«الخداع الأخضر»: تكلفة الطاقة الشمسية ستكون دائماً أعلى!؟

تناول الجزء الأول من هذا المقال، حديثاً بالأرقام والحقائق عن “الخداع” الذي تمارسه الدول الغربية بإقناع الدول الأفريقية بالتخلي عن الغاز والفحم لتوليد الكهرباء. والاعتماد بدلاً من ذلك على الطاقة الشمسية التي ستنقلهم مباشرة من مرحلة انعدام الطاقة إلى «نيرفانا» الطاقة الخضراء. ويتناول الجزء الثاني حديثاً بالأرقام عن التكلفة الحقيقية للطاقة الشمسية، والجزء الثالث عن أضرار ها البيئية والمناخية.

 

هل الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية أغلى أم أرخص من تلك المولدة بالغاز والفحم؟

سؤال يتمحور حوله نقاش جدي بين مؤيد ومعارض، على مستوى الخبراء والشركات والحكومات في كل دول العالم. وهو نقاش قد يؤدي إلى إعادة النظر في جدوى التوسع بمشاريع مزارع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. مع ميل للتركيز على المشاريع المرتبطة بإنتاج الهيدروجين الأخضر، وعلى مشاريع الطاقة الشمسية المنزلية. ولما كانت حجج ومعطيات أنصار الطاقة الشمسية، هي الطاغية، فسنعرض بعضاً من حجج المناوئين لها.

هل الطاقة الشمسية مشكوك بجدواها؟

مع أن الجواب بـ “نعم” قد يكون صادماً ومستفزاً، في ظل وجود قناعة عامة بأن الطاقة الشمسية أرخص. ولكن هناك دراسات تؤكد أنها أغلى بكثير. وتوضح هذه الدراسات كيف يتم “دفن” تلك الحقيقة تحت ركام عشرات الدراسات “المضللة” كما يصفها المناوئون. حيث يتم تغيب العديد من عناصر التكلفة.

تظهر الدراسات أن معيار الوقت اللازم لاسترداد الطاقة EPBT، يتراوح في أستراليا بين 15 و 24 سنة وليس 3.7 سنة

ويلاحظ أن المعايير المتعارف عليها لقياس الجدوى، ليست موضع إجماع. وينطبق ذلك على أهم هذه المعايير وهو الوقت اللازم لاسترداد الطاقة EPBT والعائد على الاستثمار. الذي يعني أن تكون الكهرباء المولدة فعلاً من أي نظام للطاقة الشمسية أكبر من الطاقة المستخدمة لإنتاجه وتشغيله.

المستغرب ان الرقم المتداول على نطاق واسع لوقت الاسترداد يتراوح بين سنة واحدة وخمس سنوات لطاقة أسطح المنازل. ولكن الرقم غير صحيح لأنه يعتمد العائد على الألواح الشمسية فقط التي يقدر عمرها الافتراضي بين 25 و 30 عاماً. ولكن الألواح لوحدها ليست نظاماً للطاقة. كما أن هذا التقييم يصلح لأنظمة الطاقة المنزلية المرتبطة بالشبكة الوطنية. حيث يتم تغذية الشبكة في النهار والسحب منها في الليل، ولا يصلح للأنظمة غير المرتبطة.

“دفن” عناصر التكلفة

وعليه، فإن تحديد وقت الاسترداد يغيب العوامل التالية:

  • تكلفة استبدال بطاريات الليثيوم بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات. باعتبار ان عمرها الافتراضي يبلغ عشر سنوات. مع أنه ثبت بالتجربة ان غالبية المستهلكين في أوروبا وأميركا يقومون باستبدالها بعد مرور خمس سنوات. ما يرفع معدل الاستبدال إلى 5 ـ 6 مرات. ويتم عادة تجديد البطاريات المستخدمة وبيعها إلى الدول النامية. (يبلغ سعر البطارية في لبنان مثلاً حوالي 2500 دولار بدلاً من 8 آلاف دولار).
  • تكلفة استبدال الألواح قبل انتهاء عمرها الافتراضي. لأسباب تتعلق بتطور التكنولوجيا وزيادة الفعالية وتراجع الأسعار. يضاف إلى ذلك السبب المتعلق بالاستفادة من الدعم الحكومي قبل تخفيضه أو إلغائه كما يحدث حالياً في أميركا وأوروبا.
  • تكلفة شحن البطاريات، وتدفع بشكل مباشر لشركة الكهرباء إذا كان المنزل مرتبطاً بالشبكة الوطنية. وإما بشكل غير مباشر عبر الاضطرار لزيادة عدد الألواح وعدد البطاريات أو طاقة تخزينها.
  • تكلفة الدعم الحكومي السخي الذي وصل في أميركا إلى 40 في المئة قبل أن يتم تخفيضه تدريجياً.

 استرداد الطاقة مستحيل

ونسوق للتوضيح مثالاً من أستراليا. فقد كان الرقم المتداول لمعدل الاسترداد EPBT بحدود 3.7 سنوات. ولكن تبين عدم صحته كما أكدت دراسة شاملة لأنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، شملت ثلاثة مدن رئيسية. وأظهرت أن معدل الاسترداد يتراوح بين 15 و 24 عاماً. وهو رقم يفوق العمر الافتراضي للبطارية بمعدل مرتين. ونسارع للتوضيح أن أداء مزارع الطاقة الشمسية أسوأ بكثير من أداء الطاقة الشمسية المنزلية وليس العكس كما يروج البعض.

اقرأ: «الخداع الأخضر»: الوقود الأحفوري للأغنياء.. و «نيرفانا» الطاقة الشمسية لفقراء أفريقيا

مثال آخر من إفريقيا تضمنته دراسة “لتحليل وقت استرداد الطاقة والعائد على الاستثمار في الأنظمة الكهروضوئية” في بعض دول جنوب الصحراء، قادها Yoko Tsuchiya يوكو تسوتشيا، من معهد أبحاث صناعة الطاقة الكهربائية الياباني. وأظهرت أن معدل الاسترداد هو بحدود 30 سنة وليس 3 سنوات. وخلصت الدراسة إلى أن “استعادة الطاقة مستحيلة.”

تكلفة الطاقة الشمسية ستكون دائماً أعلى. والأخطر انها ترتفع كلما زاد عدد المشاريع، وليس العكس

الخلاصة: تكلفة أعلى

تكلفة كهرباء الشمس ستكون دائماً أعلى من كهرباء الفحم والغاز. وهذه الحقيقة يعرفها جيداً السياسيون و”متطرفو” البيئة والمناخ والشركات المصنعة للمكونات، والمنفذة للمشاريع. والأخطر من ذلك ان التكلفة والأسعار لا تنخفض مع التوسع بمشاريع الطاقة المتجددة، كما يروجون. بل بالعكس فإنها ترتفع كلما زاد توليد الطاقة الشمسية.

وإذا كانت الدول الغنية استطاعت حتى الآن إخفاء هذه المعضلة من خلال الدعم السخي. فهي لن تستطيع الاستمرار بذلك كما بدأ يظهر فعلاً من خلال تخفيض الدعم والإعفاءات.

وإذا كانت شعوب هذه الدول استطاعت ولو بصعوبة التكيف مع ارتفاع أسعار الكهرباء، وتحمل بعض الألم بسبب السياسات المناخية. لكن مئات ملايين الفقراء في افريقيا والدول النامية ذات الدخل المنخفض لا يستطيعون ذلك. ومن الظلم مطالبتهم بعدم استخدام الوقود الأحفوري حماية للبيئة والمناخ، حتى لو كان الثمن حرمانهم من الكهرباء والتضحية بالتنمية الاقتصادية.

نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور، أعلن خلال قمة المناخ «كوب 27» في شرم الشيخ، “إن أفريقيا ستكون القوة العظمى بالطاقة المتجددة”. فهل يتراجع عن هذا التوقع في قمة «كوب 28» في أبوظبي؟ أم يجددها مع “وعد جديد” لفقراء أفريقيا بـ “نيرفانا” الطاقة الخضراء مقابل تصدير ثرواتهم من الوقود الأحفوري؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى