الحظر الأوروبي لإعادة تصدير الغاز الروسي المسال: تأثير هامشي

استضاف برنامج المراقب في قناة القاهرة الإخبارية رئيس تحرير مجلة وموقع طاقة الشرق، ياسر هلال، في مقابلة حول دوافع وتداعيات إعلان الاتحاد الأوروبي حظر تصدير الغاز الروسي المسال عبر الموانئ الأوروبية. حيث اعتبر أن توقيت بدء تنفيذ القرار مدعاة للاستغراب، لأن الحاجة لنقل الشحنات عبر الموانئ الأوروبية تنتهي في أول مايو. ليتم بعدها استخدام الناقلات العادية لشحن الغاز بعد ذوبان الجليد. واعتبر القرار بمثابة رسالة أميركية ـ أوروبية لروسيا بأن التقارب الحاصل مع أميركا لا يشمل السماح لها بتنفيذ خططها الطموحة لتطوير قطاع الغاز المسال، والتي تقضي بزيادة الإنتاج من 30 مليون طن إلى 137 مليون طن.

وهنا نص الحوار:

يبدأ الاتحاد الأوروبي في 27 مارس الحالي تنفيذ حظر إعادة تصدير الغاز الروسي المسال عبر الموانئ الأوروبية، كيف تنظرون إلى تداعيات القرار لناحية إحكام الحصار على الغاز الروسي ومنع وصوله إلى الصين تحديداً؟

بداية، كان ملفتاً ومثيراً للتساؤلات توقيت الإعلان عن تنفيذ القرار، الذي تم اتخاذه العام الماضي.

فإذا كان الأمر يتعلق بتأمين مصدر إضافي لتلبية احتياجات الدول الأوروبية من الغاز، فكان يفترض تنفيذه قبل فصل الشتاء، حين تشتد الحاجة إليه، وليس في نهايته. خاصة وأن استخدام الموانئ الأوروبية لإعادة تصدير غاز مشروع «يامال» يتم فقط خلال فصل الشتاء، وتحديداً بين شهري ديسمبر ومايو. حيث يقوم أسطول من ناقلات الغاز الكاسحة للجليد بنقل الغاز إلى تلك الموانئ. لتتم هناك إعادة تحميله بناقلات عادية وشحنه إلى مختلف أنحاء العالم، بما فيها الصين. وفي هذا الوقت. أما في بقية أشهر السنة، أي من مايو إلى نوفمبر، فيتم شحن الغاز بالناقلات العادية عبر طريق القطب الشمالي، بسبب ذوبان الجليد.

أما إذا كان الأمر يتعلق بتشديد العقوبات على الغاز الروسي المسال ومضايقة الصين بحرمانها من أحد مصادر الغاز، فكان يفترض تنفيذه منذ عدة أشهر. علماً أن روسيا تمتلك عدة خيارات لتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية تصدير الغاز إلى الصين. ومن بين هذه الخيارات استخدام ميناء مورمانسك لنقل الغاز إلى الناقلات العادية.

 

رسائل سياسية

إذا كان الأمر كذلك، فما هي دوافع القرار إذن؟ ولماذا الآن؟

مع استبعاد تلك الأسباب المعلنة، أعتقد أن القرار هو بمثابة رسالة أميركية – أوروبية إلى روسيا، مفادها أن التقارب مع أميركا قد يحقق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة ومتنوعة لروسيا . ولكن ذلك لن يشمل بأي حال من الأحوال الغاز الطبيعي المسال.

ولكي نضع الأمور في سياقها لتوضيح فحوى الرسالة، تجدر الإشارة إلى أن روسيا لديها خطط طموحة لتطوير قطاع الغاز المسال. تقضي بزيادة إنتاجها من حوالي 30 مليون طن سنوياً إلى حوالي 137 مليون طن، ما يعني أنها ستتفوق على قطر التي يقدر إنتاجها بحوالي 77 مليون طن، وعلى أميركا وأستراليا. ولذلك تعرض مشروع «أركتيك 2» العام الماضي لأعنف حملة عقوبات من قبل أميركا. ما أدى إلى انسحاب الشركات الكورية واليابانية والفرنسية وحتى الصينية منه. وقد أعلنت شركة «نوفاتك» حالة القوة القاهرة. وتوقفت عن استكمال تنفيذ المشروع، مكتفية بتنفيذ جزء بسيط منه.

وعليه، فإن القرار يشكل استكمالاً للسياسة الأميركية المنسقة مع أوروبا، أو المفروضة عليها. والقاضية بالسعي لمنع روسيا من التحول إلى اللاعب الرئيسي في مجال الغاز المسال. ولا نستبعد أن يتم تعويضها، لاسترضائها، بالضغط على أوكرانيا لإعادة تشغيل خط الغاز الأوكراني كجزء من التسوية المرتقبة.

ما مدى إمكانية استغناء أوروبا عن الغاز الروسي، وهل تعتقد أن القرارات المتخذة يغلب عليها الطابع السياسي؟

قبل الإجابة، أود توجيه الشكر لك على هذا السؤال المهم. والحقيقة أن الدول الأوروبية تنتهج سياسات تتعارض مع مصالحها. وهي مصرة على إحياء «المقاربة البائسة»، إذا صح التعبير، القاضية باستخدام النفط والغاز كوسيلة لتسوية النزاعات. مع العلم أن القادة الأوروبيين يعلمون جيداً استحالة الاستغناء عن الغاز الروسي، وهو ما أشرتم إليه في تقريركم. وكل ما حدث حتى الآن، كان استبدال جزء كبير من الغاز الجاف المنقول عبر الأنابيب بالغاز المسال، ولكن بسعر أعلى بكثير. وهم يواصلون اعتماد هذه المقاربة، رغم علمهم أيضاً بضآلة تأثيرها على روسيا. التي تواصل تصدير النفط والغاز والالتفاف على كل أنواع العقوبات المفروضة عليها. وربما يتم ذلك بموافقة ضمنية من أميركا، أو بغض النظر من قبلها.

العقوبات على فنزويلا

بالانتقال إلى إعلان فرض عقوبات مشددة على تصدير النفط الفنزويلي، كيف ترى انعكاسات هذا القرار؟

الملفت أن أميركا بالغت كثيراً في استخدام العقوبات. وباتت مسألة جدية الولايات المتحدة في تنفيذ العقوبات، وبخاصة المتعلقة بالنفط والغاز تحديداً موضع تساؤلات وشكوك. والدليل ماثل أمامنا في نتائج العقوبات على النفط الإيراني. فرغم كل الكلام والتصريحات عن التشدد في التطبيق وتصفير الصادرات الإيرانية، فإن هذه الصادرات لا تزال تحقق أرقاماً قياسية لتصل إلى 1.8 مليون برميل يومياً.

ورغم كل ما يقال عن قدرة وخبرة إيران في الالتفاف على العقوبات وامتلاك أسطول ضخم من سفن الظل أو الأشباح. فأعتقد أن السبب الرئيسي في نجاحها في خرق العقوبات هو التساهل الأميركي في تطبيقها، لكي لا نقول الموافقة الضمنية. ويرجع ذلك إلى أن أميركا يهمها الحفاظ على معروض كافٍ، بل فائض، من النفط، تجنباً لارتفاع الأسعار.  وهو أمر يعتبر «الخط الأحمر» بالنسبة لأي إدارة، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية.

وعليه، فإن العقوبات على فنزويلا لن تختلف كثيراً عن تطبيق العقوبات على روسيا وإيران. وذلك أخذاً بالاعتبار ضآلة حجم الصادرات الفنزويلية. ولكن مجرد فرض العقوبات يحقق هدفاً مهماً، وهو تراجع الإيرادات المالية كنتيجة طبيعية لاضطرار فنزويلا إلى منح حسومات عالية لكي تقنع المستوردين بشراء نفطها وتحمل مخاطر خرق العقوبات، كما يحدث مع روسيا وإيران.

«أوبك بلس» واستقرار الأسواق

سؤال أخير، كيف ترى التطورات المرتقبة في أسواق النفط خلال الفترة المقبلة؟

إذا استبعدنا العامل السياسي، سواء المتعلق باستخدام النفط كوسيلة لتسوية النزاعات، أو المتعلق بالحروب والاضطرابات التي تؤثر على الإمدادات. فإننا نلاحظ حالة من التوازن الدقيق والمدروس بين العرض والطلب، ما ينعكس على استقرار الأسعار، مع التذبذب ضمن هامش مقبول. وبدون أي مجاملات، فإن الفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى السياسات المتزنة والحكيمة من قبل الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» وتحالف «أوبك بلس». حيث تضحي الدول الأعضاء بحصة تتراوح بين 5 و6 ملايين برميل يومياً، من خلال التخفيضات الإلزامية والطوعية.

أما في حال حدوث اضطرابات أو حروب، وهو أمر يصعب توقعه أو التنبؤ به، كاندلاع مواجهات عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران. فلا شك أن ذلك سيؤدي إلى صدمة في الأسواق وفي الأسعار، حتى لو كان تأثير تلك المواجهات محدوداً على الإمدادات الفعلية للنفط.

كما يجب أن نراقب عن كثب التطورات المتسارعة المتعلقة بإرهاصات ومؤشرات على نوع من التراجع الدولي عن سياسات دعم الطاقة المتجددة ومواجهة التغير المناخي. لأن حدوث مثل هذا التراجع سيؤدي إلى زيادة في الطلب على النفط والغاز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: