لماذا تنسحب شركات النفط الغربية من العراق ؟
لماذا يتوالى انسحاب شركات النفط الغربية من العراق، وكان آخر المنسحبين قبل عدة أيام، شركة «شل» من مشروع ضخم للبتروكيماويات. ولتحل محلها الشركات الصينية والروسية؟
هل السبب سياسي يتعلق بالضغوط على العراق لحسم تموضعه في المحور الغربي، أم هو تعبير عن تموضعه في المحور الصيني ـ الإيراني؟ أم السبب هو مناخ الاستثمار غير المناسب من الناحيتين الأمنية والتنظيمية؟ أو يكون مطالبة الشركات بعقود مشاركة بالإنتاج وليس عقود خدمات… أو لعله مزيج من كل ذلك؟
شكل انسحاب الشركات النفطية الغربية من العراق خلال الفترة الماضية ظاهرة مثيرة للقلق والتساؤلات. وتمثلت أبرز هذه الانسحابات في ما يلي:
أبرز الشركات المنسحبة
- خروج شركة «شل» من مشروع «النبراس». وهو مشروع متكامل للبتروكيماويات. تقدر تكاليفه بحوالي 11 مليار دولار. ويضم مصفاة بطاقة 300 ألف برميل يوميا، ومصنعاً ضخماً للبتروكيماويات بطاقة إنتاجية تبلغ حوالي 2 مليون طن. وكانت شل قد انسحبت من مشروعين عملاقين لاستكشاف وإنتاج النفط في حقلي «غرب القرنة 1» و «مجنون» الذي يعتبر من أكبر حقول النفط في العالم، وأقلها تكلفة بالإنتاج.
- قيام شركة «إكسون موبيل» ببيع حصتها البالغة 22.7 في المئة في حقل «غرب القرنة 1» إلى شركة نفط البصرة العراقية. ولتتولى شركة «بتروتشاينا» الصينية مهمة تشغيل المشروع. وسبق لشركة «إكسون موبيل» أن باعت حصتها البالغة 32 في المئة في حقل «بعشيقة» في كردستان عام 2021
- انسحاب شركة النفط البريطانية «بي بي» من حقل «الرميلة» الشهير، الذي كان تحت إدارتها بصفتها المشغل الرئيسي. وباعت حصتها إلى شركة البصرة للطاقة.
- انسحاب شركة «شيفرون» من مشروعات الحكومة الاتحادية، وكذلك من مشاريعها في إقليم كردستان العراق
- فشل المفاوضات بين شركتي «بكتل» و«هانيويل» الأميركيتين مع الحكومة العراقية لتطوير مشروعات الغاز، واستغلال الغاز المصاحب.
البديل روسيا والصين
أدت هذه الانسحابات إلى سيطرة شبه مطلقة للشركات الروسية والصينية إلى جانب شركة «توتال» الفرنسية. والملفت هنا أن هذه الشركات هي التي دخلت السوق العراقية بطريقة مفاجئة قبيل إنهيار نظام صدام حسين.
حصة الشركات الصينية بإنتاج النفط العراقي تبلغ 3 ملايين برميل من أصل 4.2 ملايين
وتعتبر شركة « تشاينا بتروليوم آند كيميكال» أكبر مستثمر في حقول النفط والغاز العراقية. وتقدر مساهمتها في إنتاج النفط بحوالي 3 ملايين برميل يومياً من أصل حوالي 4.2 ملايين برميل. كما تمتلك الشركات الصينية مجتمعة حصصاً مباشرة في نحو 24 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية، وفقاً لتقرير صادر عن «إس آند بي غلوبال كومودتي إنسايتس».
أما بالنسبة لشركات النفط الروسية، فلم يتأثر وجودها القوي في العراق بالحرب في أوكرانيا، والعقوبات التي فرضت عليها. ويتجسد هذا الحضور من خلال مشاركات كبيرة لشركات مثل «غازبروم» في حقول وسط العراق. و «روسنفت» في إقليم كردستان. و «لوك أويل» في “غرب القرنة 2” وحقل “أريدو” المكتشف حديثاً. وكانت «لوك أويل» قد وقعت اتفاقية مع شركة نفط البصرة الحكومية لتمديد عقد الخدمات النفطية لحقل «غرب القرنة 2» لمدة 10 سنوات حتى عام 2045 ومضاعفة إنتاج الحقل إلى 800 ألف برميل يومياً.
الأسباب بين السياسة و «البيزنس»
مع عدم استبعاد العامل السياسي المتعلق بممارسة الضغوط على العراق لحسم تموضعه السياسي في المحور الغربي بعيداً عن إيران والصين. لكن الاكتفاء بهذا الجانب لتفسير الانسحابات، يطمس أسبابها الحقيقية والموضوعية التي تحتاج إلى معالجة. ويمكن اختصار هذه الأسباب في جانبين.
أولاً: أسباب تجارية وربحية
تنطلق هذه الأسباب من اعتماد العراق في تعامله مع شركات النفط الأجنبية سياسة عقود الخدمات بدلاً من عقود المشاركة في الإنتاج. ومع أن هذه السياسة تعتبر الأفضل بالنسبة للدول المنتجة. لكن شركات النفط الكبرى ترفضها بشكل قاطع. إلا في بعض الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة وبنية تحتية متكاملة. وتتمتع باستقرار سياسي وأمني وإداري راسخ ومستدام. أما موافقة الشركات الأجنبية على توقيع عقود خدمات في العراق، فتم على أمل أن تتحول هذه العقود إلى عقود مشاركة في الإنتاج. وهو ما وعدت به الحكومة العراقية في جولة التراخيص الأولى في العام 2009. وربطت تنفيذ الوعد بوضع وإقرار قانون النفط، الذي لم يقر حتى اليوم.
الحاجة لتحسين مناخ الاستثمار بشقيه السياسي والأمني، أو التشريعي والتنظيمي
ومعروف أن تحقيق الحد الأقصى من العوائد على الاستثمارات وتوزيع الأرباح على المساهمين، بات الهدف الأول للشركات النفطية في السنوات الأخيرة. في ظل التراجع النسبي لاهتمام المستثمرين بقطاع النفط لصالح قطاع الطاقة المتجددة والغاز. ولذلك اتجهت هذه الشركات إلى التركيز على الاستثمار في الدول والقطاعات حيث يمكنها تحقيق اقصى عوائد ممكنة. مثل النفط الصخري في أميركا والبرازيل، ومشاريع الغاز المسال في أفريقيا الخ…
ثانياً: عدم الاستقرار السياسي والإداري
يعاني العراق من مشاكل متشابكة في المناخ الاستثماري سواء بالشق المتعلق بالاستقرار السياسي والأمني. أو بالشق المتعلق بالجوانب التشريعية والتنظيمية. ما يؤدي إلى إحجام المستثمرين عن ضخ استثمارات كبيرة خاصة في المجالات ذات الأمد الطويل مثل النفط والغاز. ففي الجانب الأول، تتواصل الاضطرابات الأمنية والأعمال العسكرية في مختلف مناطق البلاد. بالإضافة إلى انتهاك السيادة العراقية من قبل بعض دول الجوار . إلى جانب ظهور بيئة اجتماعية عدائية للشركات النفطية في بعض المناطق.
وفي الشق الثاني لم يتم حتى الآن الاتفاق على قانون اتحادي لإدارة النفط والغاز وتوزيع الثروات بعدالة استناداً إلى دستور عام 2005. كما تتواصل شرذمة قطاع الطاقة بين 3 وزارات. هي النفط، والكهرباء، والصناعة دون رؤية موحدة. يضاف إلى ذلك حالة من عدم الاستقرار الإداري وسرعة تغيير الوزراء والمسؤولين. واضطرار الشركات إلى التعامل مع مسؤولين بتوجهات متضاربة.
ويلخص وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب أسباب انسحاب شركات النفط الغربية من العراق، والوضع السياسي والاقتصادي عموماً، بقوله: «ان المستثمرين عندما يرون صراعات العشائر والفصائل. وقصفاً يومياً، وأكثر من 26 مصرفاً معاقباً. وتلويحاً أميركياً بعقوبات جديدة. وعملية سياسية مقفلة. وتفكير بالملف الاقتصادي بثقافة الدولة الاشتراكية… فإن انسحاب الشركات والمستثمرين سيكون خياراً حاضراً بقوة».