اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال: حروب ودويلات أم تسويات واستثمارات ( 1 من 2 )

السيسي محذراً من التداعيات: «محدش يجرب مصر»

هل تكون اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال لتأجير منفذ بحري في ميناء بربرة، وإقامة قاعدة عسكرية، فتيل تفجير للصراعات الدموية في المنطقة؟ أم تكون مدخلاً لمشهد جديد من التحالفات والتسويات والاستثمارات؟

درءاً لشبهة تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، تجدر ملاحظة أن الاتفاقية أكبر من قدرة إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال ليس على تنفيذها وحسب. بل على مجرد البحث فيها بدون دفعة أو «تعليمة» من قوى محلية كبيرة أو دولية أكبر. ولذلك شكل مجرد الإعلان عنها هزة عنيفة في التوازنات الهشة والمتفجرة في القرن الأفريقي والمنطقة. كانت أبرز تجلياتها، التهديد المباشر من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باللجوء إلى القوة العسكرية لمنع تنفيذها قائلاً «ما حدش يجرب مصر».

التطورات بين احتمالين، الأول حروب بالوكالة ودويلات، والثاني، تسويات وإعادة تشكيل التحالفات

ولذلك رأت بعض مراكز الدراسات أن دوافع وتداعيات اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال تتأرجح بين احتمالين؛ الأول أن تكون مقدمة لمرحلة من الحروب بالوكالة تديرها القوى الدولية والإقليمية. وتستهدف إعادة رسم خرائط جديدة للمنطقة وإقامة دويلات ومناطق حكم ذاتي. تبدأ بجمهورية أرض الصومال «صوماليلاند» التي لم تعترف بها أي دولة حتى الآن. ولا تنتهي في سوريا والعراق وربما لبنان. مرورا طبعاً بـ «دولة فلسطين».

ونفتح هلالين للإشارة إلى احتمال تورط الصين في هذه الحروب. حيث ذكر تقرير لمعهد أميركان إنتربرايز أن «الاشتباكات القبلية التي اندلعت مؤخراً في منطقة «لاسعانود» في أرض الصومال تمثل أول حرب بالوكالة تشنها الصين في أفريقيا».

أما الاحتمال الثاني، فهو أن يكون الاتفاق البداية الفعلية لإعادة تشكيل التحالفات بين محوري «الممانعة» بقيادة الصين وعضوية روسيا وإيران. وبين محور «الموالاة» بقيادة أميركا وبقية دول المنطقة والعالم. وليأخذ الصراع هذه المرة، شكل التنافس على قاعدة المصالح القائمة على الممرات الاقتصادية والموانئ والسكة الحديد، وعلى أنابيب النفط وكابلات الألياف الضوئية والمدن الذكية الخ…

ما هي اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال ؟

قبل استعراض التطورات المرتقبة ومواقف الدول المعنية والمؤثرة من مذكرة التفاهم التي تم توقيعها مطلع العام الحالي. تجدر الإشارة إلى أن رئيس جمهورية أرض الصومال موسى بيهي عبدي، أعلن أنه سيتم إعلان تفاصيل الاتفاقية النهائية حين التوقيع عليها خلال شهر فبراير 2024. ولكنه أشار لاحقاً إلى أنها تتضمن، استخدام إثيوبيا لمساحة 20 كيلومتراً مربعاً في محيط ميناء بربرة لمدة 50 سنة. مع إمكانية بناء قاعدة عسكرية بحرية، ومنطقة تجارية.

أما جمهورية أرض الصومال فتحصل على الاعتراف بها كدولة مستقلة من قبل إثيوبيا. ما يمثل بالنسبة لها الجائزة الكبرى. لأن إثيوبيا لا يمكن أن تفعلها بدون ضوء أخضر من الدول الكبرى. كما تحصل أيضاً على بدل نقدي سنوي وحصة في الخطوط الجوية الإثيوبية.

