«أوبك بلس» صامد بوجه متغيرات السوق و «متغير ترامب»

رغم أن قرار تحالف «أوبك بلس» بالإبقاء على إنتاج النفط بدون تغيير، كان متوقعاً، لكنه كان بالغ الدلالة في ملابساته وتداعياته. ففي الملابسات، جاء القرار بعد مطالبة الرئيس دونالد ترامب في دافوس بزيادة الإنتاج لتجنب ارتفاع الأسعار. كما جاء في ظل القرارات غير المفهومة ضد واردات الطاقة من كندا والمكسيك. أما في التداعيات فقد جاء ليؤكد تماسك التحالف بوجه الضغوطات و «الإغراءات». وقدرته على مواصلة ضبط استقرار الأسواق والأسعار، استناداً إلى معطيات ومتغيرات السوق. إلى جانب المتغير المستجد الذي يصح تسميته «متغير ترامب» بما يحمله من مفاجئات وقرارات.

أولاً: في الملابسات والمفاجئات

عقد الاجتماع في أجواء ومعطيات «تؤشر» لحدوث نقص في الإمدادات وتشمل: أولاً، الرسوم الجمركية التي أعلنت الإدارة الأميركية فرضها على واردات الطاقة من المكسيك بنسبة 25 في المئة ومن كندا بنسبة 10 في المئة. والتي كان مقرراً ان يبدأ تنفيذها في اليوم التالي للاجتماع أي في 3 فبراير الجاري، قبل أن يتم تأجيل التنفيذ لمدة شهر. ثانياً، التوجه المعلن من قبل الإدارة لتشديد العقوبات على روسيا وإيران، والأهم للتشدد في تطبيقها. وثالثاً، بسبب حالة عدم اليقين بشأن توقعات النمو في ظل تصاعد مخاطر نشوب وتوسع الحروب التجارية.

وكان لافتاً ان التحالف لم يجد ضرورة لأي زيادة في الإنتاج. بل قرر المضي قدماً بتنفيذ القرار المتخذ في مطلع ديسمبر الماضي بتأجيل البدء بالوقف التدريجي للتخفيضات الإلزامية والطوعية إلى شهر إبريل. وتقرر ان تجتمع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في 5 أبريل لمناقشة المعطيات والبيانات واتخاذ القرار المناسب بشأن البدء بزيادة الإنتاج بشكل تدريجي.

واعتبر المراقبون أن هذا القرار يعكس بالإضافة إلى الفهم العميق للأسواق والمتغيرات التي تحكمها،  فهماً أعمق لـ «متغير ترامب». والذي يبدو أنه سيكون له تأثيراً كبيراً في أسواق الطاقة بشقيها الأحفورية والمتجددة. كما في التطورات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية بشكل عام.

إقرأ أيضاً: هل ترتكب أميركا معصية استخدام النفط كسلاح؟

ويسجل لقادة وخبراء تحالف «أوبك بلس» المقدرة على أتخاذ القرار بناء على تحليل دقيق للمعطيات المتعلقة بهذا المتغير المستجد وغير القابل للتوقع. وهذه المقدرة ستكون أحد العوامل المؤثرة في مسار تطورات أسواق الطاقة. وللدلالة على ذلك نشير إلى بعض المعطيات والتناقضات المتعلقة بقرار إدارة ترامب فرض الرسوم الجمركية على واردات النفط المكسيكي والكندي، وتشديد العقوبات على النفط الروسي والإيراني.

1. النفط الكندي والمكسيكي:

تم الترويج لقرار فرض الرسوم الجمركية، بحملة صورته بأنه يسهم بتحقيق جملة من الأهداف شبه المستحيلة والمتناقضة أحياناً. تبدأ بوقف الهجرة والتهريب وإصلاح الاختلال في الميزان التجاري، وصولاً إلى إنعاش قطاع النفط الأميركي. إضافة بالطبع إلى الهدف الدائم وهو تخفيض أسعار الوقود. ويبدو ان خبراء «أوبك بلس» كان لهم رؤية ورأي أخر. يتمثل بشكوك عميقة لقدرة إدارة ترامب على تنفيذ القرار. خاصة وأن النفط المكسيكي هو من النوع الثقيل الذي تعتمد عليه مصافي النفط الأميركية. وأي نقص في إمداداته أو استبداله بمصادر أخرى، سيؤدي إلى رفع أسعار الوقود وليس تخفيضها. كما أن تقلص إمدادات النفط الكندي، لن تسهم في إنعاش قطاع النفط الأميركي وتشجيع الشركات على الاستثمار. لأن الشركات الكبرى التي باتت تتحكم بقطاع النفط الصخري، لا تبني خططها الاستثمارية على قرارات متسرعة وغير ثابتة. كما كان واضحاً ان تطبيق القرار يتوقف على استجابة دول «أوبك بلس» لمطالبتها بزيادة الإنتاج. وقد تأكدت الشكوك وصحة تحليلات وتوققعات التحالف، بالقرار السريع الذي اتخذه ترامب بتأجيل التطبيق لمدة شهر. مع ترجيح احتمال تمديده أو حتى التراجع عنه.

2. النفط الإيراني والروسي:

تم الترويج لحملة المطالبة بزيادة الانتاج بهدف تخفيض الأسعار، من خلال الزعم بأنه سيزيد الضغط على عائدات روسيا النفطية ما يدفعها لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران لدفعها إلى القبول بالتسوية المعروضة عليها وقوامها بقاء النظام مقابل الملف النووي والنفوذ الإقليمي. وبدا واضحاً ان هذا الكلام غير مقنع وموضع شك كبير لعدة أسباب: أولاً لأن روسيا عضو رئيسي في تحالف «أوبك بلس». ما يعني ان الموافقة على هذا الطرح تعني إما التضحية بمصالح روسيا، وإما التضحية بالتحالف نفسه.

إقرأ أيضا: واردات الصين من النفط الروسي والإيراني: أرقام قياسية بموافقة أميركا!

ثانياً، وقد يكون الأهم، هو صعوبة تخفيض صادرات روسيا وإيران النفطية. ويرجع ذلك إلى الخبرة المتراكمة لديهما في الالتفاف على العقوبات وامتلاكهما اسطولاً ضخماً من سفن الأشباح او «أسطول الظل». إضافة إلى عدم جدية الإدارات الأميركية المتعاقبة في تطبيق العقوبات. ولا تزال ماثلة في الأذهان، التجربة المريرة في العام 2018، خلال ولاية ترامب الأولى، حين استجابت الدول النفطية وفي مقدمتها الدول الخليجية لطلبه بزيادة الإمدادات تحسباً لفرض عقوبات صارمة على إيران. ولكنه تراجع عن التطبيق في اللحظة الأخيرة. ومعروف ان النفط الإيراني والروسي يتم تهريبه بموافقة ضمنية أو «قبة باط» من قبل أميركا وبقية الدول الصناعية الكبرى.

ثانياً: في التداعيات والتطورات

هناك العديد من المسائل أو المتغيرات التي ستكون موضع مراقبة دقيقة لمعرفة اتجاه التطورات في أسواق الطاقة. وبغض النظر عن المتغيرات المعروفة المتعلقة بالعرض والطلب والتطورات الجيوسياسية الخ… قد يجدر التركيز على متغيرين مستجدين هما:

  1. سياسات وقرارات الإدارة الأميركية، و«تغريدات» الرئيس ترامب. وبخاصة التوجه للمبالغة في استخدام النفط والغاز وحتى الطاقة المتجددة في تحقيق أغراض سياسية. ما يوحي «بعودة بائسة» لاستخدام النفط كسلاح في الصراعات السياسية وحروب النفوذ العالمي. إذ سيؤدي ذلك إلى اعتماد سياسات متضاربة تفاقم الارتباك وعدم اليقين في الاسواق. وخير دليل على ذلك مطالبة تحالف «أوبك بلس» بزيادة الإنتاج بهدف تخفيض الأسعار. وهو ما يتناقض مع السياسة المعلنة الهادفة إلى تعزيز قطاع النفط الأميركي وتنفيذ الشعار الشهير «احفر، بني، احفر» drill baby drill.
  2. تماسك تحالف «أوبك بلس» وبخاصة لجهة التزام الدول الأعضاء بحصص الإنتاج المتفق عليها. ومن غير المستبعد ممارسة الضغوط والإغراءات على بعض الدول لتجاوز حصصها. علماً ان هناك العديد من الدول تميل تاريخياً إلى ذلك من تلقاء نفسها. ويسجل في هذا السياق قيام وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قبل أسبوع من الاجتماع، بإجراء محادثات مع مسؤولين من العراق وليبيا، تناولت التعاون واستقرار السوق، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السعودية.

وتجدر الإشارة هنا إلى قرار يحمل دلالات مهمة يتعلق بتعزيز آلية مراقبة مستويات الانتاج والامتثال للتخفيضات والتقيد بحصص الإنتاج. حيث جرى تعزيز المصادر الثانوية المستخدمة، فتم  استبدال إدارة معلومات الطاقة الأميركية  (EIA) وشركة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy)، بشركات “كبلر” (Kpler) و”أويل إكس” (OilX) و”إي إس إيه آي” (ESAI). وجاء ذلك عقب التخلي عن خدمات وكالة الطاقة الدولية في العام 2022. وبات لدى التحالف ثمانية مصادر حالياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: