أميركا تنسحب من اتفاقية المناخ و «تحاكم» IEA… فهل يأتي دور IRENA؟

هل وُضِعت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) في دائرة المراجعة المتعلقة بالتوجهات الأميركية المناهضة للطاقة المتجددة والسياسات المناخية؟ فالوكالة قد تواجه أزمة وجودية، إذا قررت الولايات المتحدة الخروج منها، أو حتى الاكتفاء بتجميد المساهمة الإلزامية في ميزانيتها بعد أن قامت بوقف كل المساهمات الطوعية.
هل هناك مؤشرات ومعطيات تبرر طرح هذا التساؤل وتدعم التخوّف على مصير الوكالة؟
لنلاحظ بدايةً أن أهمية موقف أميركا لا يرجع إلى كونها المساهمة الأكبر في الوكالة فحسب، بل إلى وزنها وتأثيرها. ولنلاحظ أيضاً أن الولايات المتحدة اقتربت خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى من الخروج من الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «أيرينا»، ولكنها اكتفت بوقف المساهمات الطوعية بالغة الأهمية في تمويل برامج وأنشطة الوكالة.
إقرأ أيضاً:
أوروبا أمام الخيار المؤلم: مقايضة الأمن بالمناخ
البنك الدولي بين تمويل التنمية والمناخ: بايدن يعتبر بانغا «القائد التحويلي» (2 من 2)
ومع أنه لم تصدر حتى الآن أية تصريحات مباشرة من المسؤولين الأميركيين بشأن IRENA تحديداً، لكن تتجمع الكثير من المعطيات والمؤشرات على مستويين مترابطين. الأول يتعلق بعضوية الولايات المتحدة في المنظمات الدولية ذات الصلة بالبيئة والمناخ، كما يتعلق بالتزامها بالاتفاقيات متعددة الأطراف. والمستوى الثاني يتعلق بالتغيير الجذري في التوجهات والسياسات العامة الأميركية بشأن الطاقة المتجددة والمناخ.
أولاً: عضوية أميركا في الاتفاقيات والمنظمات الدولية
اتخذت الإدارة الأميركية خلال الفترة الماضية سلسلة من الخطوات والقرارات الخاصة بمراجعة عضويتها في الاتفاقيات والمنظمات والمبادرات ذات الصلة بالمناخ والطاقة المتجددة. لعل أبرزها، وأكثرها دلالة على عمق هذا التوجه، ما يلي:
- الانسحاب من صندوق الخسائر والأضرار: في 4 مارس 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية انسحاب الولايات المتحدة من مجلس إدارة صندوق الخسائر والأضرار. وأبلغت رئيس المجلس أن التنفيذ سيتم «بشكل فوري». وجاء الانسحاب استكمالاً للتوجه الذي بدأ مع الإدارة الديمقراطية. حيث تعهدت الولايات المتحدة بأن تساهم في الصندوق بمبلغ 17.5 مليون دولار فقط. وهو مبلغ يُعتبر ضئيلاً مقارنةً بالتزامات دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا، ومقارنة بالاحتياجات. وقد بلغ إجمالي التعهدات بتمويل الصندوق حوالي 750 مليون دولار. وكان الصندوق قد تأسس بعد خلافات حادة بين الدول النامية والمتقدمة. حيث لعبت مصر ودولة الإمارات دوراً بارزاً في صدور قرار إنشائه خلال مؤتمر (COP27) في شرم الشيخ عام 2022. وفي إطلاقه رسمياً واتخاذ قرار التشغيل والتمويل خلال مؤتمر (COP28) في دبي عام 2023.
- الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ: عقب تنصيبه مباشرة، أي في 20 يناير 2025، وقّع الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ وإنهاء جميع الالتزامات المالية المرتبطة بها. وقال قبيل التوقيع: «سأنسحب على الفور من خدعة اتفاقية باريس غير العادلة والمنحازة». وكان لافتاً، قيام السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، بعد أسبوع واحد، بتقديم إشعار رسمي بالانسحاب من الاتفاقية، على أن يصبح ساري المفعول في 27 يناير 2026.
التهمة: تبني نزعة خضراء ملتبسة
- «محاكمة» وكالة الطاقة الدولية IEA: بادرت الإدارة فور استلام مهامها إلى تصعيد «محاكمة» وكالة الطاقة الدولية، التي بدأها الكونغرس في مارس 2024. والتهمة هي حمل لواء التغير المناخي وتبني «نزعة خضراء ملتبسة» مقابل «مناهضة النفط والغاز وتهديد أمن الطاقة». ونقل تقرير أصدرته S&P Global Commodity Insights عن مسؤولين في الإدارة، أن الخيارات المطروحة تتراوح بين تغيير الإدارة التنفيذية وإعادة تصويب المسار. وبين وقف التمويل الأميركي كمقدمة لوضع مصير الوكالة على بساط البحث.
إقرأ أيضاً:
الكونغرس الأميركي يتهم ويحاكم وكالة الطاقة الدولية
وكالة الطاقة الدولية بين تغيير المدير العام ووقف التمويل الأميركي
وكما حصل مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA، كان الرئيس ترامب قد أجّل خلال ولايته الأولى اتخاذ قرار بخفض التمويل الأميركي لوكالة الطاقة الدولية «لإعطاء فرصة لتصحيح المسار». كما أعلن حينذاك ديف بانكس، مسؤول شؤون الطاقة الدولية والبيئة في مجلس الأمن القومي.
- التلويح بانسحابات أخرى: توالت خلال الفترة الماضية تصريحات صادرة عن مسؤولين سابقين في إدارة ترامب انتقدت “الإفراط في الإنفاق على المنظمات متعددة الأطراف المعنية بالمناخ والطاقة المتجددة”، في إشارة ضمنية وعلنية أحيانًا إلى المنظمات الدولية وبرامج الأمم المتحدة المعنية بالمناخ والبيئة والطاقة المتجددة.
ثانياً: سياسات مناهضة للطاقة المتجددة والمناخ
بادر الرئيس ترامب فور توليه منصبه إلى إصدار سلسلة من القرارات والأوامر التنفيذية تستهدف تصفية تركة الإدارة الديمقراطية المتعلقة بالمناخ والطاقة المتجددة. ومن أبرزها وقف صرف أكثر من 300 مليار دولار من التمويل الفيدرالي المخصص للبنية التحتية الخضراء. وأردف ذلك بتخفيض حجم الإعفاءات الضريبية والتحفيزات الفيدرالية المقدمة لمشاريع الطاقة المتجددة.
وفي أبريل 2025، أوقفت الإدارة مشروع “إمباير ويند” لطاقة الرياح البحرية قبالة سواحل نيويورك. كما ألغت وزارة الطاقة الأميركية تمويلاً بقيمة 10 مليارات دولار لمشاريع الطاقة النظيفة. أما وكالة حماية البيئة، فألغت برنامجًا بقيمة 20 مليار دولار لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض.

تداعيات الموقف الأميركي على الوكالة
تتمثل أبرز تداعيات وقف أو تقليص التمويل الأميركي للوكالة في مجالين: الأول مباشر، باعتبار أن أميركا هي أكبر دولة مساهمة في ميزانية الوكالة، إذ تُقدّر المساهمة الإلزامية بحوالي 22 في المئة من الإجمالي. والثاني، وربما الأهم، أنه يشكل رسالة سلبية لبقية الدول الأعضاء بشأن الدور المستقبلي للوكالة. الأمر الذي يدفع ببعض الدول لأن تحذو حذو أميركا، ليس في الجانب المالي فحسب، بل في الجانب المتعلق بتقليص الدعم لأنشطة وبرامج الوكالة.
وعليه، قد يكون المطلوب المبادرة إلى تقييم التوجهات العامة لـ IRENA، وتجنب بالمفاضلة بين الطاقة المتجددة والنفط والغاز. خاصةً وأنه بات مؤكداً استحالة الاعتماد على الطاقة النظيفة وحدها لتلبية الطلب المتصاعد على الطاقة. كما بات مؤكداً أن الموازنة بين أمن الطاقة وأمن المناخ هي المقاربة الموضوعية والصحيحة. كما أنها المقاربة التي قد تُسهم في التخفيف من حدة الأزمة المحتملة مع أميركا. وكذلك في حشد المزيد من الدعم من قبل الدول الأعضاء، ومن قبل دولة المقر أي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بذلت جهوداً كبيرة وقدمت دعماً أكبر لضمان قيام الوكالة وتطورها.