ما أثر استمرار حرب غزة في أسواق الطاقة العالمية؟

د. أنس بن فيصل الحجي

من أهم التطورات التي لوحظت أخيراً المتعلقة بحرب غزة وأسواق الطاقة، هي انخفاض هجمات الحوثيين على السفن وحاملات النفط في الفترات الأخيرة. ومرور كل ناقلات النفط الحاملة لنفط أورال الروسي المتجه لآسيا عبر البحر الأحمر. بعد أن كان يذهب بعضه حول أفريقيا منذ بضعة أسابيع.

ويفسر هذا بأحد أمرين: إما أن الضربة الإسرائيلية – الأميركية لميناء الحديدة أضعفت قدرات الحوثيين. أو أن التهدئة التي تبنتها إيران وقت المحادثات لوقف إطلاق النار في غزة خففت من هجمات الحوثيين. وقد يكون هناك اتفاق جديد مع الروس لعدم مهاجمة السفن الحاملة للنفط الروسي.

كيف استفادت أميركا من هجمات الحوثيين؟

تجربة مهاجمة السفن ونجاحها في تحويل عدد كبير من السفن من البحر الأحمر والذهاب حول أفريقيا، من دون رد فعل قوي من الولايات المتحدة، أعطى الحوثيين ورقة رابحة لن يتخلوا عنها حتى لو انتهت الحرب في غزة. ومن ثم فإن توقع استمرار الهجمات لأعوام ليس بفرضية غريبة، بل قد تكون الواقع.

الولايات المتحدة استفادت بصورة كبيرة من هجمات الحوثيين. وذلك عن طريق إعادة تمركز قواتها في البحر الأحمر وقرب المضائق المائية في المنطقة: قناة السويس، باب المندب، ومضيق هرمز.

إذا اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان ستظهر أزمات طاقة في بيروت وتل أبيب والأردن ومصر

المعادلة واضحة تماماً: أصبح البحر الأحمر أهم منطقة في العالم خلال الأعوام الأخيرة. إذ إن جزءاً كبيراً من واردات وصادرات الصين تمر فيه. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات التي فرضتها مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، أصبح كل نفط أورال الروسي المتجه لآسيا يمر من البحر الأحمر. كما تمر به ناقلات الغاز المسال من الخليج إلى أوروبا ومن الولايات المتحدة إلى آسيا.

تتمتع الصين بميزة تنافسية كبيرة في معالجة المعادن اللازمة للتحول الأخضر، التي تصدر منتجاتها لأوروبا والولايات المتحدة. ضرب هذه الميزة التنافسية يتطلب عدة سياسات أميركية ترفع الكلف، منها إجبار السفن بالدوران حول أفريقيا!

… وكيف تضررت الصين؟

هذا يعني أن الكلفة سترتفع مرتين، مرة عند استيراد الصين الموارد الخام، ومرة عند شحن المنتجات النهائية لأوروبا. تأتي هذه الزيادة مع رفع التعرفة الجمركية على المواد المستوردة من الصين. وذلك بهدف معالجة المعادن وتصنيع المواد داخل الولايات المتحدة. بالطبع التخطيط لهذه الأمور شيء وما يحصل في أرض الواقع شيء آخر. لأن الصين تستبق الأحداث وتبني مصانع في دول لها اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة لتلافي التعرفة الجمركية المرتفعة. كما أن بعض الشركات الصينية بدأت ببناء مصانع داخل الولايات المتحدة.

إقرأ أيضاً: فلسطين تعيد إسرائيل إلى الفحم الحجري

التوسع في الطاقة الإنتاجية للغاز المسال في قطر والإمارات يعني أن هناك كميات فائضة عن الأسواق الآسيوية ستُصدر إلى أوروبا. والولايات المتحدة لا تريد أي منافسة في أسواق الغاز المسال في أوروبا. إجبار أي ناقلات غاز مسال من الخليج متجهة لأوروبا بالدوران حول أفريقيا يعني ارتفاع الكلف وانخفاض الميزة التنافسية له، وبهذا تضمن الولايات المتحدة سوقها الأوروبية.

مصر الخاسر الأكبر

بعبارة أخرى، من يسيطر على البحر الأحمر يسيطر أو يؤثر في اقتصادات الصين وروسيا وأوروبا ودول الخليج. وهنا لا بد من ذكر حقيقة مرة وهي أن الخاسر الأكبر من ضربات الحوثيين للسفن هي مصر، التي تخسر نحو 100 مليون دولار شهرياً بسبب انخفاض عدد السفن المارة في قناة السويس.

غالب الخبراء في الأمور العسكرية والسياسية يعتقدون أنه لن يكون هناك حرب شاملة في المنطقة: وأن الحرب بـ”الوكالة” ستستمر، إذ تتوقف حيناً وتشتد أحياناً أخرى. ويعتقدون أن الدول العربية وإيران لا تريد الحرب، وأن الشخص الوحيد الذي يريد الحرب هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي حالة اجتياح إسرائيلي جنوب لبنان سنجد أننا أمام أزمات طاقة في لبنان وإسرائيل والأردن ومصر. والسبب أن هناك حقل غاز تعتمد عليه إسرائيل في إمدادات الغاز المحلية اسمه كاريش وهو قريب من الحدود المائية اللبنانية ومواقع “حزب الله”.

تاثير محدود لتوسع الحرب

عند بناء منصة كاريش في البحر، أطلق “حزب الله” مسيرة، ربما قامت بتصوير الحقل. عندها فسرت العملية بأنها رسالة لإسرائيل بأن “حزب الله” يمكنه تدمير المنصة. ومنذ شهر تقريباً دمرت إسرائيل مسيرة فوق كاريش، وعززت من حماية المنصة. إذا تم وقف عمل المنصة، فإن إسرائيل ستعاني نقص إمدادات الغاز، ومن ثم ستوقف تصدير الغاز لمصر والأردن من حقلي تمار ولافيثيان.

وسينتج من هذا عجز في إمدادات الغاز في كلا البلدين، في وقت تعاني مصر عجزاً في إمدادات الغاز والكهرباء. ويمكن لمصر والأردن حل الأزمة سريعاً من طريق استيراد مزيد من الغاز المسال، ولكن هذا سيستغرق من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، سيعاني فيها المصريون والأردنيون نقصاً في إمدادات الغاز والكهرباء.

إقرأ أيضاً: هلال للقاهرة الإخبارية: إيران لن تقدم على إغلاق مضيق هرمز

أدركت حكومة نتنياهو المشكلة فشكلت لجنة من أكثر من شهر مهمتها تأمين إمدادات الطاقة للكيان بفرض إغلاق حقول الغاز الثلاثة بالكامل. وذلك من طريق شراء نفط ومنتجات نفطية وفحم وتخزينها لوقت الحاجة. ويبدو أنهم حاولوا شراء فحم من كولومبيا، فأصدر الرئيس الكولومبي منذ أيام أمراً بحظر صادرات الفحم لإسرائيل بسبب المجازر في غزة. إلا أنه يمكن شراء الفحم من أماكن مختلفة.

إغلاق هرمز يضر بإيران وأصدقائها

وهنا أكرر ما ذكرته مرات في السابق، وهو أنه لا يمكن لإيران غلق مضيق هرمز من جهة، وليس من صالحها إغلاقه من جهة أخرى. فغالب صادراتها يمر منه، وغالب وارداتها، حتى ما يأكله الإيرانيون يومياً، يمر منه.

ولكن في حال اشتداد الأزمة أو تعارض المصالح ضمن أجنحة النظام الإيراني، سنجد عرقلة لحركة الملاحة في الخليج وبحر العرب من طريق الهجوم على بعض السفن أو وضع ألغام عائمة. وسينتج من ذلك الإضرار بأصدقاء إيران أكثر من أعدائها لأن غالب صادرات الخليج لآسيا وليس للولايات المتحدة.

وأكرر أيضاً أن إسرائيل تحصل على النفط من دولتين مسلمتين هما كازاخستان وأذربيجان، ويُصدر النفط الأذري عبر دولة مسلمة ثالثة هي تركيا. وتستورد النفط من دولتين عضوتين في منظمة التعاون الإسلامي: نيجيريا والغابون.

نشر في موقع إندبندنت عربية 

Related Articles

Back to top button