; الغاز هو الضحية الثالثة بعد حماس ونتنياهو - طاقة الشرق TAQAMENA

الغاز هو الضحية الثالثة بعد حماس ونتنياهو

هل تشكل حرب غزة بداية نهاية “الحفلة التنكرية” السياسية والعقائدية المتواصلة منذ عقود. حيث غطت أقنعة “تحرير فلسطين” وشعارات “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” مشاريع الهيمنة الحزبية والسياسية والشخصية والمذهبية.

وهل تدخل المنطقة مرحلة حسم التوجهات بين خيارين أو مسارين، الأول: اعتماد حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، مع تسويات تحفظ «ماء وجه» ومصالح القوى الإقليمية. فيعم الاستقرار وتزدهر “ممرات” التجارة والاستثمار. وتعود حفارات النفط للعمل، فيتم اكتشاف الغاز في حقل قانا، ويبدأ تطوير حقل غزة مارين. والمسار الثاني، هو حروب صغيرة وكبيرة بالوكالة والأصالة، تضبط إيقاعها بوارج وأساطيل الدول الكبرى. فيعم الخراب وتزدهر زواريب التهريب بين الكانتونات والكيانات المتقاتلة.

يستند هذا السيناريو على فرضية أن أميركا التي رعت وأدارت مرحلة “الحفلة التنكرية”، هي التي تدفع حالياً لانهائها. بعد أن استشعرت أنها باتت المتضرر الأول منها كنتيجة لتراجع قوتها الاقتصادية والعسكرية. واضطرارها لإدارة الصراعات بأسلوب تقديم التنازلات الأمر الذي عزز موقف الدول المناوئة وموقف الصين وذلك هو الخطر الأكبر. كما حدث حين تمت التضحية بمقتدى الصدر والمعارضة العراقية لتسهيل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ـ الإسرائيلية.

المبالغة في تصوير قوة كتائب القسام ، هل كان مقصوداً لتعجيل وتبرير شطبها من المعادلة ؟

يمكن القول أن أبرز ما يميز المقاربة الأميركية الجديدة، هو عدم التفاوض مع أي قوة إقليمية تحت ضغط التهديد بالحرب أو الاضطرابات الأمنية. ولتصبح الرسالة واضحة “نحن ننصح بعدم اللجوء إلى الحرب، ولكن من يريدها فليفعل” وقد مارست ذلك مع إيران، وحتى مع إسرائيل وتمارسه حالياً مع حزب الله. فأميركا تدرك كما غيرها، أنه لا قدرة لأي دولة على شن الحروب بغياب روسيا وإحجام الصين عن التدخل العسكري.

لماذا لجأت حماس وإيران للحرب ؟

تضافرت عدة عوامل دفعت حركة حماس وإيران لاتخاذ قرار المواجهة في غزة، أهمها:

  • اعلان ممر الهند ـ الخليج ـ أوروبا الذي يشكل ضربة قوية لموقع ودور إيران. وتلا ذلك تطور الحديث عن التطبيع السعودي ـ الإسرائيلي.
  • الضربة الكبرى في إقليم ناروغورنو كارباخ والتأييد الأميركي الغربي للممر الاقتصادي التركي الذي يربط أوروبا بأسيا الوسطى بالصين. والأهم مع التفريعة الجنوبية إلى ميناء الفاو المعروفة بإسم “القناة العراقية”.
  • انتهاء صلاحية اتفاقية (السجناء ـ الأرصدة) حتى قبل أن يجف حبر توقيعها. وتصاعد الحديث عن توجه أميركا للتشدد في تطبيق العقوبات على إيران. وخاصة تلك المتعلقة بتصدير النفط. إضافة إلى فرض قيود على استخدام المليارات المودعة في البنوك القطرية.
  • تصاعد الضغوط العسكرية الإسرائيلية والأميركية على الوجود الإيراني في سوريا. وتزامن ذلك مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الجنوب السوري. كما ترافق مع الضغط على لبنان للإنتهاء من تثبيت الحدود البرية مع إسرائيل، ما يؤدي علمياً إلى تشديد الطوق على شرعية سلاح حزب الله مع انتفاء المشاكل الحدودية.
  • تسريب معلومات خلال زيارة هوكشتين الأخيرة، مفادها أن إئتلاف الشركات العاملة في البلوك 9 (توتال، أيني، قطر للطاقة)، سيوقف عمليات الحفر لأنه لا يوجد أي مكمن للغاز. وهو ما تم فعلا إعلانه لاحقاً. الأمر الذي اعتبره حزب الله وإيران، طعنة في الظهر، وجعل اتفاقية الترسيم البحري بمثابة شيك بلا رصيد.

من أحرق ورقة حماس ؟

إذن الحرب كانت حاجة إيرانية حمساوية لكسر حالة الاستعصاء السياسي، ولتحريك المفاوضات. وكانت إيران ترى في القدرات العسكرية لكتائب القسام والجهاد مع «الاستخدام الرشيد» لها في عمليات نوعية، فرصة تاريخية لتحصين حقوق الفلسطينيين من جهة، ولتحسين شروطها التفاوضية مع أميركا المتعلقة بالنووي وبالنفوذ الإقليمي. ولكن لسبب «معلوم ـ مجهول»، تم الإفراط في استخدام القدرات العسكرية لحماس. والمبالغة الإعلامية في تظهير هذه القدرات بغزو اسرائيل براً وبحراً وجواً. واحتلال مستوطنات وقتل وأسر مئات الجنود والضباط. ولتكن النتيجة تحويل حماس إلى “بعبع جديد” أشبه بالقاعدة وداعش، ما يسهل تصفيته وسط تأييد وