أوروبا «المدمنة» على الغاز الروسي تطلب مزيد من «الجرعات»
الغاز الروسي لا يزال يتدفق إلى أوروبا عبر أوكرانيا. ورغم كل ما يحكى عن عقوبات وقطيعة، فإن أوروبا لا تزال تعتمد على روسيا في توفير نحو 20 – 25 في المئة من احتياجاتها. مقابل 40 – 45 في المئة قبل غزو أوكرانيا.
ولتكتمل صورة العبثية السياسية، مقابل الحقائق الاقتصادية والنفطية، يلاحظ أن الغاز الروسي يتدفق إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب وكذلك عبر المسار المستحدث أي الغاز الطبيعي المسال.
ويتم حالياً استيراد الغاز الروسي عبر خطين رئيسيين للأنابيب. الأول عبر أوكرانيا إلى سلوفاكيا. والثاني عبر تركيا إلى بلغاريا. واللافت أن روسيا تدفع سنوياً إلى أوكرانيا حوالي 800 مليون دولار كرسوم عبور. فيتم استخدامها لتمويل الحرب ضدها. كما تدفع أوروبا مليارات الدولارات لروسيا كثمن الغاز، والتي يتم استخدامها أيضاً لتمويل الحرب ضد أوكرانيا.
معضلة انتهاء العقد قريباً
لتوضيح مدى «إدمان» أوروبا للغاز الروسي، نشير إلى المساعي المبكرة الهادفة إلى حل مشكلة انتهاء عقد توريد الغاز عبر الخط الأوكراني في الأول من يناير 2025. والحل المتوقع يتراوح بين احتمالين. ألأول تغليب الاعتبارات الاقتصادية على السياسية، فيتم تجديد العقد بالتفاوض المباشر أو غير المباشر بين روسيا وأوكرانيا. والثاني ابتداع صيغة التفافية تتمثل كما نقلت بعض التقارير، بأن يتم توقيع عقد رديف بين أذربيجان وأوكرانيا. فتقوم أذربيجان التي لا تمتلك طاقة إضافية، باستيراد الغاز الروسي وإعادة تصديره إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
إقرأ أيضاً: «أركتيك 2» الروسي يسيل غاز القطب الشمالي والعقوبات الأميركية «تجمده»
وتكمن أهمية الخط الأوكراني باعتباره المصدر الرئيسي للطاقة في دول أوروبا الشرقية والوسطى إضافة إلى إيطاليا والتشيك والمجر. وهو بالغ الاهمية بالنسبة للنمسا لأنه يوفر نحو 80 في المئة من احتياجاتها للغاز. وقد حذرت الحكومة النمساوية في معرض تعليقها على تجديد العقد من «خطر كبير» على أمنها الطاقي في حال توقف تدفق الغاز.
تدفقات الغاز الروسي المسال
رغم أهمية الغاز المتدفق عبر الأنابيب، إلا أنه بات أقل أهمية بكثير من الغاز المسال. فهذا الغاز أقل إحراجاً من الناحيتين السياسية والأخلاقية لكل من أوروبا وروسيا. إذ يمكن تصديره واستيراده عبر أطراف ثالثة. كما يمتاز بالمرونة في التعاقد وعدم الحاجة إلى الارتباط بعقود طويلة الأجل. يضاف إلى ذلك أن الغاز الروسي المسال، أرخص من البدائل المتاحة مثل الأميركي والقطري والأسترالي.
وفي حال أي نقص في الإمدادات الروسية، فستضطر أوروبا إلى الدخول في منافسة شرسة مع الدول الآسيوية على إمدادات محدودة ما يؤدي إلى أرتفاع كبير في الأسعار. علماً ان الأسعار في أوروبا، هي الأعلى على مستوى العالم، إذ بلغت مؤخراً وقبيل موسم الشتاء، 40 يورو لكل ميغاواط/ ساعة. مرتفعة بنسبة 77 في المئة عن أدنى مستوى بلغته في فبراير الماضي.
وخلق استيراد الغاز الروسي المسال تغييراً جذرياً في تركيبة أسواق الطاقة الأوروبية. فباتت بعض الدول التي لم تكن مستوردة للغاز الروسي، معتمدة عليه بشكل كبير. مثال ذلك، إسبانيا التي تحولت روسيا إلى ثاني دولة مصدرة لها بعد الجزائر. كما تقوم فرنسا وبلجيكا باستيراد كميات ضخمة من الغاز الروسي تفوق احتياجاتها. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض الكميات يعاد تصديرها إلى ألمانيا التي تشعر بحرج سياسي بالاستيراد المباشر من روسيا.
زيادة «الجرعات»
صحيح أن اعتماد روسيا على الغاز الروسي بات أقل مما كان عليه قبل الحرب في أوكرانيا. ولكن الصحيح أيضاً، أنها لا تزال تستورد أكثر من نصف الكميات التي كانت تستوردها قبل الحرب. وهذه الكميات مرشحة للزيادة، مع التوسع المطرد في مجالين مترابطين. الأول هو الزيادة المطردة في مرافق التغويز التي أنشئت في عدد من الموانئ الأوروبية. ما يسمح بزيادة كميات الغاز المستوردة. والثاني الزيادة المطردة في مرافق الإنتاج والتسييل الروسية خاصة في القطب الشمالي.
إقرأ أيضاً: الغاز المسال: أميركا وأوروبا تقسمان الأسواق و«الأرزاق»
والحقيقة أنه ليس هناك بدائل فعلية للغاز الروسي يمكن لأوروبا المراهنة عليها. فالغاز الأميركي يصدر إليها بأقصى طاقة ممكنة تقريباً. وكذلك الغاز القطري والأسترالي. أما الإنتاج الأوروبي فهو في حده الأعلى أيضاً. يضاف إلى ذلك أن استهلاك غالبية الدول الأوروبية هو في حده الأدنى. وبات ذلك يؤثر بطريقة خطيرة على الصناعة الأوروبية. أما الطاقة المتجددة فلا تزال أقرب إلى «حديث الصالونات» وتسهم في تلبية جزء بسيط من زيادة الطلب على الكهرباء لا أكثر.
«مصادرة» شحنات الغاز
يسجل في هذا السياق توجه الاتحاد الأوروبي لمنع استخدام موانئ الدول الأوروبية لإعادة تصدير الغاز المسال الروسي. وذلك في إطار الحزمة الرابعة عشرة من العقوبات ضد روسيا. والخلفية «المخفية» للقرار هي إجبار روسيا على بيع شحنات غاز القطب الشمالي لمشترين أوروبيين. خاصة في فصل الشتاء حين يتجمد المحيط. ما يجبر روسيا على نقل الغاز بواسطة عدد محدود من الناقلات الكاسحة الجليد إلى الموانئ الأوروبية لإعادة شحنه بواسطة الناقلات العادية إلى الدول الأسيوية. وهذا الأمر يسمح لأوروبا بتأمين مصدر مهم للغاز خلال فصل الشتاء. والأهم بأسعار رخيصة بسبب قرب المسافة وانخفاض تكاليف الشحن واضطرار الشركات الروسية للبيع بأي سعر.