معادلة «السوق السوداء» للنفط: وفرة الإمدادات بأقل الأسعار

تثبت الأيام صعوبة بل استحالة نجاح العقوبات على النفط الروسي والإيراني لسببين: الأول عدم جدية الدول المعاقِبة في التنفيذ. والثاني جدية الدول المعاقَبة بتعطيل التنفيذ. ما يرسخ بالمحصلة المعادلة المرتجاة من «السوق السوداء للنفط»، وهي وفرة الإمدادات بأقل الأسعار. وآخر تجليات هذه المعادلة كانت ارتفاع صادرات إيران خلال فبراير الحالي، إلى رقم قياسي جديد، بعد دفعة العقوبات الأميركية «المشددة جداً» في شهر يناير. وينطبق ذلك على النفط الروسي، المرشح للخروج من دائرة العقوبات قريباً بعد نجاح المفاوضات لإنهاء حرب أوكرانيا. ولتثبت الأيام أيضاً دقة وصوابية تحليلات وقرارات تحالف «أوبك بلس» بعدم زيادة الإنتاج.
لا أحبذ فرض العقوبات
لعل أبلغ تلخيص لملابسات العقوبات الأميركية وللهدف المضمر منها، هو كلام الرئيس حين وقع مطلع فبراير الجاري، المذكرة الرئاسية لإعادة تطبيق إجراءات «الضغوط القصوى» على النفط الإيراني. والتي تستهدف «تخفيض صادرات إيران النفطية، وحتى وقفها تماماً». ولكن الرئيس أعلن وهو يمسك القلم أن «الجميع يرغب بأن أوقع المذكرة، ولذلك سأوقعها، مع أنني متردد ولست راضياً. لأنني لا أريد التسبب في اضطراب تدفقات النفط في نهاية المطاف وختم قائلاً: «أرجو ألا نضطر إلى استخدامها».
إقرأ أيضاً: غسيل النفط الروسي: «مصابغ» صينية و«سفن أشباح» إيرانية (1 من 2)
وليس وحده «اللبيب من الإشارة يفهم»، بل إيران والصين أيضاً. فقد أشارت شركة الاستخبارات السوقية «كيبلر» Kpler، إلى أن صادرات النفط الإيراني إلى الصين ستقفز إلى حوالي 1.74 مليون برميل يومياً في شهر فبراير الجاري. وهو رقم قياسي تسجله صادرات إيران التي حافظت على الإنتاج النفطي بالطاقة القصوى تقريياً طوال السنوات الأربعة الماضية.
وكان ملفتاً أن يسجل إنتاج النفط الإيراني في ظل العقوبات الممتدة، أعلى مستوى تقريباً منذ 40 عاماً. إذ بلغ خلال العام الماضي حوالي 4.5 مليون برميل يومياً ما يجعله ثالث أعلى مستوى منذ العام 1978. ومعروف أن إيران لا تصدر النفط الخام فقط الخاضع للعقوبات. بل تقوم بتصدير المنتجات النفطية مثل المكثفات وسوائل الغاز للإفلات من العقوبات بسهولة أكبر.
وينطبق ذلك على إنتاج وتصدير النفط الروسي الذي تراجع قليلاً، ليس تأثراً بالعقوبات، بل إلتزاماً بمقررات تحالف «أوبك بلس» المتعلقة بحصص الإنتاج. والمستغرب أن روسيا تمكنت من مواصلة استخدام أسطول الظل وحتى الناقلات الخاضعة للعقوبات لتصدير نفطها. ويؤكد ذلك تقرير لوكالة الطاقة الدولية الذي ذكر أن المعدل اليومي للصادرات الروسية بواسطة الناقلات المدرجة على القائمة السوداء، بلغ العام الماضي حوالي 1.5 مليون برميل يومياً.
التصدير بأعلى المعدلات رغم العقوبات
لاختصار الشرح، نشير إلى أن الدول الثلاثة الخاضعة للعقوبات أي روسيا وإيران وفنزويلا، تنتج حوالي 16 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات النفطية. وبافتراض أن هذه الدول تبيع إنتاجها بخصم يبلغ 20 في المئة تقريباً، فإن ذلك يعادل حوالي 1 مليار دولار يومياً. ويوضح الجدول المرفق أن روسيا وإيران صدرتا خلال العام 2024 حوالي 6.5 مليون برميل يومياً من النفط، أي ما يعادل نحو 23 في المئة من إجمالي صادرات أكبر 10 مصدرة للنفط.

وذلك ما يؤكد الاستنتاج أن العقوبات تستهدف تخفيض أسعار النفط وليس منع تصديره ليشكل ضغطاً سياسياً فعلياً على الدول الخاضعة لتلك العقوبات. وأقصى من يمكن أن تحققه العقوبات، هو جعل تهريب النفط أكثر صعوبة. ما يجبر الدول المعاقبة على منح حسومات أكبر لإيجاد المشترين. إضافة إلى تحميلها تكاليف أعلى للشحن والتأمين ولاستبدال «سفن الأشباح» او سفن الظل الخاضعة للعقوبات.
الشحن وأسطول الظل
ركزت العقوبات على السفن التي تنقل النفط الروسي والإيراني. وأدت الدفعة الأخيرة التي فرضتها الإدارة السابقة قبيل انتهاء ولايتها على 161 ناقلة روسية، إلى ارتفاع تكلفة الشحن إلى الهند مثلاً بين 10 إلى 13 دولاراً للبرميل، وفق بيانات شركة “آرغوس”. ولتقترب بذلك من المستوى القياسي الذي بلغته عقب فرض العقوبات على روسيا، وقدره حوالي 20 دولاراً للبرميل.
وهناك عدد من المراقبين يشككون في دقة هذه الزيادة ويعتبرونها نوعاً من التحايل لجعل الأسعار النهائية للشحنات الروسية تبدو عند مستوى 60 دولاراً للبرميل أو أقل. وهو السقف الذي حددته العقوبات الغربية لشراء النفط الروسي. ما يعني عملياً إن تلك الشحنات تصبح مؤهلة لاستخدام الناقلات الشرعية الغربية، وكذلك خدمات التأمين.
إقرأ أيضا: واردات الصين من النفط الروسي والإيراني: أرقام قياسية بموافقة أميركا!
ومع أنه يصعب إثبات حدوث تضخيم متعمد لأسعار الشحن، لكن حدوث نقص كبير في أسطول الظل يدفع منطقياً إلى ارتفاع الأسعار. وذلك ما حدث فعلاً، إذ شملت العقوبات نسبة كبيرة من أسطول الظل الروسي والإيراني المقدر بحوالي 1100 سفينة. إذ وصلت النسبة إلى حوالي 40 في المئة من الأسطول الروسي ونحو 60 في المئة من الأسطول الإيراني.
ويخلق ذلك مشكلة حقيقية لروسيا وإيران في إيجاد السفن اللازمة. ولكن يتم التغلب عليها عادة بابتكار وسائل جديدة للالتفاف على العقوبات. إضافة إلى زيادة الحسومات والقبول بزيادة تكاليف الشحن بما يضاعف أرباح المشترين والشركات ويبرر المخاطرة. وليتحقق بذلك الهدف النهائي للعقوبات أي استمرار تدفق النفط إلى الأسواق بأقل الأسعار الممكنة، ما يسهم بتخفيض العائدات المالية التي تدخل الخزينة الروسية والإيرانية.