منعطف نفطي ـ جيوسياسي: نفط الصومال بين تركيا وأميركا بحماية الجيش التركي
>
- تركيا تعلن بدء استغلال نفط الصومال، ويتولى الجيش التركي حماية سفن الحفر. ويتزامن ذلك مع حصول شركتين أميركيتين على رخص للتنقيب. كما يتزامن مع وساطة تقودها تركيا بين أثيوبيا والصومال لتجنب نشوب حرب بسبب أزمة المنفذ البحري في ميناء بربرة
- تعزيز الوجود العسكري والاقتصادي التركي في أفريقيا، بدعم من أميركا وحلف الناتو وبالتنسيق والتوافق مع مصر والسعودية والإمارات، لمواجهة محور إيران روسيا ومنافسة الصين.
هل يشكل بدء التنقيب التركي والأميركي عن نفط الصومال منعطفاً في مسار التطورات والتغيرات في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. وذلك على مستويين: الأول نفطي واقتصادي. والثاني عسكري وجيوسياسي.
اولاً: تعزيز الوجود الاقتصادي في أفريقيا
يأتي الإعلان التركي والانفتاح على الصومال، في إطار انفتاح شامل على دول أفريقيا وبقية دول المنطقة. وذلك في إطار السياسة الخارجية الجديدة (تصفير المشاكل) والتي حلت محل السياسة الصدامية التي اعتمدت بعد 2011. ويشمل هذا الانفتاح مختلف مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد والتجارة والاستثمار في قطاعات التعدين والطاقة. ويلاحظ في هذا السياق، الزيارة بالغة الدلالة لوفد برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان إلى النيجر بعد الانقلاب. تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات والصفقات في مجالات اليورانيوم والذهب والنفط. ما يعني دخول تركيا ميدان المنافسة المباشرة مع الصين وروسيا. وطبعاً بدعم غير معلن من قبل أميركا.
ولاختصار الشرح، نشير إلى أن تركيا ترتبط بعلاقات اقتصادية متينة مع غالبية الدول الأفريقية. وقد بلغت الصادرات التركية إلى هذه الدول في العام 2023 حوالي 29 مليار دولار.
سفن الحفر بحماية البوارج
على هذه الخلفية الاقتصادية تم في شهر مارس الماضي، توقيع اتفاقية بين تركيا والصومال لتطوير التعاون في مجالات الهيدروكربون في المناطق البحرية والبرية. وعلى خلفية التطورات المتسارعة في عموم الإقليم، تم تسريع التنفيذ. ليقوم وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار بعد أقل من خمسة أشهر، بالإعلان أن سفينة التنقيب «أروج رئيس» ستبدأ عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية الصومالية في شهر سبتمبر المقبل.
ولتبقى الخلفية الجيوسياسية للإعلان هي الأهم. والتي تمثلت بقول الوزير بيرقدار بلغة دبلوماسية: ان سفينة التنقيب سترافقها «سفن الدعم اللازمة». والترجمة غير الدبلوماسية لهذا التعبير هو «السفن الحربية والبوارج». وتجسد ذلك بطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من البرلمان الموافقة الفورية على نشر قوات من الجيش التركي على سواحل الصومال لمدة عامين.
نفط الصومال: ثروة ضخمة غير مستغلة
معروف أن الصومال يمتلك ثروة ضخمة من موارد النفط والغاز. إذ تشير تقديرات نشرتها إدارة التجارة الدولية في يناير 2024 إلى أن احتياطيات النفط في المياه البحرية فقط تبلغ حوالي 30 مليار برميل. وهناك تقديرات غير مثبتة أن احتياطيات الصومال تبلغ حوالي 110 مليارات برميل من النفط وحوالي 450 مليار قدم مكعب من الغاز. ما يضعها في طليعة الدول من حيث احتياطيات النفط والغاز.
أما تكاليف المرحلة الأولى من عمليات التنقيب التي تستغرق بين 3 و 5 سنوات، فتقدر بحوالي 500 مليون دولار. ويبدو أن تركيا مستعدة لتحمل هذا العبئ المالي. لأن المردود المتوقع سيغطي، بأسوأ الاحتمالات، التكاليف ويؤمن لها مصدراً مستقراً من النفط. وتسعى تركيا منذ فترة طويلة إلى تقليل اعتمادها على واردات الطاقة من روسيا وإيران. ونجحت خلال الأشهر الماضية بزيادة الواردات من الولايات المتحدة والجزائر ومصر وأذربيجان.
نفط وعسكر وسياسة بدعم أميركي
يبقى التطور الأكثر دلالة هو أن الشركات التركية ستنقب عن نفط الصومال جنباً إلى جنب مع شركتين أميركيتين صغيرتين نسبياً، هما “كوستلاين إكسبلوريشن” و “ليبرتي بتروليوم”. وقد حصلتا مؤخراً على رخص للاستكشاف والإنتاج بموجب قانون الاستثمار الجديد. وجاء ذلك بعد خروج شركات النفط الدولية الكبرى مثل شيفرون وإيني وإكسون موبيل وشل بسبب الأوضاع السياسية والأمنية.
إقرأ أيضا: إثيوبيا ـ أرض الصومال: حروب ودويلات أم تسويات واستثمارات ( 1 من 2 )
لا شك أن عمل شركات النفط الأميركية إلى جانب الشركات التركية بحماية الجيش التركي، يعتبر مؤشراً مهماً على الدور العسكري والسياسي لتركيا في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. لكنه يبقى مجرد مظهر لمؤشر آخر أكثر أهمية. وهو العلاقة التي تتعمق يوماً بعد آخر بين تركيا والولايات المتحدة. ويرى تقرير لمعهد واشنطن أن هناك توجهاً واضحاً لترسيخ علاقة تركيا مع حلف الناتو عموماً ومع أميركا تحديداً. ويضيف أن: أميركا باتت تفضل الاعتماد على القوى الإقليمية لتأمين الاستقرار. مع توفير الدعم السياسي لها وحتى العسكري إذا لزم الأمر. كما أن هذا الدور يحظى بالقبول والتنسيق مع دول رئيسية في المنطقة مثل مصر والسعودية ودولة الإمارات.
شرعنة الوجود العسكري
سارعت تركيا بعد توقيع الاتفاقية المتعلقة بنفط الصومال، إلى «شرعنة» وجودها العسكري في الصومال من خلال اتفاقية تم توقيعها في فبراير الماضي مع الحكومة الصومالية. وتهدف إلى تعزيز التعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين. وتتضمن طلباً صريحاً من الصومال للحصول على دعم القوات المسلحة التركية لمكافحة الإرهاب، والقرصنة البحرية، وجميع التهديدات الأخرى. وكانت تركيا قد أنشأت في العام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في مقديشو.
كما قامت الشركات العسكرية التركية ببيع معدات وطائرات بدون طيار للصومال ولـ 11 دولة أفريقية. وخاصة شركة “بايكار” Baykar التي يديرها صهر الرئيس أردوغان، سلجوق بيرقدار. والتي سمحت بتوجيه ضربات مؤثرة لحركة الشباب الإسلامية كما قال وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور. وهو بالمناسبة خريج جامعة أنقرة ويتحدت اللغة التركية بطلاقة.
وساطة لحل النزاعات بدعم أميركي أيضاً
هناك تطور آخر قد يكون أكثر دلالة من النفط والوجود العسكري، على دور تركيا. وهو يتعلق بدور الوساطة لحل النزاعات وترسيخ الاستقرار. مستفيدة في ذلك من ارتباطها بعلاقات جيدة وشراكات استراتيجية مع مختلف الأطراف. ومن أبرز التجارب في هذا السياق توسطها لحل النزاع الخطير بين الصومال وإثيوبيا. الذي نجم عن الاتفاقية التي وقعتها إثيوبيا مع «أرض الصومال» للحصول على منفذ بحري في ميناء بربرة، مطلع العام الحالي.
إقرأ أيضا: إثيوبيا ـ أرض الصومال: بين «بنادق» النفوذ و «أكتاف» الحماية (2 من 2)
إذ تقود تركيا بدعم أميركا ومصر، جهوداً حثيثة لتسوية الخلاف بين أديس أبابا ومقديشو. حيث استضافت أنقرة مطلع شهر يوليو الماضي الجولة الثانية من المفاوضات بمشاركة وزراء خارجية الدول الثلاثة. على أن تعقد الجولة الثالثة مطلع سبتمبر 2024 في أنقرة أيضاً. وجاءت الوساطة التركية بعد الرد العنيف من الصومال ومصر والتهديد العلني بشن حرب لإلغاء الاتفاقية.
وتحظى جهود الوساطة التركية بدعم ومباركة كل من أميركا ومصر والسعودية ودولة الإمارات التي لديها مصالح كبرى في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. وقد تسعى تركيا في حال نجاحها بتسوية أزمة ميناء بربرة، إلى تطبيق هذا النموذج في أزمات أخرى. ومن بينها على سبيل المثال، الأزمات المتعلقة بإريتريا وجيبوتي والوضع الملتبس لإقليم أرض الصومال. بما يعزز موقف المحور الغربي في الصراع مع روسيا وإيران، وفي المنافسة مع الصين.