طاقة الاندماج النووي: تعاون دولي لتبادل الأسرار والمعلومات

ورشة ITER: «طاقة الاندماج للجميع، والجميع لطاقة الاندماج»

شهد الأسبوع الحالي لحظة مفصلية في مسيرة التعاون الدولي بين القطاعين العام والخاص في مجال طاقة الاندماج النووي. تمثلت بقيام المفاعل الدولي ITER «إيتر» بكشف الستار عن كافة المعلومات والأبحاث المتاحة لديه.

Pietro Barabaschi

وشكل ذلك استعادة للحظة مفصلية أكثر أهمية للتعاون بين الشرق والغرب من خلال رفع السرية عن أبحاث الاندماج خلال قمة «الذرّة من أجل السلام» عام 1958. وترجم هذا التعاون في العام 1985 باتفاق 35 دولة بينها أميركا والصين والاتحاد الأوروبي، على إنشاء منظمة دولية بإسم ITER  «إيتر» تتولى إنشاء مفاعل للطاقة الاندماجية.

وكما فتحت قمة 1958 المجال للتعاون بين نظامين متناقضين ومتصارعين هما الاتحاد السوفياتي والغرب. وذلك بعد التأكد من صعوبة وعدم جدوى استخدام الاندماج النووي لأغراض عسكرية. فإن ورشة العمل التي نظمتها «إيتر» جمعت نظامين ولكن «متنافسين» هذه المرة، هما الصين والغرب.

قمة جنيف 1958 رسخت أسس التعاون بين الشرق والغرب، وورشة ITER رسخت التعاون بين القطاعين العام والخاص

ولكن الأهم من ذلك أن الورشة، جمعت «مجتمعين» مختلفين في التوجهات والمنطلقات والأهداف هما القطاع الخاص والقطاع العام. كما أعادت تكريس مبدأ رفع السرية عن أبحاث الاندماج حتى بين الشركات الخاصة. وذلك ما عبر عنه بوضوح شعار الورشة وهو «طاقة الاندماج للجميع، والجميع من أجل طاقة الاندماج».

إقرأ أيضاً: طاقة الاندماج النووي: سباق أميركي صيني على «صناعة الشمس» (1 من 5)

ورشة ITER: كشف أسرار الإندماج النووي

جمعت ورشة ITER كافة الجهات الرئيسية الفاعلة في طاقة الاندماج النووي. إذ حضرها حوالي 350 مشاركاً من ممثلي الوكالات والمختبرات الحكومية، والوكالات الوطنية لمشروع مفاعل «إيتر». وممثلي الشركات العاملة في صناعة الاندماج، ومصنعي المكونات والأجهزة والمواد، وكبار العلماء والخبراء. من بينهم نحو 50 رئيساً ومديراً تنفيذياً لكبريات شركات الاندماج.

تكتسب ورشة إيتر أهميتها من حقيقتين:

الأولى: رسوخ القناعة بالتعاون وتبادل المعلومات والأسرار، لتحقيق الهدف الذي قد يكون الأكثر طموحاً في تاريخ البشرية. وهو الإنتاج التجاري للاندماج النووي، كما قال أندور هولاند رئيس الجمعية الدولية للاندماج fusion industry association. والسبب هو تعدد المجالات المعرفية والتكنولوجية والتنظيمية المطلوب تطويرها من خلال الأبحاث والتجارب. بحيث يتم من خلال التعاون وتبادل المعلومات، تحويل عمليات التطوير المطلوبة إلى سلسلة متكاملة بدلاً من وضعها الحالي كحلقات منفصلة وجزر معزولة. وهو ما يعطي قوة دفع كبيرة لصناعة الاندماج النووي ويعجل بتحقيق الهدف.

إقرأ أيضاً: طاقة الاندماج النووي: فورة استثمارات خاصة تعجل “موسم الحصاد” (2 من 5)

الثانية: ضخامة الاستثمارات اللازمة لتجاوز كافة العقبات التقنية والمعرفية وتطوير تقنيات جديدة. خاصة وأن من يقود جهود الاندماج النووي حالياً، هي الشركات الخاصة. ما يعني صعوبة بل استحالة تمكن شركة واحدة، أو حتى دولة واحدة، من توفير الاستثمارات اللازمة. ويستدل على ذلك من ضآلة الاستثمارات المتوفرة للشركات رغم النمو الكبير في أعدادها والنمو النسبي في تمويلها. إذ يوجد حالياً أكثر من 50 شركة ناشئة موزعة على 12 دولة. ورغم طرحها لعدة اكتتابات عامة ومشاركة مستثمرين كبار مثل بيل غيتس وجيف بيزوس، فإن إجمالي التمويلات المتوافرة لها لا تتجاوز 6 مليارات دولار حتى الآن. وذلك باستثناء الشركات الصينية (شبه الحكومية). ومن بينها مجموعة ENN التي تعتبر أكبر «شركات» الاندماج في العالم. والتي لا يعرف على وجه الدقة حجم تمويلها واستثماراتها.

Melanie Windridge

لماذا الآن؟

الجواب بكل بساطة لأن طاقة الاندماج النووي إذا لم تصبح «جاهزة تماماً» الآن، فهي في طريقها لأن تكون كذلك قريباً، كما  قال المدير العام لمنظمة  ITER بيترو باراباسكي Pietro Barabaschi. ما يسمح خلال مدة زمنية مقبولة بالانتقال إلى مرحلة المفاعل الإيضاحي demo، أي توليد الكهرباء بطريقة مستدامة وربطها بالشبكة. تمهيداً لمرحلة المفاعلات الاندماجية التجارية.

مدير عام «إيتر»: تبادل المعلومات حول «ما فعلناه ولماذا فعلناه»، والأهم حول «ما فعلناه وما لم يكن ينبغي أن نفعله»

وقد أعلن عدد من شركات الاندماج أنها ستتمكن من بناء أول مفاعل إندماجي لتوليد الكهرباء قبل نهاية ثلاثينيات القرن الحالي. ومع أن هذا الهدف يبدو طموحاً أو حتى مستبعداً في ظل المعطيات الحالية. ولكن الدينامية التي تعمل بها هذه الشركات، قد تجعله قابلاً للتحقيق ربما قبل الموعد المعلن. خاصة إذا نجحت الشركات والمنظمات المعنية، في إرساء أسس واضحة للتعاون وتبادل الأسرار والمعلومات. وكذلك إذا تواصل وتعمق العمل وفق مبدأ «التفكير خارج الصندوق» لناحية تجربة وتطوير تقنيات جديدة. سواء في طرق الاندماج أو في الوقود المستخدم أو تصنيع المكونات الخ…

andrew holland

… ولماذا الورشة؟

من هنا تأتي أهمية ورشة ITER، لأنها تشكل ترجمة فعلية لمقولة التعاون وتبادل المعلومات ونتائج الأبحاث. خاصة وأن تجربة إنشاء المفاعل الدولي تكتنز قدراً كبيراً من المعارف والخبرات والمعلومات لمشاركتها مع مجتمع الاندماج الدولي. فهو يعتبر أقوى وأكبر مفاعل إندماجي حتى الآن، وبات في مرحلة التجميع النهائي تمهيداً لتشغيله. وتحقق ذلك بعد سلسلة من المشاكل والمعوقات والتأجيل على مدى عدة سنوات. وهو ما أكده باراباسكي بقوله: «ما نعرضه ونضعه بتصرف القطاع الخاص هو المعلومات التي لن تكون متاحة في المؤتمرات والندوات». مؤكداً ان ذلك ليس «منّة بل قناعة راسخة. فالشركات لا تتسول و «إيتر» لا يتصدق عليها».

إقرأ أيضاً: طاقة الاندماج النووي: أنواع المفاعلات وطرق الاندماج  (5 من 5)

وتتناول المعلومات والخبرات المتوافرة والمفترض تبادلها، مروحة واسعة من المجالات تشمل على سبيل المثال: المواصفات الفنية للأجهزة. والطرق المعتمدة لتحقيق الاندماج سواء المعروفة والمستخدمة على نطاق واسع مثل الحبس المغناطيسي والحبس بالقصور الذاتي (الليزر). أو المعروفة ولم تحظ بالاهتمام الكافي ويمكن تطويرها بفضل التقدم التكنولوجي والفهم الأفضل للفيزياء. أو حتى طرق جديدة كلياً تستند إلى مبادئ وترتيبات فيزيائية لم يفكر فيها أحد من قبل. يضاف إلى ذلك أنواع الوقود وطرق ضخها في المفاعلات. وكذلك تصميم مواد ومكونات ومغناطيسات حبس البلازما. وأنظمة التدفئة ومعالجة النفايات والعوادم والجوانب التنظيمية الخ…

تبادل المعلومات ونشر الوعي

يتكامل تبادل الخبرات والمعارف بين أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص، مع نشر المعرفة والوعي بأهمية طاقة الاندماج في أوساط المستثمرين والممولين والرأي العام. وذلك ما تتولاه منظمة فيوجين إنيرجي إنسايت  (Fusion Energy Insights (FEI التي تلعب دور “مترجم إندماجي” كما تقول رئيسة المنظمة ميلاني ويندريدج  Melanie Windridge . وأوضحت أن المنظمة تعمل على تجاوز «قلاع المعلومات» التي تنمو وتتعاظم عندما لا يكون هناك وعي كافٍ بما يفعله الآخرون، نتيجة عدم كفاية التواصل.

ختاماً يختصر باراساكي أهمية الورشة بقوله: أنها تتعلق بتبادل المعلومات حول «ما فعلناه ولماذا فعلناه»، إضافة إلى مسألة أهم تتعلق بـ «ما فعلناه وما لم يكن ينبغي أن نفعله»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى