أسعار النفط بين السوق و «الميدان»
تمديد العمل بالتخفيضات الطوعية أكثر تأثيراً من الأعمال العسكرية
في حين يركز المحللون ووسائل الإعلام على التطورات العسكرية والسياسية لتحديد اتجاهات أسعار النفط، يبدو ان هذه الاسعار تتحرك على إيقاع عوامل السوق وميزان العرض والطلب. وليس على إيقاع الصواريخ والمسيرات. فيلاحظ ان تأثير الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران كان محدوداً ومؤقتاً. في حين يرجح أن يكون تأثير قرار تحالف «أوبك بلس» بتمديد العمل بالتخفيضات الطوعية، مستداماً وثابتاً.
قدرة إنتاجية فائضة
بعيداً عن التهويل والمبالغات في التوقعات، فمن المستبعد الآن وحتى إشعار آخر، استهداف المنشآت النفطية سواء في إيران أو في إسرائيل بشكل عنيف وشامل. بمعنى أن يؤدي إلى وقف صادرات البلدين وإلى تهديد الإمدادات عبر مضيق هرمز. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب. أولاً، وجود قرار أميركي واضح ومعلن ومتفق عليه مع إسرائيل بتحييد المنشآت النفطية الإيرانية. وثانياً لأن إيران ليست بوارد تصعيد بحجم التعرض لمنشآت الغاز في إسرائيل، ما يستجلب رداً على منشآتها النفطية، لأنها ستكون المتضرر الأكبر. أما في حال حدوث استهدافات جزئية لبعض مرافق التصدير أو الإنتاج في إيران. فإن ذلك لن يؤدي إلى أي نقص مؤثر في الإمدادات. والسبب أن إجمالي صادرات إيران تقدر بحوالي 1.5 مليون برميل يومياً في المتوسط. في حين يبلغ إجمالي تخفيضات الإنتاج لدى تحالف «أوبك بلس» نحو 5.66 ملايين برميل يومياً. ما يعني وجود طاقة جاهزة للضخ، ودول التحالف جاهزة بل متحفزة لزيادة إنتاجها لتعويض أي نقص في الإمدادات.
أقرأ أيضا: ما هي السيناريوهات المحتملة لاستهداف النفط الإيراني؟
أما في حال أدى التصعيد العسكري إلى تهديد الملاحة في مضيق هرمز، فإن تأثير تراجع حجم الإمدادت على الأسعار، يرجح أن يكون مؤقتاً، ولا ينجم عنه نقص خطير في المعروض. نظراً لوجود بدائل لتصدير نفط الخليج سواء عبر خطوط الأنابيب أو عبر رفع أعلام دول كبرى مثل الصين وأميركا على الناقلات كما حدث سابقاً.
إذن الأعمال العسكرية وحتى الحرب الموسعة، سيكون تأثيرها محدوداً على كفاية الإمدادات في ظل ضخامة المعروض من النفط مقارنة بالنمو المتواضع للطلب.
الكلمة الفصل للعرض والطلب
ذلك يقود إلى العامل الأكثر أهمية في تحديد مسار الأسعار وهو ميزان العرض والطلب. ويمكن القول أن قرار تحالف «أوبك بلس» بتمديد العمل بالتخفيضات الطوعية الإضافية لمدة شهر، حتى نهاية العام الجاري، كان أكثر تأثيراً على الأسعار من أخبار وتطورات «الحروب» المشتعلة في المنطقة.
وحمل قرار التحالف دلالات مهمة، لأنه جاء في وقت اشتداد التكهنات المتشائمة بخصوص نقص الإمدادات بسبب التوترات العسكرية. ما يستوجب زيادة الإنتاج إذا صحت هذه التكهنات وليس تخفيضه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لأنه ترافق مع اندفاع الدول المنتجة من خارج التحالف وخاصة أميركا، إلى الضخ بأقصى طاقتها الإنتاجية. ما يعني أن الكلمة الفصل هي للسوق ولميزان العرض والطلب، وليس للحرب. كما يعني استعداد دول التحالف للتضحية بجزء من حصتها للحفاظ على توازن الأسواق. مقابل حرص الدول المنتجة الأخرى على اقتناص الفرصة لزيادة حصتها وعائداتها المالية.
إقرأ أيضا: واردات الصين من النفط الروسي والإيراني: أرقام قياسية بموافقة أميركا
ويلعب القرار دوراً كبيراً في توازن السوق لأنه يتعلق بتخفيض طوعي قدره 2.2 مليون برميل يومياً التزمت به 8 دول. وكان مقرراً أن ينتهي العمل به في آخر يونيو 2024. ولكن التحالف قرر تمديده حتى آخر سبتمبر، ومن ثم إلى آخر نوفمبر. وجاءت هذه التمديدات كاستجابة لتراجع توقعات نمو الطلب في أكبر سوقين أي الصين وأميركا. حيث خفضت منظمة «أوبك» توقعاتها للنمو هذا العام بمقدار 100 ألف برميل يومياً، ليبلغ حوالي 1.9 م/ب/ي.
3 أنواع من التخفيضات
لتوضيح أهمية هذا القرار، نشير إلى أن تحالف «أوبك بلس» يطبق ثلاثة أنواع من التخفيضات تبلغ بالإجمال 5.66 م/ب/ي. وتشمل:
- التخفيض الرسمي أو الإلزامي، وقدره 2 مليون برميل يومياً. ويطبق على جميع الدول الأعضاء باستثناء الدول الخاضعة للعقوبات أو التي تشهد حروباً مثل إيران وفنزويلا وليبيا الخ. وتقرر تمديد العمل به حتى نهاية العام 2025.
- التخفيض الطوعي الأول، وقدره 1.66 مليون برميل يومياً، والتزمت به تسع دول أعضاء. وكان مقرراً انتهاء مفاعيله بنهاية العام الحالي. وتقرر تمديد العمل به لمدة عام كامل حتى نهاية 2025 أيضاً.
- التخفيض الطوعي الثاني، وقدره 2.2 مليون برميل يومياً. والتزمت به 8 دول أعضاء هي: السعودية، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان، الجزائر، العراق، روسيا، كازاخستان. مع الالتزام ويفترض أن تتم زيادة الإنتاج تدريجياً على أساس شهري ابتداء من مطلع العام 2025. مع الالتزام بوقف العمل بالزيادة الشهرية في حال تتطلب توازن السوق ذلك.
الأسعار وليس الحصة السوقية
تأتي قرارات التخفيض في سياق استراتيجية منظمة «أوبك» وتالياً تحالف ««أوبك بلس» القاضية بالحفاظ على ارتفاع الأسعار واستقرارها من خلال إدارة العرض. وذلك على حساب الحصة السوقية للدول الأعضاء. واعتبر تقرير لوكالة «بلومبرغ إنتليجنس» أن اعتماد استراتيجية تستهدف الحفاظ على الحصة السوقية قد يكون «خطيراً جداً في ظل ضعف الطلب وزيادة المعروض من خارج دول التحالف». لأن ذلك سيؤدي حكماً إلى حرب أسعار وانهيار سعر البرميل كما كان يحدث سابقاً. علماً أن غالبية دول «أوبك» يمكنها «الصمود والانتصار» في هذه الحرب، بسبب ضآلة تكاليف الإنتاج مقارنة بالدول من خارج التحالف. وينطبق ذلك بشكل واضح على منتجي النفط الصخري الأميركي الذين يرجح أن يخرجوا من السوق إذ تراجعت الأسعار إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل.