; إنقلاب النيجر: روسيا «جندي في الجيش الصيني» - طاقة الشرق TAQAMENA

إنقلاب النيجر: روسيا «جندي في الجيش الصيني»

  • هل يشكل إنقلاب النيجر، مؤشرا على فصل جديد لتوسع الصين في أفريقيا. وليشكل حل الأزمة نموذجاً لتقاطع مصالحها مع أميركا، ولتقاسم النفوذ معها على حساب فرنسا وروسيا؟
  • هل يمكن القول بناء على ذلك، أن قوات فاغنر ومن ورائها روسيا باتت عملياً، في خدمة المشروع الصيني للتوسع. خاصة وأن السيطرة على النيجر هي بمثابة “فيل” سياسي لا قدرة لروسيا على هضمه؟

لنبدأ بالسؤال الثاني، الذي تحمل الإجابة عليه، معطيات الإجابة على السؤال الأول.

ما يبرر السؤال هو أن روسيا ليست في موقع سياسي وعسكري واقتصادي، يؤهلها لشن هجوم كبير بحجم إخراج فرنسا وأميركا والغرب عموماً من آخر معاقله في دول الساحل الأفريقي. خاصة وأنها غير موجودة عملياً في النيجر. في حين أن الصين هي التي تمتلك وجوداً تجارياً واستثمارياً، وعسكرياً أيضاً. إلا إذا شئنا التصديق أن فاغنر وروسيا أصبحتا على حين غرة “حلف وارسو” أو الجيش الأحمر . وبات بإمكانهما تغيير معادلات الجغرافيا السياسية.

في المقابل، تعتبر النيجر مستعمرة فرنسية بكل معنى الكلمة. وذلك على الرغم من وجود قوات أميركية لمحاربة التنظيمات المتشددة. وتواجد صيني اقتصادي واستثماري، لا يزال متعثراً ومعطلاً بقرار فرنسي. مع ملاحظة تصاعد نقمة شعب النيجر على فرنسا في السنوات الأخيرة. والسبب هو تشديد قبضتها بعد خسارتها لموقعها التاريخي في مالي وبوركينا فاسو. وإمعانها في استغلال موارد البلاد وخاصة اليورانيوم بدون تنفيذ أي مشروع إنمائي. حتى ولو محطة لتوليد الكهرباء التي يتم إستجرارها من نيجيريا. وترافق ذلك مع اشتداد الصراع السياسي على أفريقيا ومواردها، بين الدول الغربية وبين الصين من جهة. وبين أميركا والدول الأوروبية وخاصة أميركا وفرنسا من جهة أخرى.

الأزمة بين احتمالين: إما حرب بأدوات أفريقية. وإما صفقة بين الصين وأميركا لتقاسم النفوذ على حساب فرنسا وروسيا

وهذه المعطيات تطرح تساؤلاً مهماً وهو من له مصلحة في تغيير نظام الحكم والأوضاع القائمة في النيجر.

إنقلاب النيجر: موقف أميركي ملتبس

الإلتباس هو أقل ما يوصف به الموقف الأميركي من إنقلاب النيجر. فالإدارة الأميركية لم تصنف ما حدث بأنه “إنقلاب عسكري”، إلا بعد تصاعد ضغوط الكونغرس، وعدم اقتناعه بتبريراتها بأن التصنيف يترتب عليه بموجب القانون الأميركي قطع العلاقات ووقف المساعدات الخ… وفي المقابل اتسم الموقف الفرنسي بعنف غير مسبوق. وقد لخصه الرئيس ماكرون بالقول “ان باريس سترد دون هوادة على أي تعرض لمصالحها في النيجر”. مشدداً على ان “التدخل العسكري سيكون أكثر عنفاً مما كان مع البلدان الأفريقية الأخرى”.

وذلك يسمح بالقول أن إدارة بايدن  ما تزال في وارد التعامل مع الأمر الواقع. أو التريث في إدارة الأزمة. ريما لاستطلاع إمكانية ترتيب صفقة ما تحفظ مصالح الأطراف المعنية أي أميركا والصين وفرنسا على قاعدة القوة الفعلية لكل منها. وربما تعطى روسيا حصة تعادل عدد الأعلام الروسية التي رفعت في التظاهرات المؤيدة للإنقلاب.

الصين هي اللاعب الرئيسي

جاء الرد الصيني علإ إنقلاب النيجر من “قماشة” الرد الأميركي. فدعت وزارة الخارجية الصينية “الأطراف المعنية إلى العمل لمصلحة البلاد وشعبها وحل الخلافات سلمياً بالحوار”. ما يوحي بوجود تقاطع مستتر للمصالح بين أميركا والصين يقضي بإيجاد تسوية ما تحفظ الاستقرار في النيجر.

روسيا ليست في موقع عسكري وسياسي يؤهلها لتوجيه ضربة بحجم إخراج الغرب من آخر معاقله في الساحل الأفريقي

ولتوضيح الصورة، نشير إلى أن الصين، وليس روسيا، هي من يمتلك وجوداً مباشراً وقوياً في النيجر. وهي بالتالي الشريك في مسار التطورات. ويتمثل هذا الوجود في ما يلي:

  • قوات عسكرية أو شبه عسكرية، لا يعرف حجمها بالطبع. ولكنها تتولى وبشكل علني حماية مشاريع النفط والتعدين. وشهد العام الماضي، نشر حوالي 700 جندي من هذه القوات لحماية أعمال بناء خط لأنابيب النفط.
  • تتنافس الصين مع فرنسا على المرتبة الأولى في التبادل التجاري مع النيجر. وبلغت قيمة الصادرات الصينية حوالي 935 مليون دولار في العام 2022.
  • فازت شركة البترول الوطنية الصينية بامتياز حقل نفط “أغاديم” Agadem في العام 2008. وقامت بحفر 166 بئراً. ولكن عمليات الاستغلال لا تزال معطلة. علماً ان الشركة باشرت في العام 2019، ببناء خط للأنابيب بطول 2000 كم، لنقل الانتاج إلى دولة بنين. وأعلنت الشركة مؤخراً عن توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة البترول في النيجر لاستغلال العديد من المناطق النفطية.
  • تمتلك الشركة النووية الوطنية الصينية CNNC، امتياز استغلال منجم لليورانيوم، منذ العام 2007. ولكن لم تتمكن من البدء باستغلاله لأسباب مالية كما تقول النيجر وفرنسا. ولأسباب إدارية وأمنية واعتداءات على العمال كما تقول الشركة الصينية. وكان آخرها في العام 2021، حين تم اختطاف بعض العمال الصينيين.
  • مشاريع متنوعة في مجالات بناء المنازل والمستشفيات والجسور الخ…

ولا بد من التذكير هنا، بالاتفاقيات التي تم توقيعها في شهر إبريل الماضي، على هامش منتدى الاستثمار بين الصين والنيجر. وتتضمن إطلاق مشاريع ضخمة في قطاعات التعدين والعقار والبنية التحتية، وإنشاء منطقة صناعية.

الصين وليس روسيا، من يمتلك وجوداً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في النيجر، وهي بالتالي الطرف المعني بالأزمة وبوضع الحلول لها

«انشطار نووي» بين فرنسا والصين

معروف ان النيجر تعتبر سادس منتج لليورانيوم في العالم. ولكن الأهم أنها تمتلك مخزوناً ضخماً غير مستغل وغير مكتشف. وتسيطر فرنسا من خلال شركة “أورانو” Orano على تعدين اليورانيوم منذ العام 1970. ويوفر يورانيوم النيجر نحو 40 في المئة من احتياجات فرنسا لتوليد الكهرباء. كما يوفر حوالي 25 في المئة من كهرباء التدفئة لأوروبا. وتمكنت فرنسا طوال العقود الماضية من منع وعرقلة محاولات كل الدول للمشاركة في تعدين اليورانيوم، بما فيها الصين.

وعليه يصح القول أن الصين هي صاحبة مصلحة مباشرة في تغيير الوضع القائم في النيجر، بما يكفل تنفيذ مشاريع النفط واليورانيوم المتعثرة أو المعطلة. ولكن بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى حرب واضطرابات تطيح بهذه المشاريع.

يوارنيوم النيجر «محرم» على روسيا

لتبيان عدم دقة الحديث عن دور روسي في النيجر، نشير إلى أن لا فرنسا وأوروبا ولا أميركا و

منجم اليوارنيوم الصيني في النيجر

لا الصين يمكنها تقبل فكرة اقتراب روسيا من اليورانيوم في النيجر. والسبب أن روسيا تسيطر بشكل مباشر وغير مباشر على حوالي 55 في المئة من الانتاج العالمي من اليورانيوم الخام. فهي تمتلك حوالي 7 في المئة. كما تتحكم بإنتاج وطرق إمداد اليورانيوم في كازاخستان وأوزبكستان اللتين تمتلكان نحو 50 في المئة من الإنتاج العالمي. كما أن عملاق اليورانيوم الروسي شركة “روس أتوم” تمتلك حصصاً مؤثرة في مناجم اليورانيوم في كندا وأميركا و كازاخستان، ما يجعلها ثاني أكبر منتج لليورانيوم في العالم.

إقرأ أيضاً: هل تنجح مجموعة السبع بوقف ارتهان توليد الكهرباء للوقود النووي الروسي

أما الأخطر فهو سيطرة روسيا شبه المطلقة على صناعة وتجارة الوقود النووي لتشغيل محطات توليد الكهرباء في العالم. ويشمل ذلك الولايات المتحدة نفسها. إذ تستحوذ روسيا على حوالي 25 في المئة من اليورانيوم المخصب المستخدم لتشغيل المفاعلات النووية التجارية الأميركية وعددها حوالي 96 مفاعلاً. وهو ما عبر عن خطورته في 13 يونيو الماضي، تقرير لمركز سياسة الطاقة بجامعة كولومبيا بالقول “إن روسيا يمكنها إقفال المفاعلات النووية الأميركية بقرار بسيط من شركة (روس أتوم)”. أما وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم فاعتبرت أن اعتماد الولايات المتحدة على الواردات الروسية “نقطة ضعف للأمن القومي والاقتصادي“.

ويجدر التذكير أن قيام روسيا بقطع أو تقليص إمدادات الغاز إلى أوروبا، جعلها في وضع المصدر غير الموثوق. وشكل مصدر قلق وخطر محدق بالنسبة لأميركا وأوروبا وللصين أيضاً. وذلك ما يفسر حرص الصين على عدم الارتهان للغاز الروسي، ورفضها المتكرر لطلب روسيا بناء خط جديد لنقل الغاز عبر منغوليا.

يورانيوم النيجر «محرم»  على روسيا من قبل أميركا وأوروبا والصين أيضاً، لأنها تسيطر على حوالي 55% من الإنتاج العالمي

 

التطورات المحتملة بعد إنقلاب النيجر 

وعند هذا الحد يمكن القول أن مسرح تطور الأحداث في النيجر، يتم تحضيره لأحد احتمالين.

الأول: مواجهة عسكرية مفتوحة ولكن بأدوات أفريقية. طرفها الأول النيجر بقيادة السلطة العسكرية الجديدة. وبدعم مباشر من السلطات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا ومن ورائها روسيا والصين. وقد أعلنت هذه الدول صراحة “إن أي تدخل عسكري في النيجر سيكون بمثابة إعلان حرب علينا”. أما طرفها الثاني فهو التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا الذي أمهل ” قادة إنقلاب النيجر مهلة زمنية قصيرة لإعادة الحياة الدستورية، قبل إستخدام القوة لإعادتها”. وتحظى هذه الدول بدعم مباشر من فرنسا وأميركا.

الثاني: حصول الصفقة الموعودة بين الصين وأميركا لتقاسم النفوذ على حساب فرنسا وروسيا. وعلى ترسيخ الاستقرار في النيجر. وعندها لن يكون مهماً «الإخراج المسرحي» سواء أخذ شكل تسوية مباشرة. أم حرب خاطفة لإنضاج تلك التسوية. كما لن تكون مهمة طبيعة النظام في النيجر سواء انتصرت الديمقراطية وتمت إعادة الرئيس بازوم إلى الحكم. أو تم تثبيت السلطة العسكرية.

لكن إذا تمت تلك الصفقة، فالمرجح ان تشكل النيجر نموذجاً يتم تعميمه على دول أفريقية أخرى وربما على بقية مناطق النزاع في المنطقة. ولتصبح فاغنر وروسيا من ورائها “جندي في جيش شي جينغ بينغ”. بما يعزز أوراق قوته الاقتصادية والاستثمارية، بإضافة ورقة القوة العسكرية على الأرض. ولتصح مقولة ان حرب أوكرانيا حولت روسيا من دولة عظمى إلى مجرد قوة إقليمية ملحقة بالصين.

زر الذهاب إلى الأعلى