لماذا لا تعترض السلطة وحماس على تراخيص الغاز الإسرائيلية في بحر فلسطين

منظمات حقوقية تقاضي إسرائيل، وبرلمان إيطاليا يستجوب شركة «إيني» والحكومة

من يعتقد أن الكلام عن الحدود البحرية لفلسطين واستيلاء إسرائيل على ثروة الغاز  فيها، في غير أوانه. فليراجع قيام إسرائيل في 29 أكتوبر ـ أي في عز العدوان على فلسطين ـ بمنح 12 رخصة للتنقيب عن الغاز في بحر فلسطين. وليتوقف عند حقيقة أن الرد العملي الوحيد جاء من قبل أربعة منظمات حقوقية ومن قبل البرلمان الإيطالي. وسط صمت مستهجن لممثلي الشعب الفلسطيني. فهم مشغولون إما بمراضاة إسرائيل واسترضاء أميركا. وإما بالحرب معها واسترضاء إيران والإخوان. وليشهد العالم ذلك التكرار الممل والمدمر لمعادلة «صحيح راحت الضفة وغزة، ومعهما بحر فلسطين، لكن بقيت السلطة وحماس… وانتصرنا».

طبعاً لا أحد يتوهم أن يؤدي الاعتراض إلى تراجع إسرائيل. ولكن إثارة نزاع قانوني حول الحدود البحرية لفلسطين بما يحفظ الحقوق. هو أولاً أبسط واجبات أي سلطة أو حركة مقاومة. فالصراع مع الكيان الإسرائيلي لا يجوز اختصاره «بأبي عبيدة وقذائف الياسين». وثانياً، لأنه يؤدي إلى إرباك الشركات التي تتجنب العمل في مناطق نزاعات حدودية كما سنبين لاحقاً.

إتهام إسرائيل بالتعدي على الغاز في بحر فلسطين

اشتعلت المشكلة في 6 فبراير الحالي، مع إقدام المنظمات الأربعة وهي مركز الميزان لحقوق الإنسان، مؤسسة الحق، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وعدالة، على توجيه إخطارات عن طريق مكتب دولي للمحاماة إلى الشركات الفائزة بالتراخيص. وطالبتها بوقف أي نشاط في المساحات المتنازع عليها مع دولة فلسطين. كما وجهت في 5 فبراير رسالة إلى وزير الطاقة والنائب العام الإسرائيليين، تطالبهما بإلغاء تراخيص التنقيب. مع الوقف الفوري لأي نشاط يتعلق استغلال موارد الغاز في بحر فلسطين.

إخطارات قانونية للشركات بوقف العمل، تحت طائلة اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة «نهب موارد شعب تحت الإحتلال»

وذكرت المنظمات في مطالعتها، أن حوالي 62 في المئة من المنطقة G تقع ضمن الحدود البحرية لدولة فلسطين. وقد فازت بالتراخيص في هذه المنطقة كل من “إيني” الايطالية (مشغل) و”دانة بتروليوم” الكورية الجنوبية و “ريشيو إنيرجيز” الإسرائيلية. كما ذكرت أن حوالي 73 في المئة من المنطقتين H  وE   تقع ضمن المياه الفلسطينية أيضاً. وفازت بتراخيص هاتين المنطقتين كل من سوكار (مشغل) الأذربيجانية، و “بي. بي.” البريطانية، و “نيوميد للطاقة” الإسرائيلية. (راجع الصورة المرفقة)

(يمين) المساحات المتنازع عليها. (يسار) المياه الفلسطينية

تكمن أهمية مبادرة المنظمات الأربعة، في كونها تشكل ربط نزاع بموجب القانون الدولي مع إسرائيل ومع الشركات المعنية. وذلك على مستويين:

الأول: بموجب قانون البحار، لأن دولة فلسطين قامت بترسيم حدودها البحرية مع إسرائيل وأودعته لدى الأمم المتحدة في العام 2019. وليشكل هذا الإيداع استكمالاً لقرار الأمم المتحدة رقم 242 بإقامة دولة فلسطينية وفق حدود العام 1967. كما يشكل تكريساً لحدود هذه الدولة التي تم قبولها كدولة غير عضو في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012. علماً أن مساحة المياه البحرية تبعاً للترسيم الفلسطيني، تعادل خمس أضعاف المساحة الحالية تقريباً.