ميناء بربرة

… وما هي خلفياتها؟

معروف ان إثيوبيا فقدت منذ استقلال إريتريا عنها في العام 1993 أي منفذ على البحر. لتتحول بذلك إلى أكبر «دولة حبيسة» في العالم. وحاولت تجاوز هذه المشكلة بعدد من المبادرات كشق الطرق وسكك الحديد إلى كينيا وجيبوتي وجمهورية أرض الصومال ولكن دون نجاح يذكر. وهي تعتمد حالياً على ميناء جيبوتي بنسبة 95 في المئة تقريباً في تجارتها الخارجية. وتحصل جيبوتي في المقابل على مبلغ سنوي يتراوح بين 1.5 و 2 مليار دولار. إضافة إلى تملك أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية وشركة الاتصالات. وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على الموارد المالية لإثيوبيا، الضئيلة أصلاً، كما يقول البنك الدولي.

على ماذا يستند الرئيس آبي أحمد لتأكيد تنفيذ الاتفاق وفك أسر «دولته الحبيسة»، بعد فشله في تنفيذ اتفاق مماثل في 2018

ولذلك فإن إيجاد منفذ على البحر الأحمر يعتبر بمثابة «تحد وجودي لإثيوبيا التي لن تقبل بعد اليوم أن تبقى في سجن جغرافي قاتل» على حد تعبير رئيس الحكومة آبي أحمد تعقيباً على توقيع مذكرة التفاهم. وليكون السؤال البديهي؛ على ماذا يستند الرئيس آبي أحمد في تأكيد عزمه على فك أسر دولته الحبيسة هذه المرة. وذلك بعد فشل محاولته في العام 2018. حيث أبرمت إثيوبيا وأرض الصومال اتفاقية لشراء حصة قدرها 19 في المئة في ميناء بربرة. لكن حكومة هرجيسا أعلنت في يونيو 2022 إلغاء الاتفاقية بسبب تخلف إثيوبيا عن استيفاء الشروط المطلوبة لإتمام الصفقة. وأبرزها شق طريق بطول 260 كيلومتراً يربط ميناء بربرة بالأراضي الإثيوبية. وذلك رغم إبداء دولة الإمارات استعدادها للمساعدة في تمويل المشروع.

إقرأ أيضا:  هل تخاطر الصين بعسكرة طريق الحرير

قراءة في ظروف وتقاطعات الاتفاقية

تتظهر بشكل أوضح أهمية وحساسية اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال، بالنظر إلى تشابك تأثيراته وظروف إعلانه ومواقف الدول المعنية منه. ويلاحظ من خلال نظرة سريعة؛ أن الاتفاق جاء في ظل ما يلي:

–    دخول إيران حلبة الصراع في القرن الأفريقي والبحر الأحمر من خلال تنظيم «أنصار الله» تحت ستار الحرب الإسرائيلية على فلسطين. وتحول «الحالة الحوثية» إلى مشكلة عالمية وليس مشكلة خليجية فقط. وباتت تؤرق أميركا والدول الغربية وكذلك الصين بسبب حالة الشلل الجدي في التجارة الدولية نتيجة استهداف الناقلات والسفن . الأمر الذي بات يستدعي إيجاد حل مستدام للقضية اليمنية عن طريق تقليص قوة الحوثيين. وربما على قاعدة التقسيم والانفصال إذا تعذرت الوحدة. ويجدر التوقف هنا عند التفاهمات المرتقبة بين الصين وأميركا حول حرية الملاحة في البحر الأحمر. وطلب أميركا العلني مساعدة الصين في الضغط على إيران لوقف هجمات الحوثيين.

أقاليم الصومال صراعات مفتوحة على كل الاحتمالات

–    جاءت الاتفاقية بعد مرور أيام قليلة على مباحثات بين حكومتي الصومال وأرض الصومال بمبادرة ورعاية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي لاستعادة وحدة الصومال. وهو ما اعتبره بعض المراقبين، ضربة استباقية من إثيوبيا وأرض الصومال وبدعم فرنسي ـ غربي، لقطع الطريق على إمكانية استعادة الوحدة. الأمر الذي يسهم في دخول الصومال حالة «البلقنة» بعد «الصوملة» أي توالي الاعترافات الدولية بكيانات مفصلة على قياس القبائل. ومرة أخرى هناك من يرى ذلك كمقدمة لمرحلة الحروب والإضطرابات. في حين يراه البعض الآخر مقدمة لمرحلة الاستقرار والتنافس.  (راجع الخريطة المرفقة)

–    تفاقم الأزمة السياسية في إثيوبيا وتصاعد الصراعات الإثنية والنزعات الانفصالية في بعض الأقاليم المطالبة بالاستقلال عن إثيوبيا. حيث تشكل الاتفاقية وتحقيق حلم المنفذ البحري، دعماً لحكومة آبي أحمد المأزومة. وإن كان الاعتراف باستقلال أرض الصومال يحمل في طياته خطر تشجيع النزعات الانفصالية في إثيوبيا.

–    تصاعد المعارك في السودان وانغلاق أفق الحل السياسي، خاصة بعد تشابك التدخلات الإسرائيلية والتركية والعربية. وتزايد المخاوف من توسع الحرب إلى شرق السودان ومدينة بورتسودان تحديداً. التي تحولت إلى العاصمة الفعلية بعد ان انتقل إليها عبد الفتاح البرهان والحكومة والبعثات الدبلوماسية. وتزايد المخاوف من تصاعد النزعات الإنفصالية.

معهد أميركان إنتربرايز: الاشتباكات القبلية في «لاسعانود» بأرض الصومال هي أول حرب بالوكالة تشنها الصين في أفريقيا

.. وفي مواقف الدول المعنية

مع أن غالبية الأطراف الإقليمية والدولية بادرت إلى إعلان رفضها لاتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال. إلا أنه من المبكر الحديث عن المواقف النهائية بانتظار وضوح مسار التطورات باتجاه التسويات والاستثمارات أم باتجاه الحروب والإضطرابات. وكان لافتاً أن ردود الفعل ظلت في إطار «اللازمة الدبلوماسية» التي تتكرر في مثل هذه الأزمات. وهي احترام سيادة ووحدة أراضي الصومال، ومطالبة إثيوبيا بالتراجع عن الاتفاقية، والدعوة إلى حل المشكلة بالحوار. وكان ذلك القاسم المشترك بين البيانات الصادرة عن أميركا والصين والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية وكافة الدول المعنية تقريباً. أما الإجراء العملي الوحيد فكان إصدار الصومال قانوناً يُلغي مذكرة التفاهم باعتبارها غير شرعية. وحتى الموقف المصري جاء «حمال أوجه» في جانب منه، فدعا الرئيس السيسي إثيوبيا إلى «سلوك الطرق المتعارف للحصول على تسهيلات في الموانئ لأن ذلك أمر لا يرفضه أحد، أما وضع اليد على أراضي الغير فهو أمر لن يوافق عليه أحد».

يبدو أن إثيوبيا وأرض الصومال، قرأتا (أو أبلغتا)، أن ردود الفعل المنضبطة تمثل رسالة تشجيع لتوقيع الاتفاقية. وهو ما يستدعي قراءة متأنية في مواقف الدول الرئيسية الفاعلة مثل؛ أميركا، الصين، مصر. وكذلك الدول التي يبدو أنها تراهن على مسار التسويات والاستثمارات وتحتفظ بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف مثل دولة الإمارات وتركيا وبريطانيا وكينيا والاتحاد الأوروبي…

… ذلك ما نستعرضه في الجزء الثاني من التقرير، ويتضمن:

–  الصومال: بين التقسيم وحرب جديدة مع إثيوبيا

–  مصر: التهديد بالحرب بانتظار التطورات

–  أميركا: مايسترو يعزف ألحاناً غب الطلب

–  الصين : المتضرر الأكبر، وخطر التورط في «حروب بالوكالة»

Related Articles

Back to top button