خطة اليابان للتخلص تدريجياً من طاقة الفحم ذهبت مع الريح
انخفض استهلاك الفحم في المملكة المتحدة، مهد الثورة الصناعية، العام الماضي إلى ما دون 10 في المئة من مستوياته قبل عشر سنوات. وهبط بنحو الثلث على أساس سنوي في يناير وفبراير، وفقاً للبيانات الحكومية. وعند نقطة معينة الشهر الماضي، تراجع استخدام بريطانيا للوقود الأحفوري في توليد الكهرباء إلى 2.4 في المئة، حسبما أشار الموقع الإخباري “كاربون بريف” (Carbon Brief).
وفي الولايات المتحدة، تراجع استخدام الفحم بنسبة 17 في المئة خلال 2023. وسينخفض بنسبة 12 في المئة أخرى بحلول 2025. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، وصل الانخفاض في توليد الطاقة الكهربائية من الفحم إلى 26 في المئة العام الماضي.
الاستثناء الياباني
مع ذلك، تُعتبر اليابان الاستثناء الوحيد الملحوظ في هذه الصورة المشرقة، وذلك ما يجعل هذا البلد معزولاً باستمرار عن بقية الديمقراطيات الغنية. فقد وعد الوزراء في اجتماع مجموعة السبع الذي انعقد مؤخراً في تورينو بالتخلص التدريجي من استخدام الفحم في توليد الكهرباء بحلول 2035، وهو هدف ربما كان يبدو خيالياً قبل عشر سنوات، لكنه يبدو الآن في المتناول في كل مكان تقريباً.
تدير الدول الغنية ظهورها لمصادر الطاقة الملوثة للمناخ بعد أن بنت ثرواتها على التصنيع بالاعتماد على الفحم
وقعت اليابان على بيان المجموعة باستراتيجية “غير مقنعة”. حيث اعتمدت على كلمات مراوغة لتغطية عدم وجود أي استراتيجية جادة للتوقف نهائياً عن استخدام الوقود الصلب.
لم تقدم بيانات مجموعة السبع السابقة سوى إشارات غامضة بشأن قطاع الكهرباء شبه الخالي من الكربون بحلول 2035. دون تحديد مواعيد نهائية صارمة للتخلص التدريجي من الفحم. وارتفعت الطموحات مع تزايد أهمية مصادر الطاقة المتجددة الأرخص (والغاز في الولايات المتحدة) في إزالة المزيد من الأدخنة من مزيج الطاقة.
جهود التخلي عن الفحم
تعتزم المملكة المتحدة إيقاف تشغيل آخر مولد كهربائي يعمل بالفحم في أكتوبر. وستُطفئ فرنسا المحطتين الأخيرتين لديها في نفس الوقت تقريباً. وتخطط إيطاليا لاتباع نهج مماثل العام المقبل. فيما ستحذو كندا حذو تلك الدول في 2030. كما أن ألمانيا ملزمة قانوناً بإغلاق محطات الفحم بحلول 2038، لكنها تأمل في تقديم هذا التاريخ إلى 2030. ونشرت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي قواعد جديدة تُلزم أي محطات تأمل في مواصلة العمل حتى 2039 بالتقاط 90 في المئة من انبعاثاتها الكربونية بحلول 2032، وهو إنذار بالنهاية للمحطات المتبقية.
لكن الوضع مختلف تماماً بالنسبة لليابان التي تواصل الاعتماد على محطات الطاقة الكهربائية العاملة بالفحم، بل وتوافق على بناء وافتتاح محطات جديدة أيضاً.
ففي يوكوسوكا جنوب طوكيو، افتتحت شركة “جيرا” (JERA)، أكبر شركة لتوليد الكهرباء في البلاد، محطتين بسعة إنتاجية 650 ميغاواط منذ يونيو. وفي ماتسوشيما الواقعة قرب ناغازاكي، تعتزم شركة “إلكتريك باور ديفلوبمنت” (J-Power) إعادة تجهيز أحد مصانعها للعمل باستخدام الفحم المحول إلى غاز، وهي تقنية تعد بخفض الانبعاثات الكربونية بشكل طفيف، في نهاية العام الجاري.
إقرأ أيضا: قرار مجموعة السبعة بإقفال محطات الفحم ملتبس ولن ينفذ
وبموجب خطة الطاقة الاستراتيجية الحالية للدولة، سيظل الفحم يمثل نحو 19 في المئة من توليد الكهرباء في 2030. مما ينتج عنه انبعاثات مكافئة تقريباً لتلك الصادرة عن الأرجنتين أو الفلبين أو غرب أفريقيا بأكملها. هذا الرقم سيكون على الأرجح أقل من الرقم الفعلي بشكل كبير. لأنه يعتمد على افتراضات مجازفة حول قدرة طوكيو على إعادة تشغيل مولدات الطاقة النووية. التي أُغلقت بعد زلزال وتسونامي توهوكو في 2011. إضافة إلى النمو السريع في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية.
أوهام ومصطلحات غامضة
نجحت اليابان في التوقيع على بيان مجموعة السبع باستخدام أوهام شفافة للغاية. فقد وعدت بالتخلص التدريجي من “التوليد غير المقيد”. وهو مصطلح غير محدد تحاول طوكيو من خلاله استغلال الثغرات وقيادة سفينة فحم حمولتها 80 ألف طن. تُعرف تقنيات التخفيف بأنها تلك التي تحد من انبعاثات محطات توليد الطاقة الكهربائية بأكثر من 90 في المئة، وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة. رغم أنك لن تجد هذا التعريف في القاموس. ومن غير المرجح أن تحقق الاستراتيجيات الوهمية التي تدرسها اليابان، مثل تحويل الفحم إلى غاز واستخدام الأمونيا والهيدروجين في المولدات الحرارية. تخفيفاً يتجاوز 20 في المئة فضلاً عن أنها لم تُختبر على نطاق تجاري قط.
الاستراتيجيات الوهمية التي تدرسها اليابان، مثل استخدام الأمونيا والهيدروجين في محطات الفحم لن تحل مشكلة الانبعاثات
عندما تكون اليابان جادة بشأن سياستها في مجال الطاقة، فإنها ستضع خططاً حازمة. كما حدث مع سعيها الأخير لحمل مستوردي الغاز الطبيعي المسال على التوقيع على صفقات توريد طويلة الأمد. ويكشف غياب مثل هذه العقود المتناسبة مع احتياجاتها المزعومة لتخزين الكربون وتوريد الهيدروجين محاولة إخفاء حقيقة سياسة التخلص التدريجي من الفحم.
فشل أمني واقتصادي
هذا الفشل لا يتعلق بالمناخ فقط، بل يأتي من الناحية الأمنية والاقتصادية أيضاً. ففي وقت يؤدي فيه تراجع قيمة الين إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة التكهنات بأن الحكومة تتدخل في أسواق العملة. لا يزال الوقود الأحفوري يمثل ما بين ربع إلى ثلث إجمالي فاتورة الواردات.
كان اعتماد اليابان على النفط والغاز والفحم المستورد مصدر قلق وطني ملح لأكثر من قرن. وهي قضية لا تزال الحكومة تتعقبها عبر تحليل نسبة الاكتفاء الذاتي الضئيلة من الطاقة في البلاد. وأصبح الأمر أكثر خطورة من ذي قبل مع تأرجح الدول الآسيوية على حافة الاشتباكات البحرية في المياه التي يمر عبرها نحو 85 في المئة من إمدادات الطاقة في اليابان.
حتى أستراليا تتجه الآن نحو التخلص التدريجي من الفحم بحلول 2038. وعند حدوث ذلك، ستجد اليابان نفسها، بجانب جارتيها تايوان وكوريا الجنوبية، واحدة من الدول الغنية القليلة التي لا تزال تحرق الوقود الأكثر قذارة وتلويثاً. وهو ما يؤدي إلى إفقار شعبها، ويعرض أمنها للخطر ويضر المناخ. لكن الأوان لم يفت بعد لتغيير المسار.
نقلاً عن إندبندنت عربية