يضاف إلى ذلك قيام دولة فلسطين بتوقيع عشرات المعاهدات والاتفاقيات الدولية منذ العام 2014. والتي ترسخ موقعها القانوني كدولة. ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي انضمت إليها في العام 2015. في حين أن إسرائيل لم تنضم أصلاً لهذه الاتفاقية.

الثاني: بموجب قانون المحكمة الجنائية الدولية. وهو الأهم، حيث حذرت الإخطارات الموجهة للشركات، من أن العمل في المياه البحرية الفلسطينية يصنف ضمن جرائم الحرب. وذلك تحت بند نهب موارد الدول الواقعة تحت الإحتلال. ويكتسب هذا الأمر، بعداً إضافياً في سياق التحقيق المفتوح حالياً مع إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة. وذكّرت الإخطارات بأن المحكمة تتمتع بسلطة قضائية للتحقيق ومحاكمة «أي فرد» يعتبر مسؤولاً عن نهب الموارد. يضاف إلى ذلك إمكانية رفع دعاوى مدنية على الشركات ومطالبتها بتعويضات، بتهمة انتهاك القانون الإنساني الدولي.

إيطاليا: استجواب الحكومة وشركة “إيني”

المناطق والبلوكات الإسرائيلية

الرد الثاني المحكم جاء من البرلمان الإيطالي. حيث قدم تحالف اليسار الأخضر  وحزب أوروبا الخضراء سؤالاً للحكومة حول مشاركة شركة “إيني” في ما وصفوه «بجريمة رهيبة لافتراس الموارد الطبيعية لفلسطين وبشكل مخالف للقانون الدولي». وطالبوا بعقد جلسة استماع عاجلة للحكومة ولشركة “إيني” لشرح «كيف يمكن توقيع عقود تسلب موارد مملوكة للشعب الفلسطيني، وتقديم إجابات عن سبب هذا العمل الذي يصبغنا بالعار».

النزاع على السلطة أهم من فلسطين وبحرها

المستغرب أن خطوة ترسيم الحدود البحرية رغم أهميتها الكبيرة، وكذلك منح تراخيص التنقيب عن الغاز رغم خطورتها الأكبر، لم تحظ بأي اهتمام لا من قبل السلطة الفلسطينية ولا من قبل حركة حماس. وذلك على الرغم من علم الجميع بضرورة إثارة نزاع قانوني حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لحفظ الحقوق. إذ يؤدي ذلك في أي مكان في العالم وخاصة في منطقة شرق المتوسط، إلى تهيب، بل إلى إحجام الشركات الكبرى عن ممارسة أية أنشطة في المناطق المتنازع عليها. وذلك ما حدث ويحدث في قبرص. حيث لم يبدأ الإنتاج في أي حقل من الحقول التي تم اكتشاف كميات تجارية كبيرة فيها، وأهمها حقل افروديت. وذلك ما حدث أيضاً في لبنان حيث كان حل النزاع الحدودي الشرط الأساسي غير المعلن للشركات لكي تباشر العمل في البلوكات الحدودية في إسرائيل وفي لبنان.

أعضاء في البرلمان الإيطالي: نطالب بجلسة استماع لمساءلة للحكومة وشركة «إيني» بشأن عمل «يصبغنا بالعار»

ولكن يبدو أن النزاع على الحكم بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، أهم من النزاع مع إسرائيل على حقوق فلسطين. ولمن يعتبر ان هذا الاستنتاج يحمل نوعاً من التجني، فليراجع ملابسات استغلال حقل «غزة مارين» الذي يقع ضمن المياه البحرية الفلسطينية التي تعترف بها إسرائيل. ليتضح ان الخلافات بين الحركة والسلطة لعبت دوراً رئيسياً في تعطيل استغلاله. وشكلت دعماً ورافعة في بعض الأحيان لجهود إسرائيل لمنع استغلال الحقل منذ اكتشافه في العام 2000.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن وضع استغلال الحقل على سكة التنفيذ مؤخراً، لم يكن ليتم لولا الجهود المصرية الكبيرة التي مورست على خطين؛ الأول لحل الخلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية. والثاني لممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف تعطيل المشروع. وتم ذلك بنوع من «المقايضة» إذا صح التعبير. بين استغلال حقل غزة مارين، مقابل موافقة مصر على تلبية حاجة إسرائيل الملحة لتصدير الغاز عبر محطات التسييل المصرية.

للمزيد من التوضيح حول ملابسات وتطورات استغلال حقل غزة مارين إقرأ: «هندسات» مصرية لتحرير غاز غزة

Related Articles

Back to top button