متى يكسر سعر النفط
حاجز الـ 100 دولار
تترقب أوساط صناعة النفط تطور معدلات نمو الطلب في الصين والهند، وسط توقعات بأن يكسر السعر حاجز الـ 100 دولار في النصف الثاني من العام. وهو ما يعتبر تغيراً جذرياً في مسار أسعار النفط ومعادلة العرض والطلب.
توقع تقرير سوق النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، وهو أحد أهم مصادر البيانات والتوقعات الموثوقة، أن ينمو الطلب في العام 2023 بمقدار 2 مليون برميل يومياً، ليبلغ إجمالي الطلب العالمي رقماً قياسياً قدره حوالي 102 مليون برميل يومياً، بزيادة 1.4 مليون ب/ي عن متوسط عام 2019. وكان الطلب قد سجل تراجعاً ملحوظاً في العام 2022، وخاصة خلال الربع الأخير منه.
ارتفاع الطلب بسبب الصين والسياحة
يرجع انقلاب اتجاه الطلب إلى عوامل عدة أهمها عودة الانتعاش الاقتصادي في الصين بعد إلغاء قيود الإقفال المتعلقة بسياسية “صفر كوفيد”، وتسجيل ارتفاع كبير في الطلب على الوقود الأحفوري خاصة من قبل القطاع الصناعي الذي سجل أعلى معدل للنمو خلال عشر سنوات. وتجمع تقديرات المراقبين على ان الطلب اليومي على النفط في الصين سيصل في العام الحالي إلى 16 مليون برميل وهو أعلى مستوى له على الإطلاق.
وينطبق ارتفاع الطلب في الصين على الهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى التي تسجل معدلات نمو اقتصادي مرتفعة في قطاعاتها الصناعية بعد فتح الحدود وإلغاء القيود. يضاف إلى ذلك الانتعاش الكبير في حركة النقل الجوي والتعافي المطرد في قطاع السياحة والسفر الذي رفع معدلات الاستهلاك في أوروبا وأميركا. حيث يتوقع ان ينمو الطلب على وقود الطائرات بمقدار 1.1 مليون برميل في اليوم ليصل إلى 7.2 مليون ب/ي، وهو رقم يقل بنحو 10 في المئة فقط عن مستويات ما قبل 2019.
… وثبات في الإمدادات
في مقابل النمو المطرد للطلب، يلاحظ استقرار العرض وإمدادات النفط العالمية إلى حد كبير. إذ لم تتجاوز في يناير الماضي عتبية 100.8 مليون برميل يومياً. ما يعني ان هناك فجوة متوقعة تشكل ضغطاً مؤكداً على الأسعار. ولذلك يتوقع ان تتم زيادة الإمددادت تدريجياً لتبلغ الزيادة حوالي 1.2 مليون برميل يوميًا. وترى وكالة الطاقة الدولية أن الدول المنتجة من خارج أوبك مثل أميركا والبرازيل وكندا، ستقود الزيادة في المعروض حيث ستضخ بكامل طاقاتها الانتاجية. كما ستقوم السعودية والإمارات بزيادة انتاجهما نسبياً ما يترك احتياطيًا ضعيفًا للطاقة الاحتياطية لا يتجاوز 3.4 مليون برميل في اليوم تقريبًا.
النفط الروسي المحاصر
أما روسيا فالمرجح ان تسعى لمواصلة الضخ بالطاقة القصوى تقريباً، مع ملاحظة ان العقوبات وفرض سقف لسعر النفط بدأت تؤثر سلباً، حيث انخفض الانتاج بمقدار 160 ألف ب/ي في شهر يناير الماضي عن مستويات ما قبل الحرب. وتقوم روسيا حالياً بشحن 8.2 مليون ي/ي .وصرح نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك في أوائل فبراير عن التوجه لتخفيض الانتاج الإنتاج بمقدار 500 ألف ب/ي في مارس بدلاً من البيع للدول التي تلتزم بسقوف أسعار مجموعة السبع.
ومع إن الإمدادات العالمية قد تتجاوز الطلب بنسبة بسيطة، خلال النصف الأول من العام، لكن وكالة الطاقة الدولية تتوقع ان ينقلب الوضع بسرعة في النصف الثاني، إلى العجز مع تعافي الطلب وتراجع الإنتاج الروسي .
وشكل التراجع المفاجئ لمدير شركة BP، برنارد لوني عن توقعاته السابقة بأن الطلب على النفط لن يعود إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، مؤشراً على التغير الحاصل في السوق. حيث بادرت الشركة التي تعد من أكبر منتجي النفط في العالم، إلى الإعلان عن إعادة ضخ استثمارات ضخمة في النفط والغاز، بعد إعلانها عن خطط طموحة لخفض الانبعاثات.
الأوبك: تركيز على الاستقرار
أما دول الأوبك، فيبدو واضحاً انها مستمرة في انتهاج سياسية طويلة الأمد للحفاظ على استقرار الإمدادات والأسعار، ولن تقدم على تغيير مستويات الإنتاج المستهدفة التي حددتها في أكتوبر الماضي. وقال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن المستويات المستهدفة ستظل ثابتة لبقية العام.
وهو ما عبر عنه بوضوح الرئيس التنفيذي لـ”شيفرون”، مايك ويرث، بقوله إن إمدادات النفط الصخري الأميركي لا يُرجَّح أن يعوّض النقص، ما يجعل “أوبك” هي المنتِج الوحيد القادر على تغطية العجز، ولذلك فإن النصف الثاني من العام سيشهد بداية ارتفاع الأسعار”.
وما يزيد الضغوط على توازن السوق، هو تراجع المخزون العالمي بمقدار 69.8 مليون برميل في ديسمبر، كما انخفضت مخزونات الصناعة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 18.1 مليونًا إلى 2767 مليونا، أي أقل بنحو 95.7 مليوناً عن المستوى القياسي لمتوسط خمس سنوات
واستناداً إلى كل ذلك فإن غالبية المحللين والشركات مثل “غولدمان ساكس” مجموعة “فيتول” يتوقعون ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل في النصف الثاني من العام الجاري. وهو ما أكده الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو” في مطلع شهر مارس الحالي بقوله أن “الطلب من الصين قوي للغاية”.