيلوغرام إلى 4.5 – 6.5 دولار. في حين كان متوقعاً أن تنخفض إلى 2.5 – 4 دولار.

… وأين الحل ؟

الحل المستدام والحاسم هو بتخفيض تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة والتحلل الكهربائي. ولكن ذلك يتطلب تطوير التكنولوجيا، وبالتالي ضخ استثمارات كبيرة. كما يتطلب تجاوز مشاكل ارتفاع أسعار المعادن النادرة. ويعتبر مجلس الهيدروجين أن التغلب على هذه المشكلة يؤدي إلى تخفيض نسبته نحو 70 في المئة في التكاليف الإجمالية. ولكنه يشير في المقابل إلى وسيلة أخرى قد يكون تنفيذها أسهل، وهي تحسين إنتاج الهيدروجين وآليات إدارة المشاريع الذي يمكن أن يقلل التكاليف بنسبة  لا تقل عن 25 في المئة.

وهناك حلول أخرى ترتبط بالتشريع والتنظيم، والسياسات العامة، خاصة ما يتعلق بتعزيز تجارة الهيدروجين بين البلدان التي لديها فائض في القدرة الإنتاجية بتكلفة منخفضة و البلدان التي تحتاج إلى الواردات. خاصة وأن الفرق في التكلفة يتوقع أن يصل بحلول العام 2030 إلى 15 ضعفاً بين المناطق الأعلى والأدنى تكلفة. وهو الأمر الذي يستدعي التركيز على توفير البنية التحتية اللازمة للنقل وخاصة خطوط الأنابيب وشحنات الأمونيا النظيفة وعلى ربط الموردين بالمستوردين. لأنه يتوقع أن تبلغ حصة الأنابيب من إجمالي تجارة الهيدروجين نحو 50 في المئة في العام 2030.

وأشار تقرير تدفقات الهيدروجين إلى أن الطلب على الهيدروجين النظيف سيقفز إلى أكثر من 40 مليون طن سنوياً بحلول العام 2030. ومع حلول العام 2050، سينمو الطلب إلى 375 مليون طن سنوياً. وسيتم نقل ما لا يقل عن 200 مليون طن منها لمسافات طويلة. تتوزع بواقع 40 في المئة لخطوط الأنابيب، و 20 في المئة للكيروسين الاصطناعي و 20 في المئة للأمونيا. وتكون النسبة الباقية من نصيب الهيدروجين المشحون بحراً والميثانول والفولاذ الأخضر الخ…

وضع الحلول على سكة التنفيذ

هذه المعطيات وجدت صداها في مؤتمر الأطراف “كوب28” حيث كان للهيدروجين نصيباً مهماً في المداولات والفعاليات. وتجسد ذلك من خلال تطورين رئيسيين هما:

مداولات الهيدروجين خلال كوب28

أولا: شراكة القطاعين العام والخاص

شهد مؤتمر الأطراف توقيع اتفاقية شراكة بين المنتدى الدولي لتجارة الهيدروجين (IHTF) ومجلس الهيدروجين. ويضم المنتدى الذي تم إطلاقه في الاجتماع الوزاري للطاقة النظيفة (CEM14) في 22 يونيو 2023، حكومات 13 دولة من بينها دولتين عربيتين هما السعودية ودولة الإمارات. ويهدف إلى التنسيق بين المصدرين والمستوردين المحتملين للهيدروجين ومشتقاته، بتنسيق من اليونيدو. أما مجلس الهيدروجين فهو مبادرة عالمية تضم حوالي 150 من كبريات الشركات العالمية. وتم إطلاقه في العام 2017، من قبل 13 شركة هي: إير ليكيد، ألستوم، أنجلو أمريكان، مجموعة بي إم دبليو، دايملر، إنجي، هوندا، هيونداي، كاواساكي، شل، ليند، توتال، تويوتا.

وتعد اتفاقية الشراكة خطوة مهمة تجمع القطاعين العام والخاص لتعزيز تطوير سلاسل قيمة الهيدروجين الدولية. وهي تركز بشكل رئيسي على الأنشطة العملية

وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي

لتنفيذ بيان العمل بين القطاعين العام والخاص (PPAS) الذي تم إطلاقه في المائدة المستديرة رفيعة المستوى في “COP28″. ويشمل ذلك التعاون في ممرات التجارة عبر الحدود في مجال الهيدروجين ومشتقاته. وتحديد الفرص ذات القيمة المضافة الاجتماعية والاقتصادية للأسواق الناشئة والبلدان النامية وعلى المستوى الدولي عموماً.

وشدد سهيل المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي والرئيس المشارك للمنتدى الدولي للهيدروجين على أهمية ” التعاون بين القطاعين العام والخاص لتعزيز تنفيذ ممرات التجارة عبر الحدود في الهيدروجين ومشتقاته على المستوى الدولي. ورحب بالشراكة بين المنتدى والمجلس الهادفة إلى تسريع التعاون في الإجراءات ذات الأولوية لإنشاء سلاسل التوريد العالمية.”

أما يوشينوري كانيهانا الرئيس المشارك لمجلس الهيدروجين فقال تماشيًا مع بيان العمل بين القطاعين العام والخاص الذي تم إطلاقه في COP28، سنعمل على تعزيز الحلول التكنولوجية والبنية التحتية اللازمة لتزويد العالم بالطاقة الهيدروجينية المستدامة والآمنة وبأسعار معقولة.

نحو 60 من الهيدروجين النظيف سيتم نقله لمسافات طويلة بحلول العام 2020 (الصورة مجلس الهيدروجين )

مبادرات رئاسة كوب 28

عقد اجتماع مائدة مستديرة رفيع المستوى لرئاسة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بشأن الهيدروجين. وتم خلاله إعلان عدد من المبادرات لتسريع تسويق الهيدروجين للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية. وإطلاق العنان للفوائد الاجتماعية والاقتصادية لسلاسل القيمة العابرة للحدود للهيدروجين ومشتقاته. ومن هذه المبادرات:

  • بيان العمل بين القطاعين العام والخاص بشأن ممرات التجارة عبر الحدود في مجال الهيدروجين ومشتقاته بالشراكة مع المنتدى الدولي لتجارة الهيدروجين ومجلس الهيدروجين
  • إعلان النوايا الحكومي الدولي بشأن الاعتراف المتبادل بخطط إصدار الشهادات للهيدروجين ومشتقاته يغطي أكثر من 80 في المئة من السوق العالمية المستقبلية للهيدروجين ومشتقاته.
  • دعم منهجية المنظمة الدولية للمعايير ISO التي توفر معياراً عالمياً لتقييم انبعاثات غازات الدفيئة لمسارات الهيدروجين على أساس تحليل دورة الحياة.

شارك في الاجتماع أكثر من 20 مسؤول حكومي من البلدان المستوردة والمصدرة للهيدروجين، إضافة إلى وفد من الرؤساء التنفيذيين لمجلس الهيدروجين. وضم الاجتماع مسؤولين من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، والاجتماع الوزاري للطاقة النظيفة (CEM)، والوكالة الدولية للطاقة ، والمنظمة الدولية للمعايير (ISO)، والشراكة الدولية للهيدروجين وخلايا الوقود في الاقتصاد (IPHE).

وقال الدكتور فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية : اليوم هو يوم مهم بالنسبة للهيدروجين منخفض الانبعاثات. يمكن أن تكون المبادرة الرائدة التي قدمتها رئاسة مؤتمر الأطراف حافزا لتسريع التحولات في مجال الطاقة النظيفة.

Related Articles

Back to top button