أزمة الطاقة الأوروبية: بين «إدمان» الغاز الروسي واستهداف الغاز القطري
وقف العمل بخط الأنابيب الأوكراني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، لا يغير في حقيقة استمرار «الإدمان» على للغاز الروسي في مواجهة أزمة الطاقة الأوروبية. حيث تم استبدال الغاز الجاف المنقول بالأنابيب بالغاز المسال. ويرجح أن تؤدي تلك الأزمة إلى تراجع الدول الأوربية عن فرض غرامات على استيراد الغاز القطري تطبيقاً للإرشادات والمعايير المتعلقة بالمناخ وحقوق العمال.
ذلك ما أكد عليه ناشر ورئيس تحرير مجلة طاقة الشرق ياسر هلال في مقابلة مع برنامج المراقب، في قناة «القاهرة الإخبارية». وقال أن وقف العمل بخط الغاز عبر أوكرانيا سيؤثر مرحلياً على كفاية الإمدادات وعلى الأسعار. ولكن هذا التأثير لن يكون كارثياً، حيث تمكنت الدول الأوروبية من خلق عدة بدائل. أبرزها الغاز المسال الأميركي والقطري. كما تمكنت من بناء احتياطيات ضخمة من الغاز بلغت حوالي 90 في المئة قبل الموعد المحدد. يضاف إلى ذلك بالطبع نجاحها بزيادة استيراد الغاز الروسي المسال لتعويض جزء كبير من الغاز المنقول بالأنابيب.
وأشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أعلن أنه لن يقبل بمرور الغاز الروسي إلا إذا وافقت روسيا على عدم تقاضي ثمن الغاز حتى انتهاء الحرب. وعلى الرغم من أن هذا الشرط قوبل بالرفض الفوري من قبل روسيا. إلا أن المحادثات لا تزال مستمرة حول هذا الموضوع. وهناك محاولات للالتفاف على الأزمة بإجراء نوع من «المقايضة» المعقدة بين الغاز الروسي والأذربيجاني بما يكفل استمرار تدفق الغاز عبر الخط الأوكراني ويحفظ بالوقت ذاته «ماء الوجه» لجميع الأطراف.
إدمان الغاز الروسي
حول استمرار اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، قال رئيس تحرير «مجلة طاقة الشرق»، أنه لا يمكن عملياً وقف الاعتماد على الغاز الروسي لمواجهة أزمة الطاقة الأوروبية. مشيراً إلى أن العقوبات الأوروبية على روسيا لم تشمل أصلاً واردات الغاز الطبيعي. واقتصرت على النفط، وليس بحظر استيراده بل بفرض سقوف سعرية على الواردات.
إقرأ أيضاً: أوروبا «المدمنة» على الغاز الروسي تطلب المزيد من «الجرعات»
وأكد أن أوروبا لا تزال تعتمد بنسبة كبيرة في توفير احتياجاتها من الطاقة على الغاز الروسي. ولكن تم استبدال الغاز الجاف المنقول عبر الأنابيب بالغاز المسال المنقول بحراً. ولفت إلى قرار مستغرب يؤكد «إدمان» أوروبا على الغاز الروسي، يتعلق بحظر إعادة تصدير الغاز الروسي المسال من الموانئ الأوروبية. ويتعلق هذا القرار بالشحنات التي تنقل خلال فصل الشتاء من مصانع التسييل الروسية في القطب الشمالي إلى الموانئ الأوروبية. وذلك باستخدام ناقلات خاصة كاسحة للجليد. حيث تتم إعادة تحميل تلك الشحنات في ناقلات عادية. من ثم تصديرها إلى مختلف أسواق العالم. ما يعني أن القرار سيجعل الحل الوحيد أمام تلك الشحنات، هو بيعها في الأسواق الأوروبية.
إقرأ أيضاً: الغاز المسال: أميركا وأوروبا تقسمان الأسواق و«الأرزاق»
ورأى ياسر هلال أن هناك محاولة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا لتوزيع وتقاسم الأسواق تبعاً للموقع الجغرافي للدول المنتجة والمستهلكة. بحيث يتم مثلاً تسويق غاز أستراليا وقطر في آسيا، وغاز أميركا وأفريقيا في أوروبا. على أن يتم تصدير الغاز الروسي إلى الصين والهند في فصل الصيف، وإلى أوروبا في فصل الشتاء. واعتبر أن تهديد أمن الملاحة في البحر الأحمر وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، ساهم بشكل كبير في تثبيت تلك المعادلة.
الغرامات على الغاز القطري
رداً على سؤال حول توجه الاتحاد الأوروبي إلى فرض غرامات على شركة «قطر للطاقة»، اعتبر أن هذا التوجه يعبر عن نوع من الإضطراب في سياسات الطاقة الأوروبية. فهو يأتي في سياق القوانين والإجراءات الأوروبية الهادفة إلى تحقيق الحياد الكربوني في العام 2050. ولكنه يأتي أيضاً في وقت تشتد فيه حاجة أوروبا للغاز القطري، ما يجعله أقرب إلى «البدعة» إذا صح التعبير. وتكمن خطورته في أن معايير الاستدامة المعروفة بإسم (CS3D) المتعلقة بالمناخ والبيئة وحقوق الإنسان مثل عمالة الأطفال وحقوق العمال، لا تقتصر على الشركات الأم التي تتجاوز قيمة أعمالها في أوروبا، 450 مليون يورو وحسب. بل تشمل كافة الشركات التي تتعامل معها على طول سلاسل الإمداد. الأمر الذي يتطلب بالنسبة لشركة «قطر للطاقة» مثلاً تجنيد آلاف العاملين وإنفاق مليارات الدولارات من أجل الإشراف على كل سلاسل التوريد، التي تتضمن حوالي 100 ألف شركة. كما قال وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، والرئيس التنفيذي لشركة «قطر للطاقة» سعد بن شريدة الكعبي.
وأشار إلى أن الوجه الآخر لخطورة تلك الإرشادات، هو ضخامة قيمة الغرامة التي تنص عليها والتي تبلغ 5 في المئة من إجمالي الإيرادات العالمية للشركة المعنية. وهو ما دفع بالوزير القطري إلى الإعلان صراحة أن شركة «قطر للطاقة» ستضطر إلى وقف تصدير الغاز إلى أوروبا في حال فرض غرامات على إيراداتها. معتبراً أن تلك الإيرادات، هي ملك لدولة قطر وللشعب القطري. وتوقع هلال أن تتراجع الدول الأوروبية عن تنفيذ هذه الإجراءات أو تأجيلها. كما حدث عندما سعى الاتحاد الأوروبي لمنع استيراد الغاز القطري بموجب عقود طويلة الأجل والاكتفاء بالشراء من السوق الفورية. حيث تراجع عن ذلك المسعى تحت ضغط الحاجة للغاز القطري لمواجهة أزمة الطاقة الأوروبية بعد الحرب على أوكرانيا.