ترامب وسياسة الطاقة الأميركية
أدى انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، وفي انتخابات تاريخية، إلى تغيير موازين القوى للناخبين والولايات ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. حيث حاز ترامب على تفويض واضح لتنفيذ برنامجه الانتخابي، الذي سيغير كثيراً في السياسات العامة، وسياسة الطاقة الأميركية بالذات، خلال السنوات الأربع المقبلة، على الأقل.
صرح المراقبون الأميركيون بعد إعلان النتائج بأن السبب في فوز دونالد ترامب يعود إلى انتقاداته ووعوده بإصلاح سياسات عقيمة لإدارة بايدن. وعدم تمكن هاريس من مواجهتها بجدية والابتعاد عن مناقشتها وطرح حلول لمعظمها. نظراً لحساسية المواضيع لها كنائبة الرئيس في عهد بايدن؛ منها، مثلاً: الصحة العامة، والهجرة، والبطالة، والإجهاض، والسكن، وزيادة الرسوم الجمركية، والتمويل الضخم لحرب أوكرانيا، وارتفاع معدلات التضخم. كما أن تأخر انسحاب بايدن من ترشيحه للانتخابات، لم يمنح هاريس وقتاً كافياً للإعداد لحملتها الانتخابية.
مسألة الأراضي الفيدرالية
هناك خلاف أساسي بين بايدن وترامب حول مدى التنقيب عن البترول في الولايات المتحدة، وبالذات في الأراضي الفيدرالية الواسعة. ومدى تأثير الإنتاج البترولي في المحميات الفيدرالية ذات الخصوصيات البيئية.
يوقع أن تبادر الإدارة الجديدة إلى فتح المجال للاستثمارات النفطية في الأراضي والمياه الفيدرالية
من اللافت للنظر أن الرئيس بايدن أعلن، بعد ساعات من إعلان فوز ترامب الأسبوع الماضي، عن قراره بتقليص أهداف وحجم الامتيازات لاكتشاف البترول في «محمية ألاسكا الوطنية للحياة البرية». كان قد منح الرئيس ترامب الامتياز لشركتين في عهد إدارته الأولى للاستكشاف والتنقيب البترولي في «المحمية». لكن إدارة الرئيس بايدن قررت حال تسلمها الإدارة منع العمل البترولي في «المحمية» ومن ثم تأجيل العمل حتى اليوم، ولكن بشروط جديدة خفضت فيها أهداف وحجم العمل.
أقرأ أيضاً: إنتاج النفط الأميركي: بين فائض الوعود وفائض الأسواق
يهدف قرار إدارة بايدن الأخير إلى تقليص وتأجيل إمكانية التوسع والتسريع للحفر البترولي في «المحمية» عند تسلم الرئيس المنتخب ترامب ولاية الحكم في 25 – 1 – 2025. لكن من المتوقع أن يبادر ترامب في الأيام الأولى من حكمه بإصدار «قرار رئاسي» لا يحتاج إلى موافقة «الكونغرس» يسمح بالبدء بالعمل البترولي في «المحمية» وبقية أراضي الحكومة الفيدرالية. مما سيفتح المجال للشركات النفطية ببدء العمل في الأراضي الفيدرالية الشاسعة بعد عقود من إغلاقها عليهم.
تقع أراضي «محمية» ألاسكا على مساحة 19.3 مليون فدان بالقرب من بحر بوفورت الجنوبي حيث تقطنها الدببة القطبية وعشرات الألوف من الطيور المهاجرة الموسمية، وتتراوح الاحتياطات البترولية ما بين 5.7 و16 مليار برميل من النفط.
ترامب والمناخ
من المعروف أيضاً عن ترامب معارضته لحملات الحد من تغير المناخ. وصرح أثناء حملته الانتخابية في ولاية نيوجرسي خلال هذا العام، بأنه في حال انتخابه رئيساً، سيوقع في اليوم الأول من حكمه قراراً رئاسياً لمنع مشاريع طاقة الرياح في الولايات المتحدة. كما صرح في الحملة الانتخابية بأنه سيساند ويدفع قدماً بتشييد المشاريع التي تساند توظيف الأيدي العاملة الأميركية، مثلاً: محطات الكهرباء التي تستعمل الفحم الحجري.
إقرأ أيضاً: أميركا تنتزع صدار الغاز المسال من قطر و«تنادي» بالتخلص منه !
وصرح أيضاً في خطبه بأنه ينوي إيقاف تشييد مجمل الطاقات المستدامة الأخرى في الولايات المتحدة. لكن، من المتوقع أن يواجه معارضة من قبل حكام الولايات الديمقراطيين في تهميش دور الطاقات المستدامة التي تم تشييدها. وبالذات بعد أن استفادت الولايات المعنية من هذه الاستثمارات المليارية التي وفرتها لها إدارة بايدن عن طريق قوانين «البنى التحتية» و«تخفيض التضخم» التي حصلت على موافقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس. إلا أنه من الممكن للرئيس ترامب أن يخفض من سرعة دعم الاستثمارات الجديدة، أو تخفيضها.
ترامب المعارض لسياسات المناخ، أعلن أنه سيوقع في اليوم الأول لرئاسته قراراً بمنع مشاريع طاقة الرياح
والسبب في ذلك، وكما هو معروف عن مواقفه في عهد رئاسته الأولى، هو دعمه للشعار الذي طرحه «أميركا أولاً». إذ يعتبر أن الطاقات المستدامة تزيد من قيمة تكاليف الصناعات الأميركية، ومن ثم تخفض من إمكاناتها في التنافس مع السلع الأجنبية. كما يعتقد أنها تقلص من فرص العمل للأميركيين. وكان ترامب قد سحب في عهد رئاسته عضوية الولايات المتحدة من «اتفاقية باريس 2015 للحد من التغير المناخي».
تقليص دعم الطاقة المتجددة
من الجدير بالذكر أن بعض مستشاري ترامب قد دعوا إلى إنهاء قانون «البنى التحتية»، الذي دعم تشييد مشاريع الهيدروجين، والتقنيات النظيفة، والسيارات الكهربائية والطاقات المستدامة. حيث بلغت قيمة تكلفة هذه المشاريع أكثر من نصف تريليون دولار، التي أدت إلى فتح المجال لآلاف الوظائف.
إقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي «يقنع» أميركا بالعودة إلى الغاز لتوليد الكهرباء
يتخوف الكثير من مجموعات مكافحة التغير المناخي الأميركية من أن تؤدي سياسات ترامب المناخية في ظل سياسات دراماتيكية لعدم تقليص الانبعاثات إلى «كارثة مناخية»، وإلى سحب الولايات المتحدة من عضوية «اتفاقية باريس 2015 لمكافحة التغير المناخي»، وبالذات لأن الولايات المتحدة مسؤولة عن نحو 10 في المائة من التلوث المناخي للكرة الأرضية.
وكجزء من سياسته في دعم الصادرات الأميركية وشعار «أميركا أولاً»، تشمل سياسات ترامب الطاقوية زيادة الصادرات البترولية، وبالذات صادرات الغاز المسال إلى أوروبا.
العلاقة مع الصين
تشكل الطاقة عاملاً مهماً في سياسات الولايات المتحدة مع كل من الصين من جهة، وأقطار السوق الأوروبية من جهة أخرى. ومن المتوقع أن تتوتر العلاقات الأميركية – الصينية، نتيجة تنفيذ شعار «أميركا أولاً»، الذي يهدف لزيادة التعرفة الجمركية على السلع المستوردة، وبالذات السيارات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم وألواح الطاقة الشمسية الصينية. الأمر الذي قد يزيد من التوترات الاقتصادية الضخمة بين الدولتين. مما يؤدي إلى تقليص حجم التجارة الخارجية بين أكبر دولتين مستهلكتين للطاقة.
وبالنسبة لأقطار السوق الأوروبية المشتركة، فإن أولويات الطرفين ستكون متناقضة في حال نفذ بوتين سياساته لتقليص تشييد الطاقات المستدامة في الولايات المتحدة، في الوقت الذي تعتبره أقطار السوق الأوروبية المشتركة في قمة أولوياتها. وستتأثر العلاقات أكثر في حال سحب ترامب عضوية الولايات المتحدة ثانية من «مؤتمر باريس 2015 لمكافحة تغير المناخ».
لكن، في الوقت نفسه، ستحتاج الأقطار الأوروبية إلى مراعاة مواقف واشنطن بخصوص الحرب الأوكرانية. وكذلك مسألة تمويل حلف الأطلسي. وينظر السياسيون الأوروبيون بقلق إلى إمكانية دعم وتعاون الحزب الجمهوري بقيادة ترامب مع الأحزاب اليمينية الأوروبية ذات الصعود النافذ في أوروبا حالياً.
نشر في جريدة الشرق الأوسط