هل تنجح «حالة طوارئ الطاقة» بتصفية سياسات المناخ وتخفيض أسعار النفط ؟

يحدد القانون الأميركي شروط إعلان حالة طوارئ الطاقة، بحدوث نقص خطير في الإمدادات وارتفاع كبير في الأسعار. ولما كانت الإمدادات وفيرة، والأسعار معتدلة، فلماذا أعلن الرئيس دونالد ترامب حالة الطوارئ ؟

قد يكون الجواب هو تجنب عرقلة الكونغرس مساعي الإدارة لتحقيق ثلاثة أهداف هي: «تصفية تركة» بايدن المناخية والغاء القرارات التي اتخذتها إدارته أو تعطيل مفاعليها إذا تعذر الغائها. الثاني، إطلاق العنان لصناعة النفط والغاز لزيادة الإنتاج والصادرات. والهدف الثالث، تخفيض أسعار النفط والمحروقات تنفيذاً للوعود. والأهداف الثلاثة تبدو بعيدة المنال أو دونها صعوبات ومعوقات كثيرة.

أولاً: «تصفية تركة» بايدن المناخية

يستطيع الرئيس ترامب في ظل حالة طوارئ الطاقة تحقيق جملة أهداف دفعة واحدة. الأول شطب مفاعيل قانون خفض التضخم. وهو بالمناسبة لا علاقة له بالتضخم بل يتمحور أساساً حول دعم الطاقة المتجددة وسياسات مواجهة التغير المناخي. وهما أمران يعارضهما ترامب، لأنه لا يؤمن أساساً بمقولة التغير المناخي. ففي ظل حالة الطوارئ يمكن وقف كل اشكال الدعم والإعانات المقررة بموجب هذا القانون لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وكذلك لمشاريع السيارات الكهربائية والبطاريات والشواحن. وهو بذلك يرد الجميل لصديقه إيلون ماسك المالك الرئيسي لشركة «تسلا» التي لا تحصل على أية إعانات أو دعم ما يعزز قدرتها التنافسية واستئثارها بالجزء الأكبر من سوق السيارات الكهربائية في أميركا.

ويمكن القول أن قرار الانسحاب للمرة الثانية من اتفاقية باريس للمناخ هو فاتحة قرارات تستهدف بشكل أساسي برامج دعم الطاقة المتجددة وسياسات المناخ عموماً.

ولا شك ان التراجع عن سياسات المناخ ودعم الطاقة المتجددة سيشكل تحولاً كبيراً. وسيعيد تشكيل ديناميكيات الطاقة والعمل المناخي في العالم. وفي حين أنه سيعزز موقع أميركا في اسواق النفط والغاز، فإنه قد يضعف موقعها في أسواق الطاقة المتجددة لصالح الصين التي باتت تستأثر بالجزء الأكبر من هذه الأسواق. بدءا من المعادن النادرة مروراً بالانتاج خاصة في مجالات الطاقة الشمسية والرياح والسيارات  والبطاريات، وصولاً إلى سلاسل الإمداد.

والمواجهة على «جبهة المناخ»، لن تكون سهلة ولا مضمونة النتائج. فرغم النجاحات التي يمكن تحقيقها بموجب حالة طوارئ الطاقة، إلا ان هناك العديد من القضايا ستكون موضع نزاعات قانونية متشابكة. كما ستكون موضع تجاذبات سياسية وحتى صراعات بين الولايات والسلطات الفيدرالية. وكذلك بين أميركا وحلفائها من الدول الغربية خاصة الأوروبية.

ثانياً: زيادة إنتاج النفط والغاز

اتخذ الرئيس ترامب في اليوم لولايته قراراً بفتح الأراضي والمياه الفدرالية للاستكشاف والإنتاج. ولكن زيادة الإنتاج لا تتوقف على هذا القرار رغم أهميته. فهي تتوقف أساساً على قناعة واستعداد الشركات لضخ الاستثمارات اللازمة. وذلك في ظل معوقات ومخاطر متشابكة. تشمل حالة عدم اليقين بالنسبة للطلب والنمو الاقتصادي. كما تشمل حالة عدم الثقة في سياسة الطاقة الأميركية التي تتغير بشكل جذري مع تغير الإدارة. يضاف إلى ذلك تغير هيكل صناعة النفط الصخري في اميركا، لجهة تراجع سيطرة الشركات الصغيرة والمتوسطة لصالح الشركات الكبرى. وهذه الشركات تركز اهتمامها على تحقيق الأرباح وإرضاء مساهميها، أكثر من التوسع والاستجابة للتوجهات الحكومية. خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة من جهة، وصعوبة الحصول على دعم حكومي بما يسهم بتخفيض التكاليف من جهة أخرى.

أما ما يحكى عن وعود بشراء كميات كبيرة من النفط لإعادة بناء المخزون الاستراتيجي، فمشكوك بالقدرة على تنفيذها. لأن ذلك يتطلب موافقة الكونغرس على التمويل. ولأن الإدارة لا توافق على بناء المخزون بأسعار مرتفعة حتى لو تم اعتماد آلية المقايضة، أي دفع رسوم وإتاوات التنقيب بكميات من النفط وليس نقداً.

أما بالنسبة لهدف زيادة الصادرات، فيواجه تحقيقه، اولاً مشكلة الطلب، وثانياً مشكلة ارتفاع تكاليف الشحن وخاصة إلى الدول الأسيوية. وقد يكون ذلك أحد أسباب مطالبة ترامب بالسيطرة على قناة بنما لتجنب دفع رسوم العبور الباهظة. إضافة بالطبع إلى ان ارتفاع اسعار النفط تخفض معدلات نمو الطلب.

ثالثاً: تخفيض أسعار المحروقات

تخفيض الأسعار قد يكون الهدف الأهم، ولكنه الأصعب. فأسعار النفط تشهد قدراً كبيراً من الاستقرار رغم كافة العوامل المتغيرة، من الاقتصادية المتعلقة بالنمو. إلى العوامل السياسية والعسكرية التي تشكل تهديداً للإمدادات (الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر ومضيق هرمز). وصولاً إلى ارتباك وتقلب السياسات المتعلقة بمحاربة الوقود الأحفوري، لصالح الطاقة المتجددة. ويرجع هذا الاستقرار في جانب أساسي منه إلى السياسة الحكيمة والثابتة التي يعتمدها تحالف «أوبك بلس». والتي أثبتت فعاليتها من خلال التخفيضات الطوعية والإلزامية، بالحفاظ على استقرار الإمدادات والأسعار.

ولا يبدو أن التحالف بوارد الاستجابة للضغوط التي قد تمارسها إدارة ترامب لزيادة الإنتاج بهدف  تخفيض الأسعار. في تكرار لتجربة العام 2018 المريرة. حين تمت الاستجاب لطلب زيادة الإنتاج لتعويض النفط الإيراني بعد فرض العقوبات. وليتبين بعدها، ان أميركا غضت النظر عن خرق إيران للعقوبات، ما أدى إلى تراجع كبير بالأسعار. واتضحت سياسة التحالف بعدم الاستجابة لمثل هذه الضغوط، من التعامل مع طلب إدارة بايدن لزيادة الإنتاج بعد الحرب الأوكرانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: