; طاقة الاندماج النووي: فورة استثمارات خاصة تعجل "موسم الحصاد" (2 من 5) - طاقة الشرق TAQAMENA

طاقة الاندماج النووي: فورة استثمارات خاصة تعجل “موسم الحصاد” (2 من 5)

تقول غونزاليس دي فيسنتي المسؤولة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، “يصح تشبيه ما يحدث في تطوير صناعة الاندماج النووي، بما حدث في تطوير لقاح كورونا، فعندما توجد الحاجة تتدفق الاستثمارت ويتعزز التعاون الدولي، لتطوير الجوانب التكنولوجية والهندسية والتجارية بوقت أقصر بكثير من المتوقع.” ويبدو أن ذلك ما يحدث الآن للإندماج النووي، في ظل تقاطع الحاجة المجتمعية مع متطلبات محاربة التغير المناخي، مع الصراع الجيوسياسي العالمي، مع محرك الربح لدى الشركات الخاصة.

هناك من يؤكد ان وقت وجود مفاعلات الاندماج النووي التجارية، بات أقرب بكثير من المتوقع. وذلك ما يبرر اندفاعة القطاع الخاص لضخ الاستثمارات. والتي بلغت ذروة غير مسبوقة في العام 2021. إذ بلغت قيمة الاستثمارات الجديدة حوالي 2.6 مليار دولار. بزيادة نسبتها 139 في المئة عن العام السابق. وليبلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الخاصة في صناعة الاندماج في نهاية 2021، حوالي 5 مليارات دولارات. كما ذكر تقرير صدر في نهاية العام 2022 عن الجمعية الدولية لصناعة الاندماج Fusion Industry Association. وذكر التقرير ان هذه الاستثمارات تتوزع على 33 شركة في العالم، وأن أكثر من ثلثي الشركات تم تأسيسها خلال السنوات الخمس الماضية.

ويتوقع تقرير صادر عن بلومبيرغ حدوث طفرة جديدة في الاستثمارات الخاصة لأن العديد من الشركات المدرجة في قائمة بلومبيرغ لا تزال في مراحل مبكرة من التطور، فشركة “كومنولث فيوجين سيستمز” Commonwealth Fusion Systems مثلاً التي حققت إقبالاً كبيراً على الشريحة الثانية من طلب التمويل بلغ 1.2 مليار دولار، يسمح بالقول ان الشريحة الثالثة والرابعة ستشهد إقبالاً أوسع، خاصة في ظل المعطيات الجيوسياسة المؤاتية والدعم الكبير الذي يوفره قانون خفض التضخم الأميركي.

المستثمرون في الاندماج النووي

وما يشجع المستثمرين هو الارتفاع التدريجي والثابت في أسعار أسهم الشركات النووية المدرجة. فقد ارتفع مثلاً سهم NuScale بنسبة 40 في المئة تقريبًا في مايو الماضي، في حين شهدت أسهم الشركات في بقية القطاعات تراجعا كبيرا. ورغم عدم إدراج غالبية شركات الاندماج في البورصات العالمية، فقد قامت وكالة بلومبيرغ بتطوير مؤشر خاص بالشركات المدرجة ذات الصلة المباشرة بالصناعة النووية، يضم 64 سهماً “نووياَ”. وتظهر المقارنة بين أداء هذا المؤشر مع مؤشر MSCI العالمي خلال الخمس سنوات الماضية، انه ارتفع بنسبة 100 في المئة مقابل ارتفاع بنسبة 38 في المئة فقط للمؤشر العالمي. (راجع الرسم البياني)

طاقة الاندماج النووي: سباق أميركي صيني على «صناعة الشمس» (1 من 5)

الملفت في الاستثمارات ليس حجمها وحسب بل طبيعة المستثمرين، فهناك عدد من كبريات شركات النفط مثل أيني وشيفرون وإيكوينور، وشركات التقنية مثل الفابيت المالكة لشركة غوغل، وشركة أمازون، وكذلك عدد من كبار رجال الأعمال أمثال بيل غيتس وجيف بيزوس  إضافة إلى مشاركة فاعلة من قبل صناديق الاستثمار والتحوط العالمية وبعض الشركات مثل شركة جيمكو التابعة لمجموعة عبد اللطيف جميل السعودية.

مؤشر “الأسهم النووية” يرتفع بنسبة 100% مقابل 39% لمؤشر MSCI العالمي

الشركات الجاذبة للاستثمارات

ويظهر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه في العام 2021 استأثرت صناعة الاندماج بالحصة الأكبر من الاستثمارات في قطاع الطاقة النووية، فحظيت شركات الاندماج بخمسة من أكبر سبعة استثمارات نووية ولعب حماس المستثمرين المهتمين بالمناخ العامل الحاسم في ذلك في ظل القناعة باقتراب موعد انطلاق مرحلة المفاعلات التجريبية والتجارية، وأنه على بعد سنوات وليس عقود كما كان سابقاً.

ومع ان هذه الاستثمارات توزعت على مختلف الشركات تقريباً، لكن الحصة الأكبر كانت من نصيب الشركات التي تطور أنواعا جديدة من المفاعلات التي تمتاز بحجم أصغر وتكلفة أقل وبمعايير سلامة أعلى، حيث يتوقع المستثمرون ان تحقق هذه الشركات اختراقات مهمة ما يرفع قيمتها بعدة أضعاف.

توزيع الاستثمارات على الشركت
خلال السنوات 2010 – 2021
الشركة الدولة القيمة (مليار دولار)
كومنولث فيوجين سيستمز ـ أميركا أميركا 2.1
تي. أي. إي تنولوجيز ـ أميركا أميركا 1.2
هيليون إنيرجي ـ أميركا أميركا 0.6
إي. أن. أن ـ الصين الصين 0.2
جنرال فيوجين ـ كندا كندا 0.2
توكاماك أنيرجي ـ بريطانيا بريطانيا 0.2
زاب إنيرجي ـ أميركا أميركا 0.2
شركات أخرى ـ 12 شركة 0.3
الإجمالي 5

ومن أبرز هذه الشركات:

شركة Commonwealth Fusion Systems الأميركية: التي انبثقت عن مركز علوم البلازما والدمج التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 2018. وقد حظيت الشريحة الثانية من برنامج التمويل الذي طرحته، بالحصة الأكبر وقيمتها 1.8 مليار دولار. ومن ابرز المستثمرين فيها بيل غيتس، وغوغل ، وحوالي عشرين مستثمرا من شركات النفط وصناديق الثروة السيادية. وأعلنت الشركة أن المفاعل الذي تطوره يعتبر الأسرع والأقل تكلفة وسيكون جاهزا بحلول العام 2025.

شركة TAE Technologies الأميركية: جمعت حوالي 1.2 مليار دولار من مستثمرين مثل بول ألين وغولدمان ساكس وغوغل ومكتب عائلة تشارلز شواب. وتقول إنها تطور مفاعلاً من المقرر أن يتم الكشف عنه في أوائل عام 2030 ، والذي سيولد الكهرباء من تفاعل البروتون والبورون عند درجة حرارة ـ لا تصدق ـ تبلغ مليار درجة.

إجمالي الاستثمارات الخاصة 5 مليارات دولار موزعة على 33 شركة، وحصة أميركا أكثر من الثلثين

شركة  TerraPower الأميركية: يعود الفضل في تأسيسها لـ بيل غيتس وعدد من المستثمرين المهتمين بالتغير المناخي. وقامت بطرح شريحة قيمتها 750 مليون دولار بمشاركة مجموعة إس كيه الكورية الجنوبية، بهدف بناء مفاعل في وايومنغ في كوريا، يتميز بأن تبريده يتم باستخدام الصوديوم مع نظام لتخزين الطاقة في الملح المصهور وهو يوفر 500 ميغاواط.

شركة Everett الأميركية: أبرز المساهمين في الشركة سام أتالمان، وقامت بطرح الشريحة E بقيمة 500 مليون دولار مع الإعلان عن شرائح اخرى مستقبلاً بقيمة 1.7 مليار دولار إضافية مع تطور نشاطها وتحقيق النجاحات الموعودة.

ومن بين الشركات التي اجتذبت الاستثمارات الباقية، نذكر شركة جنرال فيوجين (General Fusion) الكندية، وشركة هيليون أنيرجي ((Helion Energy الأميركية، وشركاة توكاماك إنيرجي (Tokamak Energy) البريطانية ونوسكال باور NuScale Power

كما أبدى المستثمرون اهتماماً بالشركات التي تعمل في مجالات ذات صلة بالاندمج مثل الشركات المنتجة لـ الليثيوم أو الديوتيريوم، والمواد الآخرى المستخدمة في عملية الاندماج. ومن بين هؤلاء على سبيل شركة Albemarle Corp15 وبيدمونت الليثيوم.

يلومبيرغ: قيمة سوق الاندماج 40 تريليون دولار بحلول نهاية الثلاثينات

استثمارات صينية في الاندماج النووي 

الملفت ان الجزء الأكبر من الاستثمارات ومن الشركات يتركز في الولايات المتحدة، ولا تظهر الصين في قوائم هذه الشركات، وهو ما يؤكد الحقيقة المعروفة بأن أميركا ذات الاقتصاد الحر تعتمد على القطاع الخاص وآليات السوق في تطوير صناعة الاندماج. في حين تعتمد الصين ذات الاقتصاد الموجه (بقالب رأسمالي عند الحاجة)، على القطاع العام من خلال الإنفاق الحكومي. ويستدل على ذلك بأنه في العام 2021 لم تتجاوز حصة الاستثمارات الحكومية الأميركية 117 مليون دولار.

ولتوضيح حجم المفارقة مع الصين نذكر ان الانفاق الحكومي الأميركي من خلال وزارة الطاقة لتحسين البنية التحتية النووية، لم يتجاوز 900 مليون دولار خلال الفترة 2009 ـ 2021. في حين انفقت الحكومة الصينية على المفاعل الشهير EAST فقط، 900 مليون دولار، وتم رصد 900 مليون دولار أخرى له. وذكر تقرير لدورية فورين بوليسي، ان الصين تخطط لإنفاق حوالي 440 مليار دولار على الطاقة النووية خلال الـ 15 سنة المقبلة، ويتضمن ذلك بناء  العديد من محطات الطاقة النووية جديدة، ولكنه يتضمن أيضاً موارد ضخمة لاختبارات الاندماج.

طاقة الاندماح النووي: عسكرة واستخدام مزدوج (3 من 5)

ولكن الصين لا تكتفي بالانفاق الحكومي، إذ يلعب القطاع الخاص دوراً مهماً في مجال الإندماج النووي من خلال مجموعة ENN التي تعتبر من أكبر الشركات الخاصة في الصين. ولديها معهد لأبحاث الطاقة تم إنشاؤه في العام 2006. وتدير المجموعة  مشروعين للاندماج النووي؛ الأول من نوع توكاماك والثاني تجربة  HeLong (EHL). وأعلنت الشركة انها ستضخ 100 مليون دولار في مركز الدمج المدمج (CCF)، الذي أسسته في العام 2018 تضاف إلى الميزانية السنوية وقدرها 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

مرحلة المفاعلات التجريبية والتجارية، باتت على بعد سنوات وليس عقود

ومع ان مجموعة ENN معروفة جيدًا بين علماء الاندماج في العالم، ولكنها مثل غالبية الشركات الصينية لا يتوفر الكثير من المعلومات عنها. وبخاصة الشركات التي تعمل في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، حيث يتقاطع نشاطها وربما ملكيتها بين القطاع الخاص والحكومة والحزب الشيوعي. وغالباً ما تكون أنشطة هذه الشركات ذات استخدام مزدوج عسكري ومدني. وهو أمر لا يقتصر على الصين فقط، فالولايات المتحدة الأميركية من الدول السباقة في هذا المجال. ومنشأة الإشعال الوطنية التي حققت انجاز الاندماج النووي في ديسمبر 2022 خير دليل.

إستثمار أم لعبة قمار

يعتبر تقرير لوكالة بلومبيرغ، أن العام 2021 شكل منعطفاً في مسيرة الاندماج النووي، متوقعاً أن يقفز حجم سوق الاندماج في نهاية عقد الثلاثينات إلى نحو 40 تريليون دولار. وذلك بافتراض أنه سيحظى بنسبة 1 في المئة فقط من إجمالي الإنتاج العالمي من الطاقة. وليشهد عقد الأربعينات في حال نضوج التكنولوجيا ووضوح الطلب ” انقلاباً تاريخياً في سوق الطاقة العالمي وتغييراً جذرياً في المفاهيم عما كنا نظن أنه ممكن وغير ممكن”، كما جاء في التقرير.

طاقة الاندماج النووي: أنواع المفاعلات سباق الليزر والمغناطيس (5 من 5)

ولكن بالمقابل هناك من يرى أن الشركات الناشئة التي اجتذبت اهتمام أصحاب المليارات وصناديق الاستثمار، تطلق وعوداً أكثر من قدرتها على تحقيقها. ويخشى إدوين ليمان مدير أمان الطاقة النووية في اتحاد علماء الاندماج “أن يكتشف من استثمر في هذه الشركات خطأ الاعتقاد بإمكانية تحقيق الربح من الاستثمار في فكرة جيدة  قد لا تكون قابلة للتنفيذ”. معتبراً أن “تطوير مفاعل الاندماج ليس شيئاً يمكن القيام به في مرآب المنزل أو بالضغط على هيئات الرقابة والتنظيم لتخفيف متطلبات السلامة”.

وبين هذا وذاك يخلص مقال مهم كتبه خبيران في شركة ماكنزي هما بيل لاشيفيتا و جيف أولينيك، بالقول  ان “السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة لإثبات إذا كان الاندماج حلا حقيقياً  لتوليد الطاقة أو سيبقى مجرد إمكانات علمية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى