«هندسات» مصرية لتحرير غاز غزة
تصريح بنيامين نتنياهو المتعلق بالموافقة على تطوير حقل غزة مارين، قد يكون إيذاناً بنجاح جهود مصر لتحرير غاز غزة. وبدء عملية التطوير التي تعرقلها إسرائيل منذ العام 2000. كما قد يكون نسفاً لهذه التفاهمات من خلال تثبيت معادلة “الغاز مقابل الأمن” أو “التسوية مقابل التنمية”.
يتضح ذلك من قول نتنياهو بالنص الحرفي: “في إطار الجهود الحالية بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، ومع التركيز على التنمية الاقتصادية الفلسطينية والحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة، تقرر تطوير حقل غزة للغاز”.
وما لم يشرحه نتنياهو بشأن الربط بين الغاز والتنمية وبين الاستقرار الأمني، تولى شرحه مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي بعد اجتماع شرم الشيخ في مارس الماضي بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين. حيث اشترطت إسرائيل حينذاك قيام حركة حماس بتسليم الأسرى وجثامين القتلى الإسرائيليين. وعبر عن ذلك هنغبي بقوله “يمكننا التحدث ووضع الخطط، ولكن عليهم أن يفهموا، أننا لن نسمح باستخراج الغاز وتطوير البنية التحتية في غزة، قبل “عودة الأولاد”.
تساحي هنغبي: «عليهم أن يفهموا أنه لا غاز ولا تنمية قبل “عودة الأولاد”»
ومع أن حركة حماس كانت مستعدة للبحث في “إعادة الأولاد”، خاصة وأنها كانت “الغائب الحاضر” في المباحثات التي بدأت في العقبة واستكملت في شرم الشيخ. ولكن يبدو أن “مفهوم الأمن” عند إسرائيل يتعدى “الأولاد” ليصل إلى التهدئة الشاملة والتسوية. كما يبدو أيضاً ان “مفهوم التهدئة” يتعدى حركة حماس ليطال حركة الجهاد الإسلامي ومن ورائها إيران. وظهر ذلك من خلال إصرار إسرائيل خلال المحادثات على وقف نهائي للأعمال العسكرية وإطلاق الصواريخ من غزة. ولتصبح المسألة من خرق التهدئة ويعرض الأمن للاهتزاز. عصابات “بن غفير” التي اقتحمت المسجد الأقصى أم الفصائل الفلسطينية التي هبت لنجدته.
مصر “حامية غاز غزة”
وبهذا المعنى فإن بيان مكتب نتنياهو يصح اعتباره رسالة “حمالة أوجه” موجهة أولاً إلى السلطة الفلسطينية ومن ورائها مصر. وثانياً إلى الفصائل الفلسطينية ومن ورائها إيران. وقد يضاف إليهما عنوان ثالث هو “الجبهة الداخلية” لتهيئة الجو “للتنازلات” إذا حان وقتها.
ولتبقى مصر هي المعنية بشكل مباشر بهذه الرسالة. خاصة إذا قررت إسرائيل التنصل من التزاماتها بتسهيل تطوير حقول الغاز في غزة. والسبب ان مصر هي التي حملت لواء “تحرير غاز غزة” منذ العام 2020. وحققت نجاحاً كبيراً في ذلك. وتجسد ذلك في ثلاث مسائل هي؛ الأولى تثبيت ترسيم الحدود البحرية مع قطاع غزة. الثانية، إقرار إسرائيل بعدم وجود أية حقوق لها في غاز بحر فلسطين، باستثناء المكامن المشتركة. وهناك على أي حال حقل مشترك واحد هو “ماري بي”، قامت إسرائيل بتطويره واستخراج كامل احتياطياته وإقفاله. والثالثة، انتزاع موافقة إسرائيل على حق الفلسطينيين باستخدام موارد الغاز وتصدير الفائض بدون أي تدخل اسرائيلي.
“هندسات” طارق الملا: مقايضة تصدير الغاز الإسرائيلي بتطوير حقل غزة وتحويل العائدات مباشرة إلى الفلسطينيين
وتحقق ذلك عبر ثلاث محطات رئيسية هي:
-
الأولى ـ فبراير 2021:
حين تم توقيع ثلاث مذكرات تفاهم واتفاقيات تاريخية، بين مصر وإسرائيل وفلسطين. وشكلت في حينه عملية سياسية وقانونية ونفطية معقدة ومتشابكة. وقام “بهندستها” وزير البترول المصري “المهندس” طارق الملا. وشملت نوعاً من المقايضة بين تصدير غاز حقل ليفياتان، وبين غاز غزة. فتم توقيع اتفاقية لنقل الغاز الإسرائيلي إلى محطات التسييل في مصر لتصديره. وكان ذلك الحل الوحيد الوحيد المتاح أمام إسرائيل لتصدير فائض الغاز. أما الثمن فكان موافقتها على توقيع مذكرتي تفاهم لحماية غاز غزة. الأولى بين مصر و “دولة فلسطين” للتعاون في مجال الطاقة. والثانية بين الجهتين المالكتين لامتياز حقل غاز غزّة، وهما صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتّحاد المقاولين CCC من جهة، وشركة “إيجاس” المملوكة للحكومة المصرية من جهة أخرى. وتنصّ المذكرة على أن تتولّى شركة “إيجاس” تطوير الحقل وتزويد “دولة فلسطين” بحاجتها من الغاز، وتصدير الكمية الفائضة وتحويل العوائد المالية مباشرة إلى الفلسطينيين.
-
الثانية ـ أكتوبر 2022:
- حين تم التوقيع على “اتفاق إطار” لتسوية النزاع على حقول الغاز في بحر غزّة. وكان هذا الاتفاق مجرد تأكيد وتثبيت لما ورد في مذكرتي التفاهم. ولكن مع فارق مهم وهو إضفاء القوة القانونية لصيغة الاتفاق بدل مذكرة التفاهم. وكذلك إضفاء الطابع الدولي على الاتفاق باعتبار فلسطين دولة عضو في منتدى غاز شرق المتوسط، كما قال الوزير طارق الملا. وجاء ذلك متزامنا مع توقيع إسرائيل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ما يعني تزايد حاجتها لتصدير غاز حقول كاريش عبر مصر.
-
الثالثة ـ شتاء 2023:
- الذي شهد سلسلة من الاجتماعات بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين بحضور مصر ورعايتها، في العقبة ومن ثم في شرم الشيخ. وتناولت المباحثات تفاصيل بدء عمليات تطوير حقل غزة، كما تناولت سبل تصديره إما بإنشاء خط أنابيب لنقله إلى مصر، أو باستخدام خط عسقلان العريش.
وليبقى السؤال هل يكون بيان مكتب نتانياهو، إيذانا ببدء تحرير غاز غزة، أم حلقة جديدة في سلسلة تعطيل استغلاله.