واردات الصين من النفط الروسي والإيراني: أرقام قياسية بموافقة أميركا!
- حكاية الصين والنفط الروسي والإيراني الرخيص لا تخلو من الطرافة. فهي تتنقل بين هذا وذاك تبعاً لتشديد العقوبات الأميركية على أحد البلدين. وشهد شهر مارس الماضي قفزة كبيرة في استيراد النفط الروسي. في ظل «كلام للاستهلاك السياسي»، عن التشدد بتطبيق العقوبات القائمة على إيران وفرض عقوبات جديدة.
وتظهر أرقام الجمارك الصينية أن واردات النفط من روسيا قفزت في شهر مارس الماضي بنسبة تقارب 19 في المئة على أساس شهري. لتسجل حوالي 10.81 مليون طن مقابل 9.1 مليون طن في فبراير. وهو أعلى رقم منذ العام 2004.
أرقام قياسية رغم العقوبات
ويأتي ذلك استمراراً لنمو الواردات الصينية من روسيا. حيث سجلت في العام 2023 رقماً قياسياً قدره 107 ملايين طن. لتحتل روسيا المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة للصين. متجاوزة ولأول مرة السعودية التي بلغت صادراتها للصين حوالي 86 مليون طن. والأطرف من ذلك ان ارتفاع الصادرات رغم العقوبات الأميركية، ترافق مع ارتفاع الإيرادات المالية الروسية. التي قفزت إلى حوالي 60.6 مليار دولار بمتوسط سعر قدره 77 دولاراً للبرميل. اي اكثر من السقف السعري المحدد أميركياً وهو 60 دولار للبرميل.
وجاءت الزيادة في الواردات من روسيا، في ظل عزوف المصافي الهندية عن أستيراد النفط الروسي خوفاً من العقوبات. وخاصة خام «سوكول». والذي يلقى رواجاً كبيراً في الصين نظراً لرخص سعره قياساً بالخامات الأخرى. إضافة إلى طرق الشحن القصيرة نسبياً.
الصين والنفط الروسي والإيراني
زيادة الواردات من روسيا، لا يعني أبداً تخلي الصين عن النفط الإيراني. ولكن قد يكون نوعاً من الإيحاء بالتوجه نحو تخفيض الواردات من إيران تجاوباً مع المساعي الأميركية لتشديد العقوبات لدفعها إلى نوع من التهدئة مع إسرائيل. خاصة وان ذلك يسهم في ردع إيران عن المطالبة بزيادات كبيرة في أسعار نفطها المصدر إلى الصين.
ولكن يجدر التأكيد هنا أن الصين بحاجة لأي كمية متاحة من النفط خاصة الرخيص والخاضع للعقوبات. ويرجع ذلك إلى النمو الاقتصادي الذي تجاوز كل التوقعات. إذ سجل في الربع الأول من العام الحالي 5.3 في المئة. متجاوزاً المعدل المرتفع المسجل في 2023. كما يرجع في جانب منه إلى قيام الصين ببناء وتعزيز المخزون الاستراتيجي مستفيدة من رخص أسعار الخام الروسي والإيراني.
يستدل على ذلك من الزيادة المسجلة في الواردات الصينية خلال شهر مارس الماضي من عدة دول. شملت على سبيل المثال: العراق وماليزيا والإمارات والبرازيل وسلطنة عمان والكويت. وكانت السعودية من الدول القليلة التي تراجعت صادراتها إلى الصين. حيث بلغت في شهر مارس إلى حوالي 6.3 مليون طن مقابل 6.99 مليون طن في فبراير.
صادرات النفط الإيراني
كما أن الصين بحاجة إلى أي «كميات» متاحة من النفط، فإن أميركا بحاجة أيضاً لإيصال تلك «الكميات» إلى الأسواق. وذلك لضمان تنفيذ هدفها المركزي وهو عدم حصول ارتفاع كبير بالأسعار وخاصة قبل الانتخابات.
ولذلك يصح القول إن حكاية الصين والنفط الروسي والإيراني. وقيامها بخرق العقوبات المفروضة يتم بموافقة ورضى أميركا. ويتضح ذلك من مراقبة تطور صادرات النفط الإيراني في ظل العقوبات الأميركية. إذ سجلت هذه الصادرات أدنى مستوى لها بعد إلغاء الاتفاق النووي في عهد ترامب، وهو 200 ألف برميل يومياً في بعض أشهر 2020.
وانقلب التوجه مع إدارة بايدن وبدء محادثات إحياء الاتفاق النووي. حيث قفزت الصادرات الإيرانية إلى الصين إلى حوالي 1 مليون برميل يومياً في العام 2021. وواصلت الارتفاع في العامين 2022 و 2023 لتصل إلى أعلى مستوياتها والمقدر بحوالي 1.5 إلى 2 مليون برميل يومياً. وتقدر شركة كبلر متوسط صادرات الخام الإيرانية بحوالي 1.61 مليون برميل يومياً في مارس 2024. وقال وزير النفط الإيراني جواد أوجي الشهر الماضي إن العائدات المالية لصادرات النفط بلغت أكثر من 35 مليار دولار في العام 2023.
لماذا لا تطبق العقوبات؟
ويرجع سبب هذه الزيادة واستمرارها رغم العقوبات إلى ثلاثة عوامل هي:
- تراخي أميركا في تطبيق العقوبات المفروضة بهدف الحفاظ على زيادة المعروض من النفط لضمان عدم ارتفاع الأسعار.
- الحرص على عدم الدخول بنزاع مع الصين التي تقوم بخرق العقوبات المفروضة على النفط الإيراني.
- نجاح إيران بتطوير أساليب متنوعة للالتفاف على العقوبات مثل سفن الأشباح والتلاعب بنظام AIS المتعلق بتتبع السفن، وإبرام اتفاقيات جانبية مع بعض الشركات لتتولى خلط النفط الإيراني بنفوط أخرى وتصديره الخ…
عقوبات رفع عتب
يمكن التأكيد على عدم جدية تطبيق العقوبات المفروضة على إيران وعلى روسيا. فقد تم مثلا في شهر فبراير الماضي فرض عقوبات على ناقلتي نفط. وارتفع العدد في شهر إبريل الجاري، إلى 13 ناقلة لأنها تنقل النفط الخام الإيراني. وتعتبر هذه العقوبات أشبه بـ «رفع العتب» لأن إيران نجحت بزيادة عن الناقلات أو أسطول سفن الأشباح التي تتولى شحن النفط إلى الصين وغيرها إلى أكثر من 250 ناقلة. وتمكنت خلال عامين من مضاعفة عدد الناقلات الضخمة التي تبلغ حمولتها مليوني برميل.
ولتبقى حكاية الصين والنفط الروسي والإيراني خير دليل على أن المصالح هي التي تحكم السياسة. وأن النفط والغاز ليس سلاحاً سياسياً. ولذلك فإن تشديد العقوبات على إيران قد يحصل في حال ضمان وجود إمدادات بديلة عنه.