محمية كرم شباط: درّة تاج المحميات «مدفونة» بالاهمال والتعديات

لو حظيت منطقة عكار عموماً ومحمية كرم شباط بالذات، بجزء بسيط من اهتمام الدولة، لاكتشف اللبنانيون والسياح واحدة من أجمل المناطق الطبيعية، بل درّة تاج المحميات في لبنان. حيث تحتضن غاباتها أرزاً وشوحاً عمره آلاف السنين.كما تحتضن، أثاراً تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

د. أنطوان ضاهر

تناغم الطبيعة والتاريخ

تقع محمية كرم شباط على مرتفعات بلدة القبيات العكارية، على ارتفاع يتراوح بين 1400 و 1900 متر. وتبلغ مساحتها نحو مليون متر مربع. وتعتبر من أبرز المحميات الطبيعية في لبنان، إذ تضم أقدم أشجار الأرز اللبناني المعمّر، الذي يغطي معظم سفوحها الغربية المطلة على البحر. كما تمتد غاباتها إلى السفوح الشرقية بفضل الرياح المحملة بالرطوبة القادمة من بحيرة حمص.

تحوي المحمية أيضاً أنواعاً نادرة من الأشجار مثل اللزاب والشوح الكيليكي، الذي لا ينمو إلا في عكار والضنية، حيث يبدأ انتشاره من بلدة القبيات شمالاً حتى حرش إهدن جنوباً. ما يشكّل الحد الجنوبي لوجوده عالمياً. ويوجد القليل من هذه الأشجار خارج لبنان، وتحديداً في سوريا وتركيا، بمنطقة كيليكيا.

غابات دهرية تعانق الغيوم

كما تحتضن المحمية أنواعاً أخرى من الأشجار كالعذر والكوكلان وخوخ الدب. إلى جانب مجموعة واسعة من الحيوانات، مثل السناجب والثعالب والخنازير البرية والضباع. بالإضافة إلى أنواع عديدة من الطيور، كالهدهد والحجل والحوام والنسر والغراب. وتزخر المحمية أيضاً بزهور نادرة، أبرزها زهرة الأوركيديا وزهرة البيونيا المميزة.

وتضم المحمية منطقة تُعرف باسم “شير الصنم”، حيث وُجدت نقوش وآثار تعود إلى الحقبة البابلية. وهناك شواهد على أنها قد تعود إلى حملة نبوخذ نصر على لبنان.

تحديات وتعديات

يروي د. أنطوان ضاهر، رئيس مجلس البيئة في القبيات ورئيس لجنة محمية كرم شباط، أن فكرة إنشاء مجلس البيئة انطلقت عام 1995 بعد ملاحظات متكررة للتعديات والانتهاكات البيئية أثناء رحلات المشي في المنطقة. وفي عام 1996، أُنشئت لجنة لحماية الغابة والحفاظ عليها من التعديات بقرار من وزارة البيئة.

جريمة بحق الطبيعة والتاريخ

لكن المشروع واجه تحديات كبيرة، أبرزها رفض بعض السكان، لفكرة المحمية، ما أدى إلى توترات وصلت إلى حد الإشكالات الأمنية. ويشير ضاهر إلى أن الدولة، بمؤسساتها الرسمية والأمنية، لم تتحمل مسؤولياتها في معالجة هذه المشاكل، ما أدى إلى توقف عمل اللجنة. كما شكّل غياب عمليات المسح الرسمي للأراضي وتحديد الملكيات سبباً إضافياً لعرقلة جهود الحماية.

الأنشطة السياحية والرياضية

على الرغم من التحديات، تعمل لجنة المحمية على تنظيم أنشطة سياحية وبيئية، حيث تُقام رياضة المشي في الطبيعة. كم تم تنظيم أنشطة لممارسة رياضة التزلج على الثلج. التي جذبت اهتمام الشباب العكاري وأصبحت عاملاً جاذباً للسياح. كما أُنشئ نادٍ خاص لتأجير معدات التزلج، وأُضيفت رياضة الدراجات الجبلية إلى قائمة الأنشطة المتاحة.

إقرأ أيضاً: محمية شاطئ صور: ملاذ السياح والسلاحف و«قلعة» لحماية التاريخ والبيئة

إقرأ أيضاً: محمية تنورين في لبنان: حامية «الأرز النبيل»

بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على تنشيط السياحة البيئية التثقيفية. من خلال تنظيم زيارات لطلاب المدارس والسياح، للتعرف على الأشجار والنباتات والأنظمة البيئية. ولكن هذه الأنشطة لا تزال محدودة بسبب الظروف المحيطة بالمحمية. ويشير ضاهر إلى أن معظم المشاريع متوقفة بسبب غياب دور الدولة في معالجة العقبات، خاصة من قبل الجهات الأمنية ووزارتي البيئة والزراعة.

السياحة البيئية

تشكل السياحة البيئية رافداً رئيسياً للنشاط السياحي في منطقة الشمال. وتعتبر ركيزة أساسية لاقتصاد المنطقة. حيث تشمل نطاقاً جغرافياً واسعاً يمتد من القبيات إلى عكار القديمة، وصولًا إلى أكروم ووادي خالد. ومن قلعة عروبة في فنيدق إلى النهر الكبير وقلعة حصن الأكراد في سوريا.

كما تم تشجيع السكان المحليين على استضافة السياح ضمن مشروع “بيوت الضيافة”. حيث خصص عدد من العائلات غرفاً في منازلهم لهذا الغرض. وانخرطت بعض النساء في هذا المشروع. كما قام دير الآباء الكرمليين بتخصيص جزء من الدير القديم لاستقبال الزوار ضمن نفس المبادرة.

جهود مجلس البيئة

يعمل مجلس البيئة في القبيات على مكافحة الحرائق الموسمية، التي تكون في معظمها مفتعلة لتوسيع الملكيات الخاصة غير الممسوحة. ومن أبرز إنجازاته إنشاء برج مراقبة في منطقة المرغان الصنوبرية. يتكوّن من أربع طبقات، حيث تم تجهيز ثلاث منها لاستقبال المتطوعين. فيما خُصصت الطبقة الرابعة للمراقبة. كما نظّم المجلس دورات تدريبية، بتمويل من الدولة النرويجية، لتدريب 50 شاباً على تقنيات إطفاء الحرائق، بالتنسيق مع الدفاع المدني، مع توفير ملابس ومعدات خاصة لهم.

إلى جانب ذلك، يعمل المجلس مع المدارس المحلية على نشر الوعي البيئي، من خلال المحاضرات والمشاريع البيئية. ويشمل ذلك حملات تشحيل الأشجار والتشجير، ومبادرات توأمة الطلاب مع الأشجار، بالإضافة إلى ترسيم دروب المشي في الغابات.

بيوت الضيافة في عكار

كما ينظّم المجلس ورش عمل تدريبية لتأهيل أدلاء سياحيين متخصصين بالسياحة البيئية، حيث تم تدريب 13 شاباً وشابة خلال سنتين. وهم اليوم يمارسون عملهم في مناطق القبيات وعندقت وبزبينا وأكروم. كما أصدر المجلس كتاباً يوثق دروب المشي في عكار، لتعزيز السياحة البيئية في المنطقة.

وفي سياق متصل، تم تنظيم دورات تدريبية لتعليم الشباب كيفية استخدام النباتات البرية في الطهي التقليدي. وتم إصدار كتيب إلكتروني باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية حول هذا الموضوع.

مهرجان السينما البيئية

منذ أربع سنوات، يُنظّم مجلس البيئة، بالتعاون مع جمعية “بيروت دي سي”، مهرجانًا فريداً من نوعه في العالم العربي. يهدف إلى استخدام الفن السابع لدعم القضايا البيئية وتسليط الضوء على الحياة الريفية في لبنان. وقد لاقى المهرجان نجاحاً كبيراً، ليصبح منصة ثقافية واقتصادية مهمة للمنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: