الطاقة المتجددة بين طموحات «التحول» وحقيقة «الإضافة»

في ظل الزخم العالمي المتصاعد لتوسيع دور الطاقة المتجددة، تبرز تساؤلات مشروعة حول مدى واقعية الأهداف الطموحة التي تتبناها الدول والمنظمات الدولية حتى عام 2050. ومدى توافقها مع التحديات الفعلية على الأرض، لا سيما في الدول النامية. فبينما تسود نغمة التفاؤل، تبقى الفجوة بين الطموح والقدرة التنفيذية قائمة، ما يستدعي مراجعة دقيقة للمسار الراهن.
أهداف طموحة
تم وضع جملة من الأهداف الكمية للتحول نحو الطاقة الطاقة المتجددة. وتُعد الطاقة الشمسية المحور الأساسي لهذا التحول، إذ تُصنف بوصفها المصدر الأرخص للطاقة الجديدة ويُتوقع أن توفر ما بين 25 إلى 35 في المئة من إجمالي الكهرباء عالمياً خلال العقود المقبلة. ويُتوقع أن تسهم طاقة الرياح بنسبة تتراوح بين 15 و 25 في المئة من الطلب العالمي، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا والصين. حيث تسجل معدلات نمو ملحوظة، سواء في المشاريع البرية أو البحرية.
إقرأ أيضاً: الطاقة الشمسية المنزلية: تراجع حاد وإفلاس مئات الشركات بسبب انتهاء الدعم
أما الطاقة الكهرومائية، فستحافظ على موقعها بوصفها مصدراً مستقراً وقابلاً للاعتماد. مع إمكان مساهمتها بنسبة تتراوح بين 16 و 20 في المئة من الإمدادات العالمية، رغم التحديات الجغرافية والبيئية التي قد تحدّ من نموها. وتبقى مساهمة المصادر الأخرى كطاقة الحرارة الجوفية، والموجية، والكتلة الحيوية مرهونةً بالاعتبارات الجغرافية واستخدامات الأراضي. وإن كانت التقديرات ترجّح أن تشكل مجتمعةً ما بين 5 و 10 في المئة من الإنتاج العالمي بحلول منتصف القرن.
ورغم أن الطاقة النووية تُدرج في بعض التقديرات بنسبة متواضعة تتراوح بين 5 و 10 في المئة، إلا أن هذه النسبة قد تكون دون الواقع المتوقع، بالنظر إلى الطفرات المحتملة في تقنيات الاندماج النووي التي تشكل بديلًا واعداً وآمناً في المدى البعيد.
ماذا عن الواقع والتحديات؟
هذه الطموحات لا تعكس الصورة الكاملة للواقع القائم. فحتى اللحظة، لا تزال مصادر الطاقة المتجددة تمثل حوالي 25 في المئة فقط من إنتاج الكهرباء عالمياً. فيما يحتفظ الوقود الأحفوري بهيمنته على منظومة الطاقة بنسبة تقارب 75 في المئة.
هنا تبرز الأسئلة الحاسمة: هل بالإمكان بلوغ تلك الأهداف في الإطار الزمني المحدد؟ وهل تستطيع دول العالم – وبخاصة النامية منها – تحمّل الكلفة المالية الضخمة لهذا التحول؟ وفي أي مدى زمني وبأي أدوات تنفيذية؟
التحدي الأكبر لا يكمن في التقنية بحد ذاتها، بل في مواءمتها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والتمويلي. ففي العديد من الدول، لا تزال البنية التحتية بحاجة إلى تحديث جذري. سواء من حيث شبكات الكهرباء أو القدرة على دمج مصادر متقطعة مثل الشمس والرياح. كما تمثل تقنيات التخزين تحدياً محورياً. إذ لا تزال البطاريات طويلة الأمد مرتفعة التكلفة ومحدودة التوفر.
معضلة قطاعات الصناعة والنقل والتدفئة
إلى جانب ذلك، تتطلب المرحلة المقبلة أطراً تنظيمية واضحة تشمل تسعير الكربون، وتوجيه الدعم المالي، وتطوير التشريعات. لكن ما يفاقم التحدي هو غياب العدالة في توزيع هذه التقنيات. حيث يواجه “الجنوب العالمي” صعوبات جمة في الوصول إلى الابتكار. في الوقت الذي باتت فيه الطاقة المتجددة أرخص من الوقود الأحفوري في عدد من الدول الصناعية الكبرى.
إقرأ أيضاً: «الخداع الأخضر»: الوقود الأحفوري للأغنياء.. و «نيرفانا» الطاقة الشمسية لفقراء أفريقيا
كذلك، فإن تحول قطاع الكهرباء لا يكفي وحده؛ إذ تبقى قطاعات النقل والصناعة والتدفئة أكثر تعقيداً في عملية إزالة الكربون، وتتطلب اتفاقيات دولية صارمة. كما تواجه الصناعات الثقيلة، والطيران، والنقل البحري تحديات فنية واقتصادية كبرى في التحول إلى الطاقة النظيفة.
كل هذه التحديات تدفع إلى الاعتراف بأن العالم، في المدى القصير والمتوسط، يعيش حالة “إضافة” وليس “تحولاً”، في مجال الطاقة. حيث يجري التوسع في الطاقة المتجددة دون تقليص جوهري للاعتماد على الوقود الأحفوري.
ومع أن الطاقة الكهربائية هي القطاع الأكثر قابلية للتحول، فإن إصلاح البنية الشاملة لاستهلاك الطاقة، سيستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً في حال تأخر التقنيات المرتبطة بالهيدروجين الأخضر، والوقود الحيوي، وكهربة الصناعة.
الخلاصة
الانتقال من نظام طاقة قائم على الكربون إلى نظام بديل أنظف وصديق للبيئة لن يكون رحلة سهلة، حتى في ظل السيناريوهات الإيجابية المطروحة. فالبنية التحتية الحالية تعاني من “القصور الذاتي”، إذ إن معظم السيارات ومحطات توليد الكهرباء والمصانع قد صُممت لتدوم لعقود طويلة. كما أن التكلفة لا تزال تشكل عائقاً كبيراً، حيث تعتمد العديد من الدول النامية بشكل أساسي على الفحم والنفط كمصادر رخيصة ومتوفرة للطاقة. يضاف إلى ذلك صعوبة إزالة الكربون من قطاعات رئيسية مثل الطيران والشحن والصناعات الثقيلة. وهي مجالات يصعب تحويلها إلى الكهرباء بسهولة، وتتطلب حلولاً تكنولوجية ومالية معقدة.
إقرأ أيضاً: معضلة المعادن النادرة: إطفاء الطاقة المتجددة وإشعال الإضطرابات (2/2)
من ناحية أخرى، تظل المصالح السياسية عاملاً مؤثراً، إذ تعتمد اقتصادات العديد من الدول على عائدات النفط والغاز. كما أن التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة يثير تحديات بيئية متزايدة تتعلق باستخدام الأراضي وتدمير المواطن الطبيعية في وقت تتصاعد فيه الدعوات إلى الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي. أضف إلى ذلك أن التعدين اللازم للحصول على المعادن النادرة المستخدمة في البطاريات والألواح الشمسية والبنى التحتية للطاقة البديلة، قد يؤدي إلى إزالة الغابات، وتلويث البيئة، واستنزاف الموارد المائية.