; طاقة الاندماج النووي: عسكرة واستخدام مزدوج (3 من 5) - طاقة الشرق TAQAMENA

طاقة الاندماج النووي: عسكرة واستخدام مزدوج (3 من 5)

تثير الانجازات التكنولوجية المذهلة التي يتوالى تحقيقها لتسخير قوة الاندماج النووي في توليد الكهرباء، والتي تعادل في حال تطبيقها أربعة أضعاف الطاقة الناتجة عن المفاعلات النووية الانشطارية، سؤالاً كبيراً حول إمكانية توظيفها لأغراض عسكرية؟

الجواب هو قطعاً نعم، ويتم ذلك بطريقتين: الأولى وهي الأقل استخداماً حتى الآن، وتتمثل بما يعرف بالقنبلة الهيدروجينية، التي تنجم عن الاندماج بين نظائر الهيدورجين. وتم تطوير هذا المفهوم من قبل العالم الأميركي المجري الأصل إدوارد تيللر. وجرى تفجير أول قنبلة هيدروجينية في العام 1951، التي فاقت قوة تفجيرها ملايين الأطنان من مادة T.N.T . ولأن انفجارها يحتاج إلى تفجير قنبلة ذرية لتوفير الحرارة والضغط اللازمين لحدوث تفاعل الاندماج، فلم تحظ بحماس كبير، لعدم الحاجة إليها طالما ان القنبلة الذرية تكفي لإحداث التدمير المطلوب، وليبقى تصنيعها واستخدامها ممكن عند الحاجة.

أقرأ: طاقة الاندماج النووي: سباق أميركي صيني على «صناعة الشمس» 

أما الطريقة الثانية وهي الأهم، فتتعلق باستخدام الاندماج النووي لاختبار مخزون الأسلحة النووية. إذ توفر البيانات المستقاة من اختبارات الاندماج على مخزون القنابل الذرية صورة كاملة عن القوة الفعلية لانفجار اي منها، ما يخلق بالتالي طريقة مأمونة لقياس فعالية هذا المخزون بدون الحاجة إلى إجراء اختبارات التفجير النووي.

استخدام الاندماج لقياس فعالية وصلاحية القنابل النووية بدون الحاجة لاختبارات التفجير 

وبالنسبة لأميركا مثلاً، فقد رجح تقرير لوكالة بلومبرغ أن يكون الجيش هو الرابح الفوري من الإنجاز الذي حققه مختبر لورانس ليفرمور في 5 ديسمبر 2022. علماً ان وزارة الطاقة وليس وزارة الدفاع، هي التي تدير برنامجاً قيمته تريليون دولار لفحص الأسلحة النووية وتحديثها. حيث “يعتبر مختبر ليفرمور ومنشأة الإشعال الوطنية من أبرز مراكز أبحاث الأسلحة النووية التابعة لوزارة الطاقة” كما ذكر تقرير الوكالة. ويشار هنا إلى الهدف الرئيسي من إنشاء هذا المختبر هو إجراء اختبارات الاندماج على الأسلحة النووية لقياس صلاحيتها. وهو ما يفسر عدم قيام الولايات المتحدة بأي تجارب نووية منذ ثلاثة عقود.

إقرأ: طاقة الاندماج النووي: فورة استثمارات خاصة تعجل “موسم الحصاد” 

ولاختصار التحليل والاستدلال، فذلك ما قالته حرفياً وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم، في معرض تعليقهاعلى إنجاز 5 ديسمبر، إذ اعتبرت “أنه سيؤدي إلى المساهمة في إيجاد حل لتوفير الطاقة النظيفة، وكذلك للحفاظ على الردع النووي”. أما مارفن آدامز نائب رئيس إدارة برامج الدفاع في الإدارة الوطنية للأمن النووي فكان أكثر شفافية فقال أن: “الاندماج هو عملية أساسية في الأسلحة النووية الحديثة وهذا الإنجاز سيعزز أمننا القومي. لأنه سيؤدي إلى الحفاظ على الثقة في قوة الردع لدينا بدون الحاجة لإجراء اختبارات التفجير”.

وما ينطبق على أميركا ينطبق على كل الدول النووية، ولكن لتبقى الصين هي المنافس العنيد للولايات المتحدة، في مجال الاستخدامات العسكرية للاندماج النووي بشكل مباشر، أو من خلال الاستخدام المزدوج العسكري والمدني.

(الآلة  Z): “ثقب أسود” من صنع البشر

آلة زد في مختبرات سانديا الأميركية

ولتكتمل صورة الاستخدامات العسكرية للاندماج لا بد من الإشارة السريعة إلى الآلة الجهنمية المعروفة بـ “آلة زد” Z Machine  التي يمكنها إنتاج طاقة تعادل الطاقة الناجمة عن انفجار “نجم قزم” ، أو ستة أضعاف كمية الطاقة التي ينتجها العالم بأسره ولكن لمدة تقاس بالنانو ثانية. ويشبه بعض العلماء هذه الطاقة بـ “ثقب أسود” من صنع البشر. وقد صممت أساساً لقياس قوة واستدامة صلاحية الأسلحة النووية دون الحاجة إلى أي تفجير، بل يتم الأمر من خلال محاكاة ظروف انفجار القنبلة النووية ولكن في المختبر، ما يعني أن الدول النووية تبقى مطمئنة أن مخزوناتها النووية صالحة للاستخدام إذا دعت الحاجة.

شركة ENN الصينية ومنشأة الإشعال الأميركية تجسدان الاستخدام المزدوج العسكري والمدني للاندماج النووي 

وكانت أميركا اول دولة تطور هذه الآلة في مختبرات سانديا الوطنية في ستينات القرن الماضي، كجزء من برنامج الإشراف على مخزون الأسلحة النووية. وتعمل “آلة زد” عن طريق إطلاق نبضات كهربائية قوية تقارب 20 مليون أمبير ولمدة لا تتجاوز 100 نانو ثانية لكل نبضة، توجه إلى هدف صغير مكون من مئات أسلاك التنغستن قطر كل منها اقل بعشرة أضعاف عن شعرة الإنسان. ما يؤدي إلى تفجير التنغستن وخلق درجات حرارة تصل إلى 50 مليون درجة مئوية. وينجم عن ذلك إشعاع مكثف معظمه من الأشعة السينية، ويخلق ظروفًا تحاكي بدقة عالية حدوث الانفجار النووي الحقيقي.

آلة Z الصينية

Machine Z الصينية

تعتبر “Sandia’s Z” الأميركية أقوى مصدر إشعاع معملي وأكثرها كفاءة في العالم، ولكن ذلك سيتغير مع دخول الصين حلبة السباق النووي بإعلان الأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية المعنية بتطوير الأسلحة النووية، بناء “Z Machine” صينية، أكبر واكثر دقة من الآلة الأميركية. وقد صممت الآلة الصينية “لإنتاج حوالي 60 مليون جول من الطاقة في لحظة أي اكثر بحوالي 22 ضعف الطاقة المتولدة في مختبرات سانديا الأميركية (2.7 مليون جول). وتباهى أحد العلماء الصينيين بذلك قائلاً: “يمكننا تسخين الهدف إلى أكثر من 100 مليون درجة مئوية، وستبدو “آلة Z” الأميركيية مجرد قزم أمام “آلة  “Z” الصينية. وذكرت الصحيفة الرسمية لرابطة الشبيبة الشيوعية: ” أصبح شعار التغلب على الولايات المتحدة في تطوير الآسلحة النووية شعارا ثابتاً للعلماء والمهندسين العاملين في مرافق الأبحاث عالية السرية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى