قرار أرامكو بتأجيل زيادة الطاقة الإنتاجية: الأسباب والأبعاد
ترتيب أولويات الإنفاق، تعزيز الأرباح، وطرح جديد للأسهم
ما هي أسباب وأبعاد قرار شركة أرامكو السعودية تأجيل زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط من 12 إلى 13 مليون برميل يومياً؟ وما مدى دقة وصحة التحليلات التي حمّلت القرار أكثر مما يحتمل. وصولاً إلى «شطط التحليل» باعتباره مؤشراً على تغيير في رؤية السعودية لمستقبل النفط.
بداية هناك بعض الحقائق والمعطيات المتعلقة بعدم صحة ربط القرار برؤية السعودية لمستقبل النفط، أو «اقتناع المملكة بصحة توقعات وكالة الطاقة الدولية للطلب على النفط. الذي سيبلغ ذروته في العام 2025».ومن هذه الحقائق والمعطيات ما يلي:
اختلال العرض والطلب
- اختلال ميزان العرض والطلب في السوق النفطية. والسبب هو النمو المعتدل في الطلب نتيجة حالة الاقتصاد العالمي وخاصة في الصين. ولكن الأهم هو ضخامة العرض غير المنطقي نتيجة الضخ بأقصى طاقة ممكنة من قبل الدول خارج تحالف (أوبك بلس)، وخاصة الولايات المتحدة. ما أضطر دول التحالف إلى إجراء تخفيضات كبيرة في الإنتاج. وأضطرت السعودية مثلاً إلى تخفيض إنتاجها إلى 9 ملايين برميل يومياً. ما يعني وجود حوالي 25 في المئة كطاقة إنتاجية فائضة . واعتبر بوب ماكنالي، رئيس مجموعة “رابيدان إنرجي” والمسؤول السابق في البيت الأبيض، أن أرامكو تتوقع عودة السوق للتوازن خلال العامين المقبلين بعد تراجع الإمدادات من خارج (أوبك بلس). وعندها ستكون السعودية جاهزة لتلبية الطلب الإضافي. علماً ان وصول إنتاجها إلى حدود الطاقة الإنتاجية أي 12 مليون برميل قد يتطلب عدة سنوات كما تقول شركة “كبلر” (KPLER).
تأجيل مشاريع غير ملحة
- يرجح أن يطال التخفيض المشاريع التي لم يتخذ قرار نهائي بشأنها مثل حقل السفانية. ما يعني مواصلة تنفيذ المشاريع القائمة. وأيضاً مواصلة الإنفاق على صيانة الآبار للحفاظ على طاقة إنتاجية قدرها 12 مليون برميل. وذلك يعني عدم تأثر قطاع النفط المحلي خاصة شركات الحفر والخدمات الأخرى على المدى القصير.
السعودية لديها طاقة فائضة بنحو 3 ملايين برميل، لن تحتاجها قبل عدة سنوات بسبب ضخامة إنتاج الدول خارج «أوبك بلس»
- لم تعلن أرامكو حجم التخفيض، والمتوقع أن يتم ذلك خلال شهر مارس المقبل مع إعلان النتائج المالية للعام 2023. وإن كان يتم تداول رقم 5 مليارات دولار سنوياً كما ذكرت شركة “أر بي سي كابيتال”. ولكن المهم أن التخفيض سيتم من ذروة غير مسبوقة بلغها الإنفاق الرأسمالي العام الماضي وتراوح بين 45 و55 مليار دولار. مقابل حوالي 32 مليار دولار للعام 2021. وللمقارنة والتوضيح، فإن إنفاق أكبر منتج أميركي للنفط وهي شركة “إكسون موبيل”، لن يتجاوز 27 مليار دولار خلال العام الحالي. ما يعني علمياً ان إنفاق أرامكو على الاستكشاف سيبقى الأعلى في العالم.
تخفيض استهلاك النفط محلياً قد يرفع الطاقة الفائضة من 3 إلى 4 ملايين برميل
- هناك مسألة بالغة الأهمية لا يتم التطرق إليها في «تحليلات المحللين» وهي الجهود الحثيثة لتخفيض استهلاك النفط في السوق المحلية. ويشمل ذلك ترشيد الاستهلاك بالدرجة الأولى وخاصة الكهرباء، وتطوير الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء مع التوسع في استخدام الغاز بدلاً من النفط. حيث تستهدف المملكة زيادة حصة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى حوالي 50 في المئة. وكل ذلك سيؤدي إلى تخفيض كبير في استهلاك النفط المخصص للاستهلاك المحلي والذي بلغ العام الماضي حوالي 3.8 مليون برميل يومياً. ما يعني وجود كميات ضخمة ستكون جاهزة للتصدير. أي أن الطاقة الفائضة تصبح تلقائياً أكبر بكثير من 3 مليون برميل يومياً.
أولويات الإنفاق وتجيل زيادة الطاقة الإنتاجية
يستنتج من كل ذلك أن خطوة أرامكو لا تعدو كونها إعادة ترتيب جزئية لأولويات الإنفاق الرأسمالي. في ظل حقيقة ان مشاريع الاستكشاف باتت في حالة أرامكو حالياً، ضرورية ولكن ليست ملحة. خاصة وأنها غير مدرة للدخل على المدى القصير. بحيث يتم توجيه الإنفاق نحو القطاعات والمشاريع الضرورية، والملحة، والمدرة للدخل. ويشمل ذلك على سبيل المثال مشاريع التنويع الاقتصادي والطاقة المتجددة وتخفيض البصمة الكربونية الخ… سواء على مستوى الشركة نفسها أم على مستوى الاقتصاد السعودي عموماً.
القرار يخفف الضغط على ميزانية أرامكو ويعزز نجاح طرح جديد محتمل للأسهم
وإذا كان هناك من أبعاد للقرار بعيداً عن «شطط تحليلات» تغيير رؤية المملكة لمستقبل النفط. فإنه يؤثر إيجاباً على المستثمرين في أرامكو وفي طليعتهم طبعاً الحكومة التي تمتلك الحصة الأكبر. إذ ستتمكن الشركة من زيادة الأرباح الموزعة. فتأجيل المشاريع وخفض الإنفاق بحوالي 5 مليارات دولار يخفف الضغط على ميزانية الشركة. ويجعلها أكثر جذباً للمستثمرين.
تعزيز الأرباح وطرح جديد للأسهم
يكتسب هذا البعد أهميته، إذا صحت التوقعات بأن الحكومة تدرس طرح جديد لأسهم أرامكو قريباً. وقد يكون من أكبر الاكتتابات العامة عالمياً. وربما يصل إلى 10 مليارات دولار، كما نقلت وكالة بلومبرغ عن بعض المصادر التي وصفتها بالمطلعة. وكان أول طرح لأسهم أرامكو قبل 4 سنوات، قد جمع حوالي 30 مليار دولار. واعتبر في حينه أكبر اكتتاب عام في في العالم.
تبقى الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أنه لم يعد مقبولاً أن تتحمل السعودية وبقية دول أوبك و (أوبك بلس) أعباء المحافظة على طاقة إنتاجية احتياطية لضمان استقرار الأسواق. إذ يجب على كافة الدول المنتجة والمستهلكة ان تشارك في تحمل هذه الأعباء. لا سيما في ظل الحملات التي تقودها دول ومنظمات ضد الوقود الأحفوري والدول المنتجة له. في حين تندفع هذه الدول مثل الولايات المتحدة إلى زيادة طاقاتها الانتاجية والضخ بالحد الأقصى لتصبح الدولة الأولى إنتاجاً وتصديراً.