سعر النفط بين رغبات أميركا ومعطيات السوق 

فيما يزور الرئيس الأميركي دونالد ترامب منطقة الشرق الأوسط، اتخذت دول تحالف (أوبك بلس) قراراً بزيادة الإنتاج. يندرج القرار في جانب منه في إطار دعم توجهات الرئيس الأميركي ووعوده الانتخابية لتخفيض سعر النفط وبالتالي أسعار المحروقات للمستهلك الأميركي. إضافة إلى التوسع في الاستثمارات النفطية وزيادة الإنتاج.

تجدر الإشارة إلى أن وعد الرئيس الأميركي بخفض سعر النفط يناقض رغبته في زيادة إنتاج النفط الأميركي، ولا سيما الصخري منه. لأن كلفة الإنتاج المتزايدة تجعل من السعر عند مستوى 60 دولاراً عائقاً أمام تحقيق الأهداف الطموحة لزيادة الإنتاج. في حين تتجه الأسعار إلى مزيد من الانخفاض مع زيادة إنتاج دول تحالف (أوبك بلس)، وخاصة المملكة العربية السعودية، التي تستعد للتعامل مع فترة طويلة من انخفاض الأسعار.

انخفاض سعر النفط يعيق زيادة الإنتاج

في المقابل، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة Liberty Energy، إحدى أكبر شركات النفط والغاز الصخري الأميركية، والتي كان يرأسها وزير الطاقة الأميركي الحالي كريس رايت، في شهر أبريل المنصرم، أن مستويات الأسعار عند 60 دولاراً لا توفر بيئة مشجعة للاستثمار. وأي انخفاض إضافي قد يؤدي إلى تقليص الاستثمارات في النفط الصخري الأميركي، مما ينسف خطط الإنتاج المستقبلية. وذلك على خلاف رأي وزير الطاقة الذي يثق في صمود النفط الصخري حتى عند مستوى 50 دولاراً، مستعينًا بالقدرة على الابتكار والكفاءة التشغيلية.

إن استمرار تراجع سعر النفط إلى مستويات تلامس كلفة الإنتاج، وأحيانًا إلى ما دونها، لدى العديد من الشركات الأميركية، يحول دون تكثيف الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة، ويجعل من هيمنتها على قطاع الطاقة، التي يطمح إليها ترامب، هدفًا بعيد المنال. وقد جاء هذا التراجع في ظل فقدان المستثمرين الثقة بالمستقبل نتيجة حالة عدم اليقين المحيطة بالرسوم الجمركية والسياسات التجارية الحمائية التي فرضها ترامب، والتي أدّت إلى خفض توقعات نمو الطلب العالمي على النفط.

تأثير الرسوم الجمركية وقرارات (أوبك بلس)

وكانت أسعار النفط قد تراجعت إلى مستويات منخفضة بلغت 60 دولاراً نتيجة قرارات الرسوم جمركية. والتي أدّت إلى توترات في التجارة العالمية وتقلبات في الأسواق. ويستدل على تاثير هذه الرسوم من ارتفاع أسعار النفط ولو بشكل طفيف فور إعلان أميركا والصين الاتفاق على تعليق معظم الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المتبادلة.

كما ساهم قرار (أوبك بلس)  بزيادة الإنتاج، في ظل مخاوف من فائض العرض، في تعزيز الضغوط على الأسعار، رغم أن الأسواق كانت تترقب القرار. ومن بين أسباب هذا القرار، رغبة الدول الأعضاء في تعزيز حصصها السوقية. حيث تواجه دول مثل العراق وكازاخستان تحديات في الالتزام بحصصها. خاصة كازاخستان التي تستثمر فيها شركات أجنبية كبرى. وتجد دول أخرى صعوبات في الالتزام، سواء لعدم رغبتها أو بسبب ظروف قاهرة. فيما تلتزم دول مثل الإمارات والسعودية والكويت بشكل صارم بحصصها الإنتاجية.

وفي هذا السياق، يندرج قرار (أوبك بلس) برفع الإنتاج في إطار استراتيجية طويلة الأمد، تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والسياسية. وهو محاولة لتحقيق توازن دقيق بين ضغوط الخارج، وحسابات السوق، ورغبة الدول المنتجة في الحفاظ على حصتها السوقية. في وقت لم تعد فيه السوق النفطية محكومة فقط بالعرض والطلب، بل أصبحت مرآة لمسارات النفوذ والتحالفات الدولية.

توقعات تطور الأسعار

هذه التقلبات دفعت مؤسسات مالية كبرى إلى مراجعة توقعاتها لأسعار النفط خلال العام الجاري والعام المقبل. فقد خفَّضت مؤسسة “غولدمان ساكس” تقديراتها لمتوسط سعر خام برنت إلى 60 دولاراً للبرميل في 2025، مع توقع استمرار التراجع ليبلغ 56 دولاراً في 2026.

من جهتها، توقعت “مورغان ستانلي” أن يبلغ السعر 56 دولارًا اعتبارًا من 2025. أما “بنك باركليز”، فكان أكثر تفاؤلًا، متوقعاً أن يبلغ متوسط السعر 70 دولاراً هذا العام، على أن ينخفض إلى 62 دولاراً في العام المقبل، ما يعكس حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الأسواق.

ويبقى سعر النفط خاضعًا لتأثير ثلاثة عوامل متعارضة هي: تباطؤ الاقتصاد العالمي، الذي يخفض الطلب وبالتالي الأسعار. ثانياً، التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية، التي ترفع الأسعار. وثالثاً، زيادة الإنتاج سواء من قبل دول (أوبك بلس) أو من الدول الأخرى، والتي تضغط نحو الانخفاض. إنها حلقة مفرغة يتحرك فيها السعر وسط مشهد طاقوي عالمي متغير.

باحث في الشؤون الاقتصادية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: