أزمة الكهرباء في لبنان: بين الفيول العراقي واللامركزية
النائبان أنطوان حبشي و بلال عبدالله يوضحان الملابسات والحلول
فساد، سمسرات، تذاكي،استجداء، تهديد بالعتمة الشاملة. هذه هي مكونات «طبخة» أزمة الكهرباء في لبنان المتجددة منذ ربع قرن. وآخر وجبة كانت وقف شحنات الفيول العراقي. بعد أن فوجئت الحكومة العراقية بإعلان الحكومة اللبنانية عزمها شراء باخرة فيول من السوق وتسديد ثمنها نقداً. في حين لم تبادر إلى دفع أي مبلغ ثمناً للفيول المستورد من العراق.
وكانت الحكومة العراقية قد وافقت على طلب لبنان تزويده بالفيول لتشغيل معامل الكهرباء. على أن تقوم الحكومة اللبنانية بدفع الثمن بموجب اتفاقية تبادل خدمات وسلع من خلال حساب خاص في مصرف لبنان تحركه الحكومة العراقية. ويستخدم لتغطية نفقات لصالح العراق كدولة وكمواطنين.
العراق يوقف شحنات الفيول، لأن لبنان لا يلتزم بالدفع، ويستورد شحنات إضافية يسدد ثمنها نقداً
وتم الإعلان في حينه أن الحكومة ستقوم بتغذية الحساب من الموازنة العامة ومن أموال الجباية لدى مؤسسة كهرباء لبنان كما يقول البعض. ولكن الحكومة لم تدرج تغذية الحساب في الموازنة. أما وزير الطاقة فينفي ان يكون تم الاتفاق على تغذيته من أموال الجباية. وليبقى الرهان، هو الضغط على مصرف لبنان لتغذية الحساب تحت تهديد توقف المعامل عن الإنتاج و«العتمة». لكن مصرف لبنان أصر على موقفه بعدم تمويل الإنفاق العام إلا بقانون. ومجلس النواب أصر على موقفه بعدم إصدار مثل هذا القانون.
وليصبح الحل الوحيد هو ممارسة «هواية استجداء» موافقة الحكومة العراقية على إعادة العمل بالاتفاق، مقابل المزيد من الوعود بحل إشكاليات الدفع لاحقاً. علماً ان الحكومة العراقية دأبت على الموافقة، وكأنها تعتبر هذه الكمية من الفيول هي نوع من «الهبة».
الملابسات القديمة و«دائمة التجدد» حملتها مجلة «طاقة الشرق» إلى النائبين بلال عبدالله من كتلة اللقاء الديمقراطي وأنطوان حبشي من كتلة الجمهورية القوية، مع محاولة «لم تكلل بالنجاح» لإجراء مقابلة مع أحد نواب كتلة لبنان القوي المعنية مباشرة بالملف.
النائب بلال عبدالله: أموال الجباية لا تكفي
النائب بلال عبدالله كان مباشراً وواقعياً في التعليق على المطالبة بأن تتحمل مؤسسة كهرباء لبنان مسؤولية تسديد ثمن الفيول بعد أن تم رفع التعرفة. فقال أن مجموع أموال الجباية المتوافرة لا تتجاوز 70 مليون دولار. في حين يقدر المبلغ المستحق للعراق حتى الآن بحوالي 1 مليار دولار. فكيف يمكن الحديث عن تحمل مؤسسة كهرباء لبنان مسؤولية الدفع.
وأضاف صحيح بأنه يمكن زيادة أموال الجباية بدرجة ملحوظة، وهناك جانب من المسؤولية تقع على «كهرباء لبنان» في هذا المجال. ولكن بالمقابل هناك جوانب خارجة عن إرادتها كالأموال المتعلقة ببعض المناطق ومخيمات اللاجئين السوريين، والمؤسسات العامة. إضافة بالطبع إلى الخسائر المترتبة على التعديات على الشبكة والهدر الفني. ما يجعل أموال الجباية غير كافية لتمويل التشغيل ودفع ثمن الفيول، خاصة إذا كان المطلوب زيادة ساعات التغذية.
عبدالله: إنشاء الهيئة الناظمة هو المدخل لإصلاح قطاع الكهرباء وتطويره
وأكد عبدالله، أن المشكلة قائمة ولا بد من ابتداع حلول للتخفيف من تداعياتها بانتظار وضع حلول جذرية. وخاصة أن التمويل من خلال سلفة خزينة كما كان يحدث في السابق، يبدو أنه ليس سهلاً في ظل إعلان مصرف لبنان عدم الاستعداد لتمويل الإنفاق العام.
لاحترام مبادرة العراق المشكورة
وردا على سؤال عن سبب انفجار الأزمة الشهر الماضي، قال النائب بلال عبدالله: لا بد بداية من التنويه بمبادرة الجمهورية العراقية المقدرة والمشكورة لمساعدة لبنان بتوفير الفيول. وكذلك لموافقتها على تجديد العقد رغم عدم وفاء لبنان بالتزاماته. وفي الوقت الذي لم يتم تغذية الحساب الخاص بالعقد لدى مصرف لبناى بأي دفعة، بحجة أننا «لا نملك المال»، فوجي الإخوة العراقيين بإعلان وزير الطاقة عن مناقصة لشراء الفيول من السوق، والتي يتم دفع ثمنها نقداً. فبادروا فوراً إلى إبلاغ لبنان بوقف الشحنات. وهناك مساعي يقودها رئيس الحكومة لتجاوز هذه المشكلة.
لامركزية وشراكة القطاعين العام والخاص
وعن الحلول الفعلية والممكنة لتفادي مشاكل مماثلة في المستقبل والخروج من أزمة الكهرباء في لبنان، قال عضو كتلة اللقاء الديمقراطي أنّ الحل الفعلي هو القيام بإصلاح جذري لقطاع الكهرباء. وذلك مطلب لا زلنا نكرره ونضع الخطط والبرامج لتطبيقه منذ سنوات طويلة. ولكن بدون أي خطوة تنفيذية حتى الآن. واعتبر أن المدخل الحقيقي للإصلاح هو إنشاء الهيئة الناظمة. ومن ثم البدء بتطبيق «اللامركزية الكهربائية». التي سبق لنا تقديمها كمقترح لمشكلة الكهرباء. على أن تقوم على شراكة بين القطاعين العام والخاص، بإشراف الهيئة.
وعما إذا كانت الأوضاع الأمنية قد تؤثر سلباً على أزمة الكهرباء، اعتبر بلال عبدالله أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية لم تكن يوماً سبباً في أزمة الكهرباء. فالأزمة مرتبطة دائماً بإدارة ملف الطاقة. ولن يستقيم أي حل إلاّ من خلال إحداث تغييرات جذرية، تبدأ بإنشاء هيئة ناظمة.
النائب أنطوان حبشي: أنها «مغارة على بابا»
النائب أنطوان حبشي الذي يتميز بالصراحة، شدد في حديثه على أن أحد أكبر المشاكل في لبنان هي سلفات الخزينة المخصصة للكهرباء. ومع أن القانون ينص على رد السلفة سنوياً، إلا أن مؤسسة كهرباء لبنان لم ترد أي سلفة. حتى تراكمت المبالغ المخصصة للكهرباء لتصل إلى حوالي 40 مليار دولار. أي نحو نصف الدين العام في لبنان.
حبشي: الحل باعتماد لامركزية موسعة بالإنتاج والتوزيع والجباية، إضافة إلى تطبيق القوانين
وأضاف أن مجلس النواب وافق على زيادة رسوم الكهرباء إلى 27 سنت للكيلو واط. وجاء ذلك بناء على دراسة وتعهد من مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، بأن الزيادة ستوفر القدرة المالية لتمويل شراء الفيول والتشغيل بدون الحاجة إلى طلب سلفات جديدة. بل تعهدتا بزيادة ساعات التغذية تدريجياً مع تحسين الجباية. وأكمل ساخراً: طلب السلفة اليوم لدفع ثمن الفيول، لايشبه المنطق أبداً.
خلاف الوزارة والمؤسسة !؟
ورداً على سؤال حول إمكانية تسديد «كهرباء لبنان» جزء من الالتزامات المترتبة على استيراد الفيول العراقي، قال أنطوان حبشي أن الوضع في «كهرباء لبنان» ووزارة الطاقة أشبه بـ «مغارة علي بابا». وقدمنا سابقاً إخبارين للنيابة العامة بهذا الشأن. ولكن بدون نتيجة لأن القضاء في لبنان يحتاج بدوره إلى إصلاح. ويبدو أن هناك مشكلة أو خلاف بين مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة. فالمؤسسة ترفض في الآونة الأخيرة اطلاع الوزارة على حساباتها بدعوى أنها «مؤسسة مستقلة». ولا يُمكن أن نتأكد ما إذا كانت هذه الواقعة صحيحة أو هي نوع من التمويه والتعمية. علماً أن «كهرباء لبنان» ظلت طوال السنوات السابقة للأزمة، تجبي حوالي 800 مليون دولار سنوياً. وكانت تحصل على ما بين 1 إلى 1.5 مليار دولار كسلفات خزينة بموافقة مجلس النواب. ولم يكن أحد يعلم كيفية صرف تلك الأموال.
الحل: إصلاح جذري و لامركزية موسعة
وعن الحلول، رأى النائب حبشي أن الحل الفعلي وطويل الأمد لأزمة الكهرباء في لبنان ولكافة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مرتبط أولاً، بحل أزمة استعادة سيادة الدولة. أي بانتهاء مرحلة وجود أحزاب وقوى سياسية مسلحة، وحصر السلاح بأيدي الجيش اللبناني والقوى الأمنية. كما يرتبط ثانياً، بسحب ملف الكهرباء من أيدي الفريق السياسي الذي وضع يده عليه طوال السنوات الماضية. وكنا قد تعهدنا في آخر تشكيلة حكومية للرئيس سعد الحريري، في حال تسلمنا وزارة الطاقة والمياه، أن ننهي مشكلة الكهرباء خلال فترة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، أو نستقيل فوراً في حال الفشل. ولكن تم رفض الاقتراح من قبل الجميع تقريباً لأن «مغارة علي بابا» كانت ولا تزال مصدر تمويل للعديد من الأفرقاء المتحالفين الذين اشتركوا بالبواخر والتلزيمات وكل إشكاليات الكهرباء.
لتطبيق القوانين وإنشاء الهيئة الناظمة
واعتبر عضو كتلة الجمهورية القوية، أن الحل يبدأ بإجراء إصلاح حقيقي وشامل للقطاع. مشدداً على أن القوانين والخطط موجودة وفي مقدمتها القانون 2002/460 الذي نص على إنشاء الهيئة الناظمة. ولكن وزراء الطاقة الذين تعاقبوا بالتكافل والتضامن مع عدد من القوى السياسية كانوا يرفضون تطبيق القوانين وإنشاء الهيئة الناظمة. وشدد على أن ذلك كان ولا يزال شرطاً رئيسياً وضعته الدول المانحة والدول العربية والمؤسسات الدولية لتقديم المساعدات والقروض. وهناك العديد من الشركات العالمية التي أبدت ولا تزال الاستعداد لبناء معامل إنتاج وتطوير شبكات النقل. إلا أن السياسيين الذين يضعون يدهم على القطاع وعلى البلد رفضوا تلك العروض.
وختم النائب أنطوان حبشي، بالقول: أن الجزء الآخر من الحلّ هو إشراك القطاع الخاص بشكل فعلي. مع تطبيق «لامركزية موسعة» في الإنتاج والتوزيع والجباية. وقمنا بإعداد الدراسات اللازمة التي أكدت قدرة العديد من المناطق اللبنانية على تأمين الكهرباء بالاعتماد على مزايا تنافسية سواء للطاقة الشمسية في بعض المناطق أو طاقة الرياح في مناطق أخرى. وأظهرت الدراسات إمكانية انتاج أكثر من 200 ميغاواط في غالبية المناطق بتكلفة تتراوح بين 9 و 14 سنت للكيلو واط، مقابل 27 سنت لدى مؤسسة كهرباء لبنان وحوالي 38 سنت للمولدات. ما جعل فواتير الكهرباء في لبنان بين الأغلى في العالم.