منال عبد الصمد تكتب عن:
الضرائب كمحفّز في ثورة الطاقة المتجددة

نشرت الدكتورة منال عبد الصمد هذا المقال باللغة الإنجليزية في AGBI، وقد اختارت مجلة وموقع «طاقة الشرق» لنشره باللغة العربية. ليكون أول مقال لها ينشر في الموقع. وتشغل د. عبد الصمد منصب مستشارة أولى في السياسة المالية وإعادة الهيكلة التنظيمية، كما شغلت سابقاً منصب وزيرة الإعلام في لبنان.

د. منال عبد الصمد

تمر منطقة مجلس التعاون الخليجي بتحول عميق في قطاع الطاقة. ومع توجه الاقتصادات العالمية نحو الاستدامة، تقود المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الجهود لتنويع مصادر الطاقة مع الحفاظ على التنافسية الاقتصادية. ولكن يبقى السؤال الحاسم: هل يمكن للسياسات الضريبية تسريع هذا التحول وتعزيز موقع المنطقة كقائد عالمي في ثورة الطاقة المتجددة؟

مع رؤية السعودية 2030، ومبادرة المملكة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050، تلعب السياسات المالية دوراً متزايد الأهمية في تشكيل حوافز الاستثمار وديناميكيات السوق. وتهدف المملكة العربية السعودية إلى توليد 50 في المئة من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2030 وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، بينما تستهدف الإمارات الوصول إلى نسبة 44 في المئة من الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة بحلول عام 2050.

الموازنة بين النمو والمناخ

يكمن التحدي في تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري مع تعزيز إطار ضريبي يشجع على تطوير الطاقة المتجددة، مما يضمن المرونة الاقتصادية ويحافظ على التوازن الدقيق بين النمو والالتزامات المناخية.

نفذت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مشاريع كبرى في مجال الطاقة المتجددة، مثل محطة سكاكا للطاقة الشمسية ومزرعة رياح دومة الجندل في المملكة العربية السعودية. كما أطلقت المملكة سوقاً محلية للكربون تتماشى مع المعايير الدولية، لتعزيز النمو منخفض الكربون.

من جهة أخرى، استثمرت دولة الإمارات بشكل كبير في مشاريع مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية ومحطة براكة للطاقة النووية، مما يظهر دفعاً قوياً نحو تنويع مصادر الطاقة.

إصلاح دعم الوقود الأحفوري

يظل إصلاح دعم الوقود الأحفوري قضية حاسمة لكنها حساسة سياسياً. ومع ذلك، يجب أن تتوافق السياسات المالية مع هذه المشاريع الطموحة لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل. ويمكن للضرائب أن تُشكّل حافزًا للاستثمار في الطاقة المتجددة، وعاملًا مثبطًا للأنشطة كثيفة الكربون.

يشكّل قرار الإمارات العربية المتحدة بإلغاء دعم الوقود تدريجياً في عام 2015 نموذجاً لإعادة تخصيص الأموال لتحقيق الاستدامة. وتعكف المملكة العربية السعودية على تنفيذ إصلاحات مماثلة تدريجياً، إدراكاً منها للحاجة إلى نموذج متوازن لتسعير الطاقة يعكس الأولويات الاقتصادية والبيئية.

خطت المملكة العربية السعودية خطوة كبيرة في تطوير أسواق الكربون، التي تُعَد أداة سياسية بالغة الأهمية. فقد قامت باستحداث سوق الكربون الطوعي لتداول الانبعاثات، مما يُحفّز الشركات على تقليل بصمتها الكربونية. كما يُوفّر سوق أبوظبي العالمي في الإمارات منصةً لتداول الكربون، تُتيح آليةً ماليةً لدعم جهود خفض الانبعاثات في القطاع الخاص.

علاوة على ذلك، وُضعت سياسات خاصة بكل قطاع لدعم التحول في مجال الطاقة. فقد أنشأت الإمارات العربية المتحدة إطاراً للتمويل الأخضر لجذب الاستثمارات في المشاريع المستدامة. كما تتوافق المبادرة السعودية الخضراء وسوق الكربون المحلية في السعودية مع المعايير الدولية، مثل آلية تعديل حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي، التي تفرض رسوماً على الواردات كثيفة الكربون.

الالتزام بمستقبل مستدام

تُظهر هذه المبادرات التزاماً واضحاً بمستقبل مستدام. ومع ذلك، فإن تنفيذ سياسات ضريبية مبتكرة أمر بالغ الأهمية لتعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة. يمكن أن تشمل هذه السياسات حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في مشاريع الطاقة النظيفة، وإعفاءات ضريبية على المعدات المستوردة لتكنولوجيا الطاقة المتجددة، وفرض ضرائب على الكربون لتشجيع الشركات على تقليل انبعاثاتها.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي التعاون الإقليمي في سياسات الضرائب إلى خلق سوق متكامل وأكثر تنافسية للطاقة المتجددة، مما يعزز مكانة المنطقة كمركز عالمي للطاقة المستدامة.

في الختام، يمكن للضرائب أن تكون محفزاً قوياً في ثورة الطاقة المتجددة، من خلال مواءمة السياسات المالية مع الأهداف البيئية. ويمكن للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قيادة التحول العالمي نحو مستقبل أكثر خضرة واستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: