غاز لبنان: «هزة» ترسيم الحدود البحرية التركية السورية و«إرتداداتها» (1 من 2)
مشاكل غاز لبنان: داهمة تتعلق بالترسيم وخطيرة تتعلق بإدارة القطاع
دفع الحديث عن ترسيم الحدود البحرية التركية السورية بمشاكل قطاع البترول في لبنان إلى الواجهة. علماً ان مشاكل هذا القطاع تتوزع بين الخطيرة والداهمة. ما يعني استحالة اعتماد مبدأ ترتيب الأولويات في معالجتها. فتعطيل استغلال الثروة النفطية هو بذات أولوية مشكلة ترسيم الحدود البحرية مع سوريا وقبرص واستكماله مع إسرائيل. ما يستدعي فتح جميع الملفات دفعة واحدة. والأصح إعادة بناء تلك الملفات، لأن الموجود فيها يتراوح بين المعدوم والمنقوص و «الملغوم».
وسيتم تناول هاتين المسألتين أي الترسيم وإدارة القطاع في مقالين متتاليين. ونبدأ بالملف الداهم أي الترسيم.
الحقيقة أن ملف الترسيم بات داهماً، بعد أن فتحت تركيا بأسرع مما كان متوقعاً ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا. والذي سيشكل «هزة» عنيفة في نزاعات الحدود البحرية في شرق المتوسط. وبخاصة النزاع التركي ـ القبرصي، والتركي ـ اليوناني. وهذه «الهزة» سيكون لها ارتدادات مباشرة على لبنان وقبرص. وفتحت تركيا الملف بإعلان وزير النقل عبد القادر أورال أوغلو في 23 ديسمبر الماضي، عن السعي لبدء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع سوريا وفقاً للقانون الدولي.
استنفار قبرصي ـ يوناني
رغم تأكيد الوزير التركي أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركية السوية، سيتم توقيعه بعد تشكيل حكومة دائمة في دمشق، إلا أن التصريح كان كافياً لإطلاق ردود فعل عنيفة من قبل اليونان وقبرص. اللتين اعتبرتا الخطوة التركية «تهديدا للتوازنات الإقليمية القائمة في شرق البحر المتوسط». وأن الاتفاق سيكون «غير قانوني». وأعلنتا عزمهما «اتخاذ الإجراءات اللازمة على الصعيدين الدولي والأوروبي لمنع توقيع الاتفاق».
إقرأ أيضا: لا غاز في قبرص ولبنان قبل حل النزاع الحدودي مع تركيا
ويرجع رد الفعل القبرصي واليوناني، إلى حقيقة معروفة وهي أن إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين الدول المتجاورة والمتقابلة يعتبر أهم أوراق التفاوض في حل النزاعات الحدودية. وعليه فإن ترسيم الحدود السورية التركية، يشكل ورقة بالغة الأهمية في سلسلة أوراق القوة التي تراكمها تركيا بانتظار ساعة المفاوضات والتسويات. وهي تضاف إلى ورقة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا. حيث تم توقيع مذكرة التفاهم الشهيرة مع حكومة الوفاق في 2019. والتي باتت اتفاقية دولية بعد إيداعها لدى الأمم المتحدة بغض النظر عن مكامن الضعف القانونية فيها وصوابية الاعتراضات عليها. ولتكن ورقة التفاوض الحاسمة أو «الجائزة الكبرى» التي تنتظرها تركيا هي موافقة مصر على ترسيم الحدود البحرية بينهما. وهي قضية تعتبر ضمن أولويات تركيا في ملف تطبيع علاقاتها مع مصر.
دعم الترسيم بمناورات «الوطن الأزرق»
تجدر الإشارة هنا إلى تزامن تحريك ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، مع قيام تركيا بأضخم مناورة عسكرية بحرية خلال الفترة من 7 إلى 16 يناير الجاري. ولا تخرج هذه المناورة عن سياق النزاعات الحدودية. فقد اطلق عليها إسم «الوطن الأزرق 2025» . ومعروف أن مفهوم الوطن الأزرق أو الوطن المائي، ابتكره قوميون أتراك في العام 2006. وتبناه حزب العدالة والتنمية بشكل رسمي في مارس 2019. وبات منذ ذلك الحين أحد ركائز السياستين الخارحية والدفاعية. ويقضي هذا المفهوم بزيادة مساحة المياه البحرية التركية من حوالي 40 ألف كلم2 حالياً إلى أكثر من 462 ألف كلم2. ( راجع الرسم )
قبرص ترد بالترسيم مع لبنان
في مقابل الهجمة التركية، يتوقع أن تقوم قبرص بهجمة مرتدة، تتمثل باستكمال ترسيم حدودها مع لبنان ليضاف إلى الترسيم المنجز مع إسرائيل ومصر. وعلمت مجلة «طاقة الشرق» من مصادر متابعة أن قبرص ستبادر قريباً، وبدعم مباشر من فرنسا واليونان، إلى تحريك ملف الترسيم البحري مع لبنان. والهدف، هو التصديق على اتفاقية الترسيم الموقعة بين البلدين في العام 2007 بعد إدخال التعديلات اللازمة عليها.
وتوقفت هذه المصادر عند الزيارة الملفتة في سرعتها للرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس إلى لبنان لتهئنة الرئيس جوزاف عون بانتخابه. ولم تستبعد، أن تترافق المساعي القبرصية مع ضغوط أوروبية وفرنسية بالتحديد للتعجيل بتوقيع الاتفاقية والتصديق عليها.
وهذا التطور سيضع لبنان في موقف محرج، لأن المصادقة على الترسيم سيخلق مشكلة مع تركيا. وعدم المصادقة عليه، سيخلق مشكلة أكبر مع قبرص وأوروبا وبخاصة فرنسا. ويوضح الرسم المرفق سبب هذا الإحراج. فالمياه البحرية القبرصية المقابلة للمياه اللبنانية هي مناطق نزاع بين جمهورية قبرص التركية ومن ورائها تركيا وجمهورية قبرص اليونانية. ومع أن قبرص التركية لا تعترف بها أي دولة في العالم باستثناء تركيا. إلا أنها قامت بترسيم حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة. كما قامت بتوقيع اتفاقية لترسيم حدودها البحرية مع تركيا في 21 سبتمبر 2021. ما يعني أن اتفاقية الترسيم اللبنانية ـ القبرصية، ستكون موضع نزاع قانوني، وستؤدي إلى نزاع سياسي مع تركيا. وربما كان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى عدم تصديق لبنان على اتفاقية الترسيم في العام 2007. حيث أبلغت تركيا المسؤولين اللبنانيين حينذاك، اعتراضها على الترسيم. ولم تفلح كل المحاولات القبرصية منذ ذلك الحين في تغيير الموقف اللبناني، «والأصح اللاموقف». حيث دأب المسؤولون على تأجيل البحث أو حتى التفكير في هذا الملف.
إلى أين ؟!
عند هذا الحد يعاد طرح السؤال الكبير وهو من يدير ملف ترسيم الحدود البحرية. وهل يجوز أن يبقى الملف موضع تجاذب وتقاذف بين الجهات الدستورية (رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة)، وبين الوزارات المختلفة والمرجعيات السياسية والطائفية، تبعاً لاعتبارات المكاسب السياسية الضيقة أو المزايدات والمناكفات؟.
أقرأ أيضا: لبنان: الأولوية لإنشاء شركة وطنية للنفط وهيئة وطنية للترسيم
يمكن القول بكثير من الأمل والتفاؤل، أن الشعب اللبناني يراهن على العهد الجديد لتقديم الجواب الذي يضمن الخروج من تلك الحالة غير السوية. وقد يكون الجواب في تشكيل هيئة وطنية للترسيم تضم كافة الجهات الدستورية والحكومية والقوى السياسية. على ان يتولى الجيش اللبناني حصراً بدون أي تدخل، مهمة تحديد الإحداثيات ورسم الخرائط، باعتباره الجهة المؤهلة والمنزهة كما أثبتت تجربة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وليتحمل المستوى السياسي والمؤسسات الدستورية مهمة التفاوض واتخاذ القرار بالتمسك بكل « شبر أو متر مكعب» أو التنازل عنه إذا تتطلب الأمر. علماً أن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لا علاقة لها بالسيادة الوطنية التي تنطبق على المياه الإقليمية فقط. وبالتالي فإن ترسيمها يخضع لقوانين وأعراف دولية. كما يخضع لاعتبارات سياسية واقتصادية متشابكة. ويتم الترسيم عادة من خلال مفاوضات وتسويات وتنازلات متبادلة.
إقرأ في الجزء الثاني:
من يدير ملف النفط والغاز في لبنان؟
-
هل يجوز أن يبقى ملف بحجم وبأهمية النفط والغاز تحت الإدارة الحصرية لوزارة الطاقة والمياه؟ واستكمالاً هل يجوز أن تتولى وزارة واحدة ملفات الكهرباء، والمياه، والنفط والغاز، والطاقة المتجددة؟!
-
هل يكفي الاختباء وراء عبارة «موافقة مجلس الوزراء مجتمعاً» الواردة تكراراً في قانون الموارد البترولية، للفوز بصفة الحوكمة الرشيدة. والجميع يعرف كيف عطل المجلس «مجتعماً» اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج لعدة سنوات وكيف وافق على قرارات معيبة.
-
هل يكفي تسمية هيئة إدارة قطاع البترول بـ «هيئة ناظمة» والجميع يعرف أنها أقرب إلى إدارة ملحقة بمكتب معالي الوزير؟ وأن غالبية أعضاء مجلس الإدارة قد استقالوا؟ ومتى يتم تحويلها إلى هيئة ناظمة فعلاً؟
-
هل حان الوقت للتفكير جدياً بإنشاء شركة وطنية للنفط، لتتولى جانباً أساسياً من الأنشطة البترولية؟