; طاقة الاندماج النووي: من يحقق «الضربة الأولى» الصين أم أميركا (4 من 5) - طاقة الشرق TAQAMENA

طاقة الاندماج النووي:
من يحقق «الضربة الأولى» الصين أم أميركا (4 من 5)

يشكل الاندماج النووي الجبهة الجديدة المرشحة للاشتعال بين أميركا والصين، خاصة مع الإنجازات التكنولوجية المتلاحقة التي تقرب موعد محطات الطاقة الكهربائية الاندماجية التي ستحدث تغييراً جذريا في نظام الطاقة العالمي وبالتالي في الجغرافية السياسية.

وبعيداً عن التعاون الملتبس بين البلدين سواء في المفاعل الدولي ITER “إيتر” أو غيره والذي يقوى ويضعف تبعاً لاتجاه رياح العلاقات السياسية، وكانت آخر فصول هذا الالتباس، قيام فريق صيني ـ أميركي في العام 2019 بإجراء أبحاث متقدمة على الاندماج النووي واحتجاز البلازما. ولكن الصين علقت في أغسطس 2022 أبحاث المناخ عموماً والاندماج النووي تحديداً، بعد زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان. وليعود البلدان إلى استئناف التعاون في مجال الحد من الانبعاثات بعد أجتماع اجتماع الرئيسين الصيني والأميركي في نوفمبر 2022.

وبمعزل عن التحليل والاستنتاج، فإن الاستعراض السريع للجهود المبذولة في مجال الإندماج النووي في البلدين تعطي صورة أوضح عن الصراع والتنافس بينهما.

الصين تعلن قدرتها على تصنيع وتصدير مكونات الجيل التالي من مفاعلات EAST “الشمس الاصطناعية”

المسار الصيني

اعتمدت الصين منذ عدة عقود مساراً نشطاً لتطوير الاندماج النووي. ويتم ذلك على خطين متوازيين الأول حكومي بالكامل من خلال معهد فيزياء البلازما التابع للأكاديمية الصينية للعلوم ASIPP، الذي تأسس في 1978. وقد أنشأ عدة مفاعلات كان أبرزها بالطبع مفاعل “توكوماك فائق التوصيل” EAST الذي كان له الفضل بالإنجاز الصيني التاريخي بتحقيق الاشتعال الاندماجي لمدة 17.5 دقيقة بدرجة حرارة 70 مليون درجة مئوية. وكذلك من خلال المعهد الجنوبي الغربي للفيزياء SWIP الذي تأسس في العام 1965، وقد بنى أيضاً عدة مفاعلات ولكن بحجم أصغر.

معهد فيزياء البلازما الصيني

أما الخط الثاني فهو استثمارات القطاع الخاص من خلال مجموعة ENN هي واحدة من أكبر الشركات الخاصة في الصين، وأنشأت معهد أبحاث الطاقة في العام 2006 الذي أطلق مشروعين ضخمين للاندماج. ومجموعة ENN المعروفة جيداً في أوساط علماء الاندماج، هي كغالبية الشركات الصينية لا تتوفر معلومات كافية عن أنشطتها التي تتقاطع عادة مع الأنشطة الحكومية أو تكون جزءا منها ومكملة لها.

وفي ضوء نجاح مفاعل EAST، أعلنت الصين أنها تخطط لبناء أول محطة إيضاحية “DEMO” بتكلفة أولية تبلغ 15 مليار دولار. على أن يسبق ذلك خطوة تمهيدية كبيرة هي إنشاء المفاعل الانتقالي CFETR الذي وضعت تصاميمه المفاهيمية في العام 2015 وبدأ التصميم الهندسي في عام 2017. وسيكون أكبر وأهم من المفاعل الدولي ITER. وسيتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل على أ، يبدأ التشغيل الفعلي في العام 2035. كما تم الإعلان عن البدء بتدريب كادر كبير من العلماء يقارب 1000 فيزيائي بلازما لدعم هذا البرنامج. وتُظهر هذه الخطة التي وضعتها الحكومة التزاماً حقيقياً بالتفوق في مجال تكنولوجيا الاندماج القابلة للتطبيق.

يقدر ان التشريعات الأميركية المعتمدة خلال الـ 18 شهراً الماضية ستساهم بضخ حوالي 40 مليار دولار في قطاع الاندماج النووي

وكانت الصين قد أعلنت في 22 نوفمبر 2022، عن اختراق علمي كبير بتصنيع أحد المكونات الرئيسية للجيل التالي من مفاعلات  EAST “الشمس الاصطناعية”. مع إعلان قدرتها على تلبية شروط التصنيع واسع النطاق والتصدير. وهو ما يعني تسجيل هدف مهم في المرمى الأميركي لناحية نقل المنافسة من مجال البحوث والتجارب إلى ميدان التجارة وتشجيع استخدام التقنيات الصينية في بناء المفاعلات في دول أخرى وتشبيك المصالح معها.

المسار الأميركي

كان الاهتمام الأميركي بتكنولوجيا الإندماج، ينصب حتى الأمس القريب على الجانب العسكري أكثر من توليد الطاقة. واكتفت بدعم المفاعل الدولي “إيتر” وانتظار نتائج تشغيله لإثبات الجدوى التكنولوجية والتجارية للاندماج. إضافة إلى دعم حكومي خجول للمفاعلات البحثية الصغيرة خاصة تلك العائدة للقطاع الخاص.

ولكن الوضع تغير خلال السنوات الثلاثة الماضية، خاصة بعد الاختراقات الجوهرية التي حققتها الصين وكذلك الانجازات المحققة في كوريا الجنوبية واليابان. وقد اندفعت أميركا إلى توجيه جزء مهم من نشاط منشأة الإشعال الوطنية التي تهدف أساساً إلى اختبار الأسلحة النووية، إلى أبحاث توليد الطاقة الكهربائية بالاندماج النووي. وذلك تماشياً مع متطلبات الصراع الدولي وضرورات الحفاظ على تفوقها، ومجاراة الصين بالاستخدام المزدوج العسكري والمدني لصناعة الإندماج.

البيت الأبيض: «أميركا ستبني محطة DEMO للقفز فوق المنافسين واحتلال الصدارة في أبحاث الاندماج»

وتجسدت الاندفاعة الأميركية على خطين الأول تكثيف الجهود البحثية بدعم مباشر من الحكومة، والثاني تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وذلك استناداً إلى أن ” الإدارة الأميركية ترى انه حان الوقت لتسريع طاقة الاندماج النووي التجاري، باعتبارها تقنية طاقة نظيفة يمكن أن تغير قواعد اللعبة” كما جاء في “وثيقة حقائق”  نشرت على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض بتاريخ 15 مارس 2022، وأضافت الوثيقة “أن الولايات المتحدة تمتلك بنية تحتية علمية وتكنولوجية واسعة النطاق، ما يجعلها في وضع فريد لتخطي الحواجز التقنية لتحقيق الاندماج التجاري، وتعزيز موقعها في المنافسة الدولية”.

وتمت ترجمة هذا التوجه بإطلاق وزارة الطاقة مبادرة لتطوير استراتيجية عشرية للوصول إلى الاندماج النووي التجاري بالشراكة مع القطاع الخاص. واستندت هذه المبادرة إلى تقرير أعده  والطب جهاز الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة(NASEM) في العام 2021  بعنوان Bringing Fusion to the US Grid.

 

قمة البيت الأبيض للاندماج النووي (الصورة من PPPL)

مفاعل تجريبي

وأبرز ملامح الخطة العشرية، البدء الفوري بتنفيذ فكرة بناء مفاعل تجريبي DEMO التي ظهرت لأول مرة في عام 2018 في تقرير NASEM مع الاستمرار بالوفاء بالتعهدات تجاه ITER. وفي ديسمبر 2020 تم تبني فركة المفاعل التجريبي “لتمكين أميركا من القفز فوق المنافسين في أوروبا وآسيا واستعادة الصدارة في أبحاث الاندماج” كما جاء في التقرير الذي اقره البيت الأبيض.

وتنص الخطة على الاستفادة من التطورات المتسارعة في مجالات المغناطيسات فائقة القوة والطباعة ثلاثية الأبعاد ونمذجة الكمبيوتر لبناء مفاعل أكثر فعالية وأقل تكلفة من مفاعل ITER بحيث لا تتجاوز التكلفة 6 مليارات دولار مقابل 20  مليار دولار للمفاعل الدولي. ويدعو التقرير وزارة الطاقة الأميركية إلى تشكيل فرق عمل من القطاعين العام والخاص لتوضيح المفاهيم ووضع التصاميم اللازمة للمفاعل. بحيث تكون جاهزة بحلول العام 2028، وليتم تشغيله في العام 2035 كحد أقصى.

ودخل البيت الأبيض بقوة لدعم هذه التوجهات حيث تم عقد قمة في البيت الأبيض في 17 مارس 2022، برعاية مشتركة من مكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتكنولوجيا (OSTP) ووزارة الطاقة بمشاركة كل الجهات الحكومية والخاصة المعنية بهدف تحديد الرؤى والتحديات، وكيف يمكن للحكومة الأميركية تسريع تكنولوجيا الاندماج.

مجموعة ENN الصينية أكبر الشركات العالمية في مجال الاندماج النووي

وكانت لجنة مجلس النواب للعلوم والفضاء والتكنولوجيا  قد أصدرت في 9 سبتمبر 2021 ، عدة تشريعات  تتعلق بالاستثمار في البنية التحتية العلمية الجديدة  ومبادرات أبحاث الطاقة النظيفة الجديدة. ومن ضمنها مشروع قانون يتضمن تخصيص 2.8 مليار دولار للمشاريع والأبحاث المتعلقة بالطاقة الاندماجية. وحدد هدف البرنامج “بدعم تطوير صناعة طاقة اندماج الأميركية من خلال البحث والتطوير لإنشاء أنظمة اندماج جديدة كاملة في غضون 10 سنوات”. وتقدر بعض المصادر أن التشريعات الجديدة التي تم سنها في الأشهر الـ 18 الماضية ستساهم بضخ حوالي 40 مليار دولار في القطاع على مدار العقد المقبل

دور رئيسي للقطاع الخاص

وتراهن الإدارة الأميركية للوفاء بهذا الجدول الزمني الضيق على المشاركة الفعالة للقطاع الخاص. ودعت “وثيقة الحقائق” إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتنمية صناعة الاندماج الأميركية بما يحفظ الشركات داخل حدودنا وتعزيز الريادة التكنولوجية للولايات المتحدة في الاندماج”.

وبالفعل، فهناك عدد كبير من الشركات الأميركية الناشطة في مجال الإندماج النووي، فمن بين حوالي 30 شركة اندماج في العالم، هناك أكثر من الثلثين في الولايات المتحدة، وتم تأسيس معظمها خلال السنوات الخمسة الماضية. وقد اجتذبت هذه الشركات كبار رجال الأعمال مثل بيل غيتس المساهم في Commonwealth Fusion Systems و جيف بيزوس المساهم في شركة General Fusion.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى