أمين عام «أوبك»: ماذا تعني عبارة “طاقة خضراء” حقاً؟

نشر أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، هيثم الغيص مقالاً مهماً حول مدى دقة وصوابية مصطلح «طاقة خضراء». معتبراً أنه يخفي الحقائق ويعطي صورة مضللة لتوافق بعض المصادر الطاقة مع المعايير البيئية والمناخية. وفي ما يلي نص المقال:
تُوصف بعض مصادر الطاقة بأنها “خضراء”، لكن هذا المصطلح أو الشعار قد يخفي الحقائق المرتبطة بالطاقة. من الضروري أن نتعمق في فهم ما تعنيه كلمة “خضراء” فعلاً.

إذا كان المقصود بـ”خضراء” هو غياب انبعاثات الغازات الدفيئة، فيجب إذاً احتساب البصمة الكربونية الكاملة لمصدر الطاقة، بما يشمل عمليات الإنتاج والنقل. فعلى سبيل المثال، تؤدي مراحل تصنيع وتركيب وتشغيل وتفكيك توربينات الرياح والألواح الشمسية إلى إطلاق انبعاثات الغازات الدفيئة. تعتمد هذه التقنيات بشكل كبير على مواد مثل الفولاذ والإسمنت والبلاستيك. علماً بأن عمليات إنتاج هذه المواد تُعد كثيفة الانبعاثات. يُنتج نحو 70 في المئة من الفولاذ عالمياً من خام الحديد باستخدام عمليات قائمة على الفحم. كما أن استخراج السيليكون وتحويله إلى خلايا شمسية يؤدي بدوره إلى إطلاق انبعاثات.
المستقبل يجب أن يتسع لجميع مصادر الطاقة، بغض النظر عن اللون، ونحن بحاجة إلى حلول، لا شعارات
أما استخراج المعادن الأساسية مثل النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت. والتي تُعد ضرورية لتوربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم أيون، فيتطلب عمليات تعدين كثيفة، تُخلّف انبعاثات كبيرة من الغازات الدفيئة.
التأثير البيئي لمصادر الطاقة
غالباً ما يتم الترويج لشعار “كهربة كل شيء” كوسيلة لتحقيق التحول الأخضر. لكن في عام 2024، بلغ توليد الكهرباء من الفحم مستوى قياسياً غير مسبوق في التاريخ البشري. ونتيجة لذلك، سجلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من محطات الطاقة العاملة بالفحم رقماً قياسياً جديداً، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر في عام 2025.
إقرأ أيضاً:
«الخداع الأخضر»: الوقود الأحفوري للأغنياء.. و «نيرفانا» الطاقة الشمسية للفقراء
«الخداع الأخضر»: تكلفة الطاقة الشمسية ستكون دائماً أعلى!
إذا كان المقصود بـ”خضراء” هو التوافق مع الطبيعة. فإن من المهم أخذ التأثير البيئي الكامل لمصدر الطاقة بعين الاعتبار. غالباً ما تبدأ عملية بناء توربينات الرياح على اليابسة أو محطات الطاقة الشمسية بإزالة الغطاء النباتي. وهو ما قد يتضمن اقتلاع الأشجار أو إزالة الصخور أو تغيير طبيعة الأرض. في بعض الحالات، تُستخدم المتفجرات الصناعية لهذا الغرض. كما أن إقامة التوربينات وتسييج الأراضي حول محطات الطاقة الشمسية قد يُعطّل المواطن الطبيعية ومسارات الهجرة الخاصة بالحيوانات.
أما إذا كان مفهوم “الأخضر” يتعلق بسهولة عمليات إعادة التدوير. فيجدر التذكير بأن العمر الافتراضي لتوربينات الرياح يتراوح بين 20 إلى 25 عاماً، بينما يبلغ نحو 30 عاماً للألواح الشمسية.
إذا كنا نقصد بـ «خضراء» غياب انبعاثات الغازات الدفيئة، فعلينا احتساب البصمة الكربونية الكاملة لمصدر الطاقة
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، توقع مهندسون أن تخلّف شفرات التوربينات نفايات مطمورة في المكبات بأكثر من 43 مليون طن بحلول عام 2050. وقدّرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن النفايات السنوية الناتجة عن الألواح الشمسية بعد نهاية عمرها الافتراضي قد تصل إلى نحو 60 إلى 78 مليون طن متري بشكل تراكمي بحلول 2050. تحتوي الألواح الشمسية على معادن ثقيلة سامة تصنفها بعض الحكومات على أنها نفايات خطرة، ويجب التخلص منها وفق إرشادات صارمة وجداول زمنية محددة.
لماذا توصف بـ «طاقة خضراء»؟
صحيح أن الابتكار التكنولوجي يسهم في تحسين قابلية تدوير التوربينات والألواح الشمسية، وقد أُحرز تقدم يُحسب في هذا المجال. إلا أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أشار إلى أن العالم يواجه أزمة متنامية في إدارة النفايات. والقدرة على التدوير لا تعني بالضرورة أن الشيء سيُعاد تدويره بالفعل، أو أنه لن ينتهي به المطاف في مكب نفايات.
هنا يُطرح السؤال: لماذا يُطلق وصف “خضراء” على بعض مصادر الطاقة؟ الكلمة بسيطة، لكنها قادرة على تصوير مصدر الطاقة كحل سحري لتحدي المناخ. الأمر الذي يتطلب معه طرح أسئلة إضافية. فالكلمة توحي بأن مصدر الطاقة مثالي وخالٍ من العيوب. لكن لا وجود لمصدر طاقة يمكن وصفه بهذه الطريقة.
أقرأ أيضا:
معضلة المعادن النادرة: إطفاء الطاقة المتجددة وإشعال الإضطرابات (1 من 2)
قد يغفل هذا الشعار التعقيدات والقرارات الصعبة التي يتعين على صناع السياسات اتخاذها عند الموازنة بين أولويات تنموية متنافسة. كما يُضفي طابعاً أخلاقياً على مصادر الطاقة، ومن ثمّ يُقلل من شأن الفوائد التي يمكن أن تُقدمها مصادر لا تُعتبر “خضراء” بالمعنى التقليدي.
من المهم التأكيد على أن الألواح الشمسية وتوربينات الرياح تُعد تقنيات متميزة. وهي عنصر ضروري في مزيج الطاقة، خصوصاً في ظل التوقعات بنمو الطلب العالمي على الطاقة في العقود المقبلة. لكن كما كتب المؤرخ المتخصص في شؤون الطاقة، جان بابتيست فريصوز: “من غير المنطقي أن نتوقع من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح أكثر مما يمكنها تقديمه”.
نحتاج إلى حلول وليس شعارات
تحقيق مستقبل آمن للطاقة، ويجعل الطاقة في متناول الجميع، ويعالج فقر الطاقة، ويسهم في خفض الانبعاثات، يتطلب فهماً واقعياً لجميع أنواع الطاقة، وما تنتجه من مشتقات، وما يمكن أن تُقدمه فعلاً.
فهل مصطلح “خضراء” يركّز بشكل ضيق على عدد محدود من أنواع الطاقة، ويتيح للبعض أن يتجاهل بسهولة مزايا أنواع أخرى؟ أم لعلنا بحاجة للتخلي عن هذا المصطلح كلياً؟
المستقبل يجب أن يتسع لجميع مصادر الطاقة، بغض النظر عن اللون الذي تُصنّف به. نحن بحاجة إلى حلول، لا شعارات.