; حظر أميركي «ملتبس» للوقود النووي الروسي يعكس التخوف على توليد الكهرباء النظيفة - طاقة الشرق TAQAMENA

حظر أميركي «ملتبس» للوقود النووي الروسي يعكس التخوف على توليد الكهرباء النظيفة

فعلها مجلس النواب الأميركي، وفرض حظراً على استيراد الوقود النووي من روسيا. ولكنه حظر ملتبس ونظري لأنه مؤجل التنفيذ لخمس سنوات بسبب صعوبة تطبيقه. وبقدر ما يعكس القانون بصيغته الملتبسة، عمق أزمة ارتهان أميركا والغرب عموماً للوقود النووي الروسي، فإنه يعكس أيضاً جدية التوجه للتخلص من هذا الارتهان.

ولتوضيح أبعاد هذه الأزمة نشير إلى أن شركة “روساتوم” Rosatom، المملوكة للدولة، تسيطر على نحو 35 في المئة من إمدادات الوقود النووي العالمية. وهي توفر حوالي 25 – 30 في المئة من احتياجات المفاعلات الأميركية والأوروبية لتوليد الكهرباء. والأدهى أنها تشمل أيضاً مفاعلات الأساطيل الحربية. وتعتبر الشركة من أبرز مصادر القوة السياسية والمالية للكرملين وللرئيس فلاديمير بوتين شخصياً. إذ بلغت إيراداتها في العام 2022 حوالي 2 تريليون روبل.

راجع مقال: هل تنجح مجموعة السبع بوقف ارتهان توليد الكهرباء للوقود النووي الروسي

وبات واضحاً أن هناك توجهاً لإنهاء الارتهان للوقود النووي الروسي. ليس من قبل أميركا وحسب، بل من قبل كل الدول الغربية الكبرى. وبخاصة مجموعة الدول السبع التي أعلنت الشهر الماضي خلال اجتماع سابورو في اليابان التزامها «بإنهاء تحكم روسيا بسلاسل إمداد الوقود النووي بأسرع وقت ممكن».

التباس وتخوف حالياً

معروف ان إنشاء مصانع جديدة وخلق سلاسل إمداد محلية ودولية رديفة لسلاسل الإمداد الروسية، يستغرق مدة لا تقل عن خمس سنوات. ما يعني استحالة الاستغناء عن الوقود النووي الروسي. ولذلك كان الحل بإقرار قانون ملتبس يحقق توجيه رسالة سياسية إلى روسيا، ولكنه يحفظ بالوقت ذاته استمرار تدفق الوقود النووي منها. وإفساح المجال لبناء مخزون احتياطي لمواجهة أي رد فعل من قبلها. واتضح ذلك من خلال ما يلي:

  • ينص مشروع القانون بشكل واضح على حق الإدارة بالتراجع عن تطبيقه في حال حدوث ضرر. ويخوّل وزير الطاقة رفع الحظر بالتنسيق مع وزير الخارجية ووزارة التجارة، في حال عدم توفر مصادر أخرى لإمدادات اليورانيوم. يضاف إلى ذلك إعطاء فترة سماح لبدء التطبيق مدتها خمس سنوات. إذ نص على السماح باستيراد اليورانيوم الروسي حتى العام 2028 «لإتاحة الوقت الكافي لتجهيز الإمدادات البديلة».
  • بناء مخزون احتياطي: يبدو أن الولايات المتحدة كانت منذ بداية العام تستعد لحظر الوقود الروسي. كما تستعد لاحتمال رد روسيا بتقليص الإمدادات. فبادرت إلى زيادة الكميات المستوردة. وقد اشترت خلال النصف الأول من العام الجاري، حوالي 416 طناً من اليورانيوم. وهي أعلى كمية منذ العام 2005. ولا تزال عمليات الشراء المحمومة متواصلة. إذ تظهر الإحصاءات الأميركية تضاعف مشتريات اليورانيوم الروسي بمعدل ثلاث مرات في أكتوبر الماضي لتصل إلى حوالي 43 طناً.

… وقرار حاسم مستقبلاً

الإلتباس والتخوف على المدى القصير، يقابله على المدى الطويل، قرار حاسم بالتخلص من الاعتماد على الوقود النووي الروسي. وينطبق ذلك على أميركا كما على بقية الدول الغربية. وترافق هذا القرار مع توجه متصاعد لتطوير الطاقات الانتاجية القائمة وإنشاء طاقات جديدة. ويتضح ذلك من تخصيص قانون المناخ والطاقة النظيفة الذي أقره الرئيس جو بايدن، العام الماضي، مبلغ 700 مليون دولار لتطوير إمدادات الوقود النووي المحلية. وتعمل وزارة الطاقة وشركة “سينتروس إنرجي” Centrus Energy، على مشروع تجريبي لـ “اليورانيوم منخفض التخصيب عالي المقايسة” HALEU.

كما يلاحظ اندفاع الشركات الأميركية والأوروبية للبدء بتنفيذ مشاريع جديدة للوقود النووي مثل شركة “يورينكو” Urenco و”أورانو” Orano. وكذلك شركة ويستنغهاوس Westinghouse العائدة بقوة من “مجاهل الإفلاس”. حيث وقعت عقوداً لتزويد عدد محدود من المفاعلات الأوكرانية بالوقود.

وقد وضعت الدول الغربية خططاً تفصيلية للتعاون في بناء وإعادة تشغيل دورة إنتاج الوقود النووي. وعقدت عدة اتفاقيات لتطوير سلاسل التوريد المشتركة التي تعزل روسيا. وتتضح جدية هذا التوجه من النص الوارد في مشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي، والذي نص على إلزام وزارة الطاقة بشراء كمية لا تقل عن 20 طن/ متري سنوياً، من وقود المفاعلات من الشركات الأميركية بنهاية العام 2027.

وحش فرانكشتاين

يبدو ان روسيا مطمئنة لمستقبل تحكمها بجزء كبير من سلاسل إمداد الوقود النووي. حتى أن شركة “روساتوم” وصفت في بيان وجهته إلى عملائها في يونيو الماضي، الجهود المبذولة لإيجاد بدائل للامدادات الروسية بأنها أشبه بوحش فرانكشتاين الخيالي. منوهة بأن صادراتها قد زادت بأكثر من الخمس بعد حرب أوكرانيا. وأكدت صعوبة منافستها، لأنها تمتلك شبكة كاملة في سلاسل الإمداد بدءاً من استخراج الخام مرورا بالتخصيب، وصولاً إلى التخزين والشحن. وهي ميزة لا تتوفر لأي دولة أخرى.

إقدام روسيا على تقييد صادرات اليوارنيوم يهدد بحدوث أزمة في توليد الكهرباء

ولكن هذا الاطمئنان المعلن لا يلغي إمكانية رد روسيا بوقف أو تقييد تصدير الوقود النووي. و يجدر التوقف ملياً عند ملابسات الخبر الذي أوردته وكالة بلومبرغ عن قيام شركة “تينيكس” Tenex التابعة لشركة “روساتوم”، بإبلاغ عملائها الأميركيين أنها ستقوم بتقييد صادراتها إذا أصدر المشرعون في واشنطن قانوناً يحظر الواردات الروسية. ولكن وكالة تاس الروسية سارعت إلى نقل بيان أصدرته الشركة ينفي خبر بلومبرغ والتحذيرات المنسوبة إليها.

كما يجدر التوقف عند ربط بعض المصادر بين التطورات المتعلقة بحظر استيراد الوقود النووي الروسي، وبين إقدام شركة “روساتوم” في شهر سبتمبر الماضي على وقف تصدير اليورانيوم من سانت بطرسبورغ إلى الولايات المتحدة. علماً ان السبب المعلن كان «نقص التغطية التأمينية». وقد ساهم هذا الوقف في تسجيل سعر اليوارنيوم قفزة كبيرة. ليصل في 25 سبتمبر إلى حوالي 70 دولاراً للرطل الواحد. وهو أعلى رقم يسجل من العام 2011، بعد حادثة محطة “فوكوشيما-1”.

… وليتحول الوقود النووي إلى جبهة جديدة في حروب الطاقة المتجددة أولاً والتحالفات الجيوسياسية ثانياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى