الطاقة الشمسية المنزلية: تراجع حاد وإفلاس مئات الشركات بسبب انتهاء الدعم

كان العام 2024، كارثياً على صناعة الطاقة الشمسية السكنية. فشهد موجة من الإفلاسات وشطب رؤوس أموال ضخمة وانهيار تقييم الشركات، وإلغاء الآف الوظائف. ويبدو أن التراجع سيستمر خلال العام الحالي، قبل أن يستقر السوق ابتداء من العام 2027. ليبدأ تسجيل معدلات نمو متواضعة ومنطقية، بعد مرحلة من النمو الانفجاري خلال الفترة 2020 ـ 2023 بلغت نسبته 30 في المئة سنوياً. وكان العامل الرئيسي في النمو هو ضخامة الدعم الحكومي وسياسة الحوافز السخية.

إفلاس 100 شركة أميركية كبيرة

وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تشهد السوق في العام الحالي تراجعاً بنسبة 30 في المئة عن العام 2024. وأن يستمر التراجع في العام 2026. وتشكل الولايات المتحدة حالة نموذجية للتطورات السلبية في قطاع الطاقة الشمسية المنزلية. إذ بلغ عدد الشركات الكبيرة التي أعلنت إفلاسها في العام 2024 أكثر من 100 شركة، في سابقة لم تحصل منذ انطلاق صناعة الطاقة الشمسية قبل 20 عاماً.

وأرجعت رابطة مهندسي الطاقة ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وتشديد شروط التمويل، والتحولات السلبية في السياسات العامة. أما جمعية كاليفورنيا للطاقة الشمسية والتخزين، فذكرت أن تلك الأسباب أدت إلى انخفاض الطلب على تركيب الألواح الشمسية المنزلية بنسبة 80 في المئة. وأشارت إلى تداعيات خطيرة تتمثل بموجة الإفلاسات وتوقف آلاف المشاريع وتسريح نحو 17 ألف عامل.

تراجع الطلب بنسبة بنسبة 80%، موجة إفلاسات، توقف آلاف المشاريع، وتسريح 17 ألف عامل

وقد فوجئت الشركات التي كانت خططها مبنية على نمو بنسبة 30 في المئة، بتراجع النمو بنسبة لا تقل عن 20 في المئة ما ترتب عليه عواقب مؤلمة.

اسباب النمو الانفجاري

شهدت الطاقة الشمسية عموماً والسكنية تحديداً نمو صحياً وثابتاً حتى العام 2020. حين بدأ النمو يأخذ طابعاً انفجارياً وغير مستدام. وليبلغ المعدل السنوي خلال الفترة 2020 ـ 2023 أكثر من 30 في المئة على المستوى العالمي، كما ذكر تقرير لشركة «ماكنزي» McKinsey & Company. وطبعاً كانت أوروبا هي التي تقود السباق. وأرجع التقرير أسباب هذا النمو إلى ما يلي:

–  حالة الهلع السياسية والشعبية التي سادت في أوروبا بسبب انقطاع الغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا. وأظهر استطلاع أجرته شركة «ماكينزي» عام 2021 أن غالبية الألمان اعتبروا تركيب الألواح الشمسية مسألة بالغة الأهمية للأمن القومي.

الرسم من تقرير شركة ماكينزي

–  برامج الدعم الحكومي والحوافز السخية التي وصلت في إيطاليا مثلاً بموجب برنامج Super bonus، إلى منح دعم بنسبة  110 في المئة لنفقات تركيب الألواح الشمسية في المنازل. وفي الولايات المتحدة، كان هناك حزمة متنوعة من الحوافز والدعم. تبدأ بأسعار الفائدة المنخفضة، مروراً بالإعفاءات، وصولاً إلى دفع شركات الكهرباء أسعار أعلى للكميات التي تشتريها من أصحاب المنازل.

–  الاندفاع إلى إنشاء مصانع ضخمة لإنتاج مكونات الطاقة الشمسية. وكذلك اندفاع المصانع القائمة إلى زيادة طاقاتها الانتاجية، في محاولة للاستفادة من طفرة الطلب التي تبين لاحقاً أنها غير مستدامة.

… وأسباب التراجع

يبدو واضحاً ان السبب الرئيسي هو انتهاء مفاعيل عوامل النمو المصطنع، ومن أبرزها:

  • تضاعف أسعار الفائدة بمعدل ثلاث مرات تقريباً بين عامي 2021 و 2023. وتلعب الفائدة دوراً حاسماً في هذه الصناعة التي تعتمد على المنتجات الممولة بكثافة. يضاف إلى ذلك توجه مؤسسات التمويل إلى التشدد في الشروط بعد تراجع الضمانات الحكومية.
  • تغير سياسات الدعم والحوافز، بعد أن باتت عبئاً ثقيلاً على الحكومات. وتزامن ذلك مع ميل تعرفة الكهرباء الى الانخفاض في أوروبا بعد المستويات القياسية التي بلغتها بسبب انقطاع الغاز الروسي.
  • وجود طاقات فائضة يقدرها تقرير «ماكينزي» بنحو 60 في المئة من المكونات والمعدات والعمالة والإمدادات. ما جعل هيكل التكاليف فاقداً للمرونة في مواجهة تغيرات السوق. يضاف إلى ذلك الضغوط الناجمة عن تكلفة رأس المال العام والخاص. ما خلق سيطرة شبه كاملة من قبل اللاعبين الأفضل تمويلاً. وارتفعت تبعاً لذلك تكاليف التسويق بغرض اكتساب المزيد العملاء. الأمر الذي أدى إلى تأكل ربحية المشاريع وشكل سبباً إضافياً للانهيار.

تصحيح مؤلم لا إنهيار

حالة التراجع الحاد المشار إليها، لا تعني مطلقاً انهيار صناعة الطاقة الشمسية عموماً والمنزلية تحديداً، بقدر ما تعني حركة تصحيح ضرورية لإعادة النمو إلى معدلات طبيعية. علماً أن التقلبات الحادة كانت صفة ملازمة لصناعة الطاقة الشمسية على المستويات الاقتصادية والتشريعية والتنظيمية. وكذلك على مستويات التكنولوجيا والأسواق والنمو. وأدى ذلك إلى وصف هذه الصناعة بـ «أفعوانية الطاقة الشمسية»، للدلالة على موجات الصعود الحاد والانخفاض الأكثر حدة.

ويشير تقرير «ماكينزي» إلى أن إدارة هذه التقلبات العميقة والحادة ليست بالمهمة السهلة على الشركات. ويشدد على ضرورة أن تراقب الشركات عن كثب التغيرات والاتجاهات الاقتصادية والتنظيمية لتحديد استراتيجيات التشغيل. كما يشدد على ضرورة تعزيز قدراتها لتعديل نماذج التشغيل وهياكل التكاليف بسرعة. ويرجح التقرير أن تقود السوق، الشركات التي تنجح بتخفيض التكلفة من خلال الابتكار والكفاءة التشغيلية، ودمج الرقمنة والذكاء الاصطناعي في كل خطوة. وكذلك الشركات القادرة على توسيع نطاق أنشطتها لتشمل تجميع المنتجات وتقديمها بمرونة كافية. ومن ينجح في ذلك سيتمكن من النزول من «أفعوانية الطاقة الشمسية» وتنفيذ خطط النمو بثبات واعتدال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: