الصندوق السيادي اللبناني: ابتكار لمواجهة «التناهب» والانهيار

قد يشكل مشروع قانون الصندوق السيادي اللبناني نموذجاً مبتكراً في صناعة الصناديق السيادية. والأهم أنه يشكل نموذجاً على قدرة بعض النواب الشباب من أحزاب وتوجهات سياسية مختلفة بل متصارعة، على خلق مساحة للتلاقي والتفاهم وسط ركام الانهيار الاقتصادي والسياسي والأخلاقي. ودون الجزم بأسباب هذا التفاهم المستغرب، لكن هذه المساحة سمحت بإقرار وتمرير لكي لا نقول تهريب، مشروع القانون في “اللجنة الفرعية للصندوق السيادي” بعد دمج أربعة مشاريع قوانين.

طبعاً الإنجاز المحقق في اللجنة الفرعية قد “يسقط” في أدراج مجلس النواب، أو يعدل ويفرغ من مضمونه في اللجان المشتركة أو في الهيئة العامة. خاصة إذا تأكد أركان ما يسمى المنظومة من مصرفيين وتجار وسياسيين، ان مشروع القانون يمنع أو على الأقل “يعيق عملهم” لتناهب ثروة الغاز والنفط.

تطوير وتحصين 

الأمر الذي يضع أعضاء اللجنة الفرعية أمام مسؤولية الدفاع عن قناعتهم “بمشروعهم” حتى داخل أحزابهم. كما يضع الجميع أمام مسؤولية تحصين المشروع بخلق حالة من الوعي والتأييد الشعبي والسياسي حوله. إضافة إلى السعي لتطويره وسد الثغرات الموجودة. ويجدر التنويه في هذا السياق باللقاء الحواري الذي نظمه الحزب التقدمي الإشتراكي وضم مجموعة من الخبراء وممثلي الهيئات والجهات المعنية. وشارك فيه النواب “الشباب”: فيصل الصايغ، الآن عون، راجي السعد، رازي الحاج، عدنان طرابلسي وغادة أيوب.

وكان لافتاً في اللقاء إضافة إلى الحوار الذي أدارته عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي لما حريز، حالة التناغم بين النواب المشاركين والحرص على إيجاد قواسم مشتركة للمسائل الخلافية، مثال جهة الوصاية على الصندوق. ومعروف ان مشاريع القوانين الأربعة المدمجة كانت متشابهة إلى حد بعيد في المبدأ. ولكنها تختلف في طريقة الإدارة وجهة الوصاية. إذ وضعت الوصاية لدى رئاسة الجمهورية في مشروع التيار الوطني الحر. ولدى وزارة المالية في مشروع حركة أمل. في حين نص مشروع القوات اللبنانية على أن يكون الصندوق جهة مستقلة تماماً عن أي سلطة وصاية. وحمل مشروع الحزب التقدمي الإشتراكي ما يشبه الحل الوسط بجعله مؤسسة عامة ذات طابع خاص تحت وصاية وزارة المالية.

تأسس الصندوق.. فأين الموارد

أن وصف فكرة ومشروع قانون الصندوق السيادي اللبناني بالمبتكرة ليست للمجاملة، بل تستند إلى عدم انطباق المفهوم التقليدي للصناديق السيادية على الحالة اللبنانية. ويستند هذا المفهوم على تولي الصندوق السيادي، إدارة الفوائض المالية الناجمة عن استغلال ثروات الموارد الطبيعية في أي دولة. ويكون الهدف تعظيمها وتوظيف جزء من الأرباح في التنمية. إضافة إلى حفظ جزء من تلك الفوائض للأجيال المقبلة. وذلك لا ينطبق على لبنان لأنه لا يمكن أن يتكون فائض مالي من موارد النفط والغاز لسببين:

  • الأول: الحاجة الماسة لأي مورد مالي للإنفاق على تسيير مرافق الدولة الأساسية، وتحريك العجلة الاقتصادية. معطوفة على حالة الفساد والهدر المستشرية والمتأصلة في تركيبة النظام اللبناني القائم على المحاصصة والزبائنية. والتي استنزفت ولا تزال موارد الدولة وأصولها. بل وصلت إلى مدخرات الناس وودائعهم.
  • الثاني: هناك موارد غازية ونفطية مؤكدة في المياه البحرية اللبنانية. لكن يستحيل تقدير حجم المخزونات وعوائدها المالية إلا بعد حفر أكثر من بئر في كل مكمن محتمل. ويوجد في العالم آلاف المكامن المحتملة التي تم إهمالها بعد الحفر لعدم جدواها. وكل ما يحكى عن حقول عملاقة تقدر عائداتها بمئات مليارات الدولارات، هو “بيع أوهام” لأغراض سياسية وانتخابية.

أما الحديث عن دورة التراخيص الثانية وتلزيم بقية البلوكات ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في العوائد مستقبلاً، فهو أمر يحتاج إلى تدقيق. وذلك بالنظر إلى صعوبة ترسيم الحدود مع سوريا في المدى المنظور. وصعوبة أكبر في ترسيم الحدود مع قبرص في ظل مطالبة تركيا بمنطقة اقتصادية خالصة لجمهورية شمال قبرص ما يعني ضمناً انتظار حل المسألة القبرصية قبل الترسيم. وهو الأمر الذي يضع عملياً خمسة من أصل ثمانية بلوكات معروضة للتلزيم خارج الاهتمام. وبالمناسبة ماذا تنتظر حكومة تصريف الأعمال لتعيد الاعتبار لهيئة إدارة قطاع البترول التي قامت وتقوم بعمل كبير، إن لم يكن بتعديل القانون لتصبح هيئة ناظمة بالفعل، فعلى الأقل بإعادة تشكيل مجلس الإدارة الذي تراجع عدده إلى ثلاثة.

أصول الدولة و”غول” جمعية المصارف

ذلك يطرح سؤالاً قد يكون جديراً بالبحث والدراسة من قبل النواب وخبراء القانون والاقتصاد. وهو إذا كان هدف الصندوق السيادي حماية عائدات النفط والغاز من تناهبها، فلماذا لا يتم التفكير بوضع جزء من أصول الدولة خاصة العقارية منها بتصرف الصندوق السيادي. ولماذا يتم حصره موارده بالنفط والغاز فقط. ويكتسب السؤال مشروعيته من الحاجة إلى الموارد أولاً. وثانيا وهو الأهم من الحاجة إلى تهريب هذه الأصول من أمام “غول” جمعية المصارف وشركائها من التجار والسياسيين، التي تسعى جاهدة لوضع اليد عليها من خلال مشروعها الجهنمي لإنشاء ما يسمى زوراً “صندوق سيادي” يستهدف ـ كما يروجون لاستدرار العطف والتأييد ـ  إعادة أموال المودعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى