أرقام قياسية للنفط والغاز الأميركي: «خداع أخضر»، و«بيزنس» على شماعة المناخ

قد يكون رصد المفارقات ووضعها في سياقها، أفضل وسيلة لفهم التطورات الملتبسة في أسواق الطاقة. ومن بينها أرقام قياسية لإنتاج النفط والغاز الأميركي. في حين تطالب أميركا مع بقية الدول الصناعية بالتحول عن الطاقة الأحفورية إلى المتجددة لمواجهة التغير المناخي.

وليتأكد يوماً بعد آخر أن قضية المناخ وغازات الدفيئة هي كلمة حق. ولكن أريد بها باطل، وهو محاربة الوقود الأحفوري في الصين والهند والدول النامية فقط. بما يحقق هدفاً مزدوجا لدول مجموعة السبع. الأول، مواصلة التنعم بالموارد المالية النفطية لدعم اقتصاداتها. والتأثير سلباً على النمو الاقتصادي في بقية دول العالم. والثاني خلق «بيزنس» جديد هو الطاقة النظيفة.

ومن بين أهم المفارقات ما يلي:

  • أميركا «تحارب» الوقود الأحفوري: 

    قادت بالتعاون مع دول مجموعة السبع، منذ عشر سنوات تقريباً حملة ضخمة سياسية وتشريعية وتنظيمية وإعلامية لمواجهة الاحتباس الحراري والتغير المناخي. ودعمتها بحملة لا تقل ضخامة لتقليص استخدام الوقود الأحفوري باعتباره المسبب الأول لانبعاثات غازات الدفيئة.

  • أميركا «تطور» الوقود الأحفوري:

    اندفعت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصناعية إلى الاستثمار بكثافة في أكثر المصادر إضراراً بالبيئة والمناخ، أي النفط والغاز الأميركي الصخري. ولتتحول أميركا في غضون سنوات قليلة إلى أول دولة منتجة للنفط. متخطية السعودية وروسيا. وأيضاً، إلى أول دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال. متخطية قطر وأستراليا.

أميركا في 2023: أكبر دولة منتجة للنفط متخطية السعودية وروسيا، وأكبر دولة مصدرة للغاز المسال، متخطية قطر وأستراليا !!

وكانت الدول النامية المنتجة للنفط، هي أكثر الدول تأثراً بتلك الحملات. حيث استجابت شركات النفط الدولية للضغوط الكبيرة لتقليص الاستثمارات في الاستكشاف والإنتاج من جهة. ولزيادة استثماراتها في الطاقة النظيفة والمتجددة من جهة أخرى. وحققت تلك الحملات نجاحاً عظيماً. حيث اضطرت الدول الأعضاء في تحالف (أوبك بلس) إلى إجراء تخفيضات إلزامية وطوعية طويلة المدى للحفاظ على توازن السوق والأسعار.

إقرأ أيضاً: بين أمن الطاقة وأمن المناخ: إرتبكت أميركا وأربكت العالم (1 من 2)

وشكلت الحرب الروسية على أوكرانيا فرصة تاريخية للولايات المتحدة لتعزيز صناعة النفط والغاز المحلية. خاصة في ظل العقوبات المفروضة على النفط والغاز الروسي. وتمكنت من توسعة البنية التحتية المتعلقة بالتصدير. وتم خلال فترة زمنية قياسية توسعة المحطات القائمة لتسييل الغاز وإقامة محطات جديدة في «البر الأميركي». وترافق ذلك مع توسعة مماثلة في «البر الأوروبي». إذ قامت الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا وهولندا بإنشاء وتوسعة محطات لاستقبال الغاز المسال كبديل عن الغاز الجاف المستورد عبر الأنابيب من روسيا.

لنترك الأرقام توضح الحقائق وتكشف التوجهات:

أرقام قياسية في إنتاج النفط الأميركي

  • في العام 2008 كان إنتاج النفط الأميركي أقل من 4 ملايين برميل يوميا. وقفز في سبتمبر 2023 إلى حوالي 13.3 م/ب/ي، بحسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وقد بلغ انتاج ولاية تكساس وحدها حوالي 5.7 م/ب/ي. أي أكثر من انتاج البحرين وسلطنة عمان والجزائر ونيجيريا والمكسيك.
  • تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية التي أسستها دول مجموعة السبع لمواجهة منظمة «أوبك»، إلى أن الإنتاج الأميركي سيرتفع إلى 15 مليون برميل يومياً في العام 2028. في حين تتوقع شركات النفط الصخري الأميركية ان يتجاوز 17 م/ب/ي.
  • سجلت صادرات النفط الخام رقماً قياسياً بلغ 4.1 مليون برميل يومياً في العام 2023. وبناءً على تحليلات شركة «ورلد سيتي» التي ترصد الصادرات الأمريكية، فإن صادرات النفط كانت الأكبر من بين كافة فئات تجارة الولايات المتحدة مع العالم من حيث الحجم والقيمة خلال العام 2023. وذلك للمرة الأولى على الإطلاق.
  • تصدرت هولندا قائمة الدول المستوردة للنفط الأميركي خلال العام الماضي بمتوسط بلغ 652 ألف برميل يومياً. في حين حلت الصين المرتبة الثانية بمتوسط 452 ألف برميل يومياً، وهو ما يعادل ضعف الرقم المسجل 2022.
  • حققت صناعة النفط الصخري تقدماً كبيراً في زيادة كفاءة الحفر والإنتاج. فتمكنت من زيادة الإنتاج بعدد أقل من الحفارات وأطقم الحفر. فقد انخفضت منصات التنقيب من 623 منصة في 2022 إلى 201 في 2023. وبات النفط الصخري منافساً في ظل أسعار أقل للنفط.

بالتزامن مع اتفاقية باريس للمناخ، أميركا ترفع الحظر على تصدير النفط الخام الذي دام 40 عاماً، وأوروبا تستعيض عن الغاز الروسي بالأميركي.

وفي محاولة غير بريئة لربط الأمور ببعضها. نشير إلى أن الولايات المتحدة رفعت الحظر المفروض على صادرات النفط الخام في العام 2015، بعد حظر دام 40 عاماً. وتزامن ذلك مع اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي. ومنذ ذلك الحين زادت الصادرات بمعدلات كبيرة سنوياً. وتصاعدت معدلات إنتاج وتصدير النفط والغاز الأميركي بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وفرض العقوبات على الغاز الروسي. وسط تراجع إمدادات (أوبك بلس)… وقيل «عاقل يقرأ .. وعاقل يفهم»

… وأرقام قياسية في الغاز

  • ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي إلى مستوى قياسي بلغ 3.3 مليار قدم مكعب في ديسمبر 2023. كما ارتفع الإنتاج السنوي إلى مستوى قياسي آخر، قدره 37.9 مليار قدم مكعب. ولتتحول أميركا في العام 2023 إلى أكبر دول مصدرة للغاز المسال متقدمة على قطر وأستراليا.
  • حققت صادرات الغاز المسال في العام 2023 رقماً قياسيأ أيضاً. وبلغ المتوسط اليومي حوالي ​​11.9 مليار قدم مكعب. بزيادة قدرها 12 في المئة عن العام 2022، كما ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية. في حين بلغت الصادرات القطرية والأسترالية 10.5 و 10.1 مليار قدم مكعب على التوالي.
  • كانت أوروبا الوجهة الرئيسية لصادرات الغاز الأميركية بنسبة 66 في المئة من الإجمالي. تلتها آسيا بنسبة 26 في المئة. ثم أميركا اللاتينية والشرق الأوسط.
  • كما في النفط، ترافقت زيادة الإنتاج مع تخفيض كبير في تكلفة الإنتاج. فتراجع عدد منصات التنقيب والحفر إلى 119 منصة في ديسمبر 2023، مقابل 162 منصة في سبتمبر 2022.
  • الأدهى من ذلك، أن ضخامة الإنتاج مع انخفاض التكاليف، خلقت وفرة في السوق، وضغوطاً غير مسبوقة. وقد تراجعت أسعار العقود الآجلة إلى 2.55 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في ديسمبر الماضي. ومن ثم إلى متوسط ​​1.80 دولار فقط في شهر مارس الماضي. وهو رقم قياسي آخر، لأنه الأدنى بالقيمة الحقيقية منذ العام 1990 عندما بدأ تداول العقود الآجلة.

الخلاصة: «بيرنس ونفوذ» على «شماعة المناخ»

صحيح ان النفط والغاز يسهمان في زيادة الاحتباس الحراري ويفترض تقليص استهلاكهما كوقود. وكذلك تقليص الإنتاج بشكل تدريجي. ولكن الصحيح أيضاً أن هذا التقليص يجب أن يتم في الدول الصناعية الكبرى. فهي التي استهلكت طوال العقود الماضية ولا تزال تستهلك الجزء الأكبر من الوقود الأحفوري. وهي بالتالي التي راكمت المخزون الضخم من غازات الدفيئة في الجو، المتسبب بالتغير المناخي كما يقولون.

تسعى مجموعة الدول السبع إلى فرض «المعادلة الفذة» وهي: إنتاج النفط والغاز بأعلى المعدلات، والبيع بأقل الأسعار

أما الأصح من هذا وذاك، فهو أن مطالبة الدول النامية بتقليص استهلاك النفط والغاز في حين تندفع الدول الكبرى لزيادة الإنتاج والاستهلاك، يصبح نوعاً من «التذاكي والخداع». خاصة عندما تقترن تلك المطالبة، بجهود منسقة لإقناع الدول الفقيرة بالتحول نحو الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري. وليتم فرض تلك «المعادلة الفذة» أي الإنتاج بأقصى المعدلات والبيع بأقل الأسعار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى