نفط «بابا كركر» إلى تركيا عبر «الخط العراقي».. وإغلاق «الخط الكردي»
خط النفط العراقي وملف النفط عموماً على طاولة البحث بين السوداني وبايدن
إعلان العراق عن إعادة تشغيل خط أنابيب كركوك ـ جيهان «خط النفط العراقي»، بعد 10 سنوات على إغلاقه يحمل دلالات مهمة على مستويين: الأول، هو استعادة الحكومة الاتحادية الإمساك بملف النفط بمواجهة إقليم كردستان. والثاني فتح المجال للبحث بمصير «الخط الكردي» الذي أنشأته كردستان بالتوافق مع تركيا كبديل للخط العراقي بطاقة 400 ألف برميل. والذي أوقف العراق العمل به بقرار تحكيم دولي.
أولاً: خط النفط العراقي لاستعادة السيطرة
معروف أن حقول الشمال تشكل العمود الفقري لصادرات النفط العراقية. وخاصة حقل كركوك المعروف بحقل «بابا كركر» أو النار الأزلية التي لا تزال تشتعل على سطح الأرض منذ نحو 4000 سنة. ولذلك فإن إعادة تشغيل «الخط العراقي»، مع نهاية إبريل الجاري، يشكل منعطفاً مهماً في مسيرة استعادة الحكومة الاتحادية السيطرة على النفط إنتاجاً وتصديراً. وقد أوقف العمل في هذا الخط العام 2014. بسبب تخريبه في المناطق التي خضعت لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وخروج 3 محطات ضخ من أصل 5 من الخدمة.
ويمتد خط النفط العراقي من حقول كركوك عبر محافظات نينوى وصلاح الدين وصولاً إلى منطقة فيشخابور على الحدود العراقية التركية بطول 345 كيلومترا. حيث يرتبط هناك بشبكة الخطوط التركية الواصلة إلى ميناء جيهان. ويشكل الخط جزءاً من الخط الاستراتيجي، الذي ينقل النفط العراقي إلى البحر المتوسط. وقد بوشر بإنشائه في العام 1977 وتبلغ قدرته القصوى نحو 600 ألف برميل يومياً.
أوقف العمل بالخط العراقي بعد تخريبه من قبل «داعش»، ليتم بعد ذلك الاستعاضة عنه «بالخط الكردي» بدعم تركيا وموافقة أميركا
ولتكتمل الصورة، نشير إلى مسارعة تركيا وإقليم كردستان بعيد إغلاق «خط النفط العراقي» إلى إنشاء خط بديل يمتد من كركوك عبر أراضي إقليم كردستان إلى منطقة فيشخابور. وتم ذلك بموافقة أميركية، وبالتعاون مع شركات النفط الأجنبية والروسية. التي تحملت تكاليف الإنشاء، مقابل رسوم عبور خيالية.
وتمكنت الحكومة العراقية في مارس 2023 من وقف العمل بـ «الخط الكردي» بناء على قرار من محكمة تحكيم دولية (غرفة التجارة الدولية في باريس). وهي خطوة أثارت حفيظة شركات النفط الأجنبية وحكومة إقليم كردستان.
مستقبل الخط الكردي بوجود خط النفط العراقي
يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي محمد صالح إن تفعيل «خط النفط العراقي» يعني من حيث المبدأ التحرر من الحاجة المالية الملحة لإعادة تشغيل «الخط الكردي». ويمكن إضافة فائدة أخرى وهي التحرر من الضغوط التركية لتشغيله. كما أن وقف تشغيل «الخط الكردي» يسهل التفاوض بين بغداد وأربيل والشركات المالكة والمشغلة لهذا الخط. خاصة بعد حكم المحكمة الاتحادية بسيطرة شركة تسويق النفط العراقية “سومو” على عمليات تصدير النفط في الإقليم.
أوقف العمل بالخط الكردي في 2023 بقرار تحكيم دولي، وإعادة تشغيله مرهونة بموافقة كردستان والشركات النفطية على الشروط العراقية
وستتركز المفاوضات لإعادة تشغيل الخط، على عمل الشركات والعقود الموقعة. خاصة في ما يتعلق بالرسوم التي تتقاضاها تلك الشركات على استخدام الخط. وهذه مسألة تختلط فيها السياسة بالبيزنس، إذ تحظى الشركات ومعها حكومة إقليم كردستان بدعم الولايات المتحدة. وهو ما سيكون موضع بحث في زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى واشنطن. حيث يرافقه وزير النفط حيان عبد الغني.
وكانت المفاوضات بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان لإعادة تشغيل الخط قد فشلت طوال السنوات الماضية. ويرجع السبب إلى تعنت الشركات وإصرارها على تقاضي رسوم عبور تصل إلى إلى 25 دولاراً للبرميل. في حين أن تكلفة نقله عبر «الخط العراقي» لا تتجاوز 7 دولارات للبرميل. كما تطالب الحكومة العراقية بأن يتم الاتفاق على تشغيل الخط بينها وبين الشركات المشغلة مباشرة وليس عبر حكومة إقليم كردستان.
للعراق مصلحة مؤكدة بتشغيل الخطين وتأمين وسيلة لتصدير نحو 750 ألف برميل، بدون المرور بمضيق هرمز
وقد أبلغت وزارة النفط العراقية حكومة كردستان والشركات النفطية وبخاصة شركة روسنفت الروسية المشغلة للخط، بأن العقود الموقعة سابقاً غير قانونية وهي بحكم الملغاة. ولتصبح هذه الشركات أمام أحد احتمالين إما الموافقة على شروط الحكومة الاتحادية أو استخدام «الخط العراقي» لتصدير النفط.
الخطان العراقي والكردي كبديل لمضيق هرمز
ومما لاشك فيه أن للعراق مصلحة مؤكدة بتشغيل الخطين. ما يؤمن وسيلة لتصدير نحو 750 ألف برميل، بدون المرور بمضيق هرمز
وبناء على ذلك، قد تشكل إعادة تشغيل «الخط العراقي» او الاستراتيجي، مؤشراً على انعطافة مهمة في ملف النفط. باتجاه سيطرة الحكومة الاتحادية على الملف وتوزيع العائدات بما يرضي إقليم كردستان. ولكن استناداً إلى القانون وإلى الاتفاقيات الموقعة والتي لم تجد طريقها للتنفيذ. ويزداد ترجيح هذا الاحتمال في ظل تحسن العلاقات التركية ـ العراقية. وكذلك في ظل حرص الولايات المتحدة على إرضاء الحكومة العراقية. ودفعها إلى المزيد من الاستقلال النسبي عن التأثير الإيراني.
إقرأ أيضاً: لماذا تنسحب الشركات النفطية الغربية من العراق
كما قد تشكل إعادة تشغيل الخط بموافقة أميركا، دافعاً للشركات النفطية الأجنبية لإعادة النظر بموقفها من الاستثمار في العراق وانسحابها منه. علماً إن السبب الرئيسي للانسحاب هو مطالبتها بزيادة العائدات والأرباح. أضافة إلى الأسباب الأخرى المتعلقة بالتدخلات السياسية والاضطرابات الأمنية، وعدم ملاءمة مناخ الأعمال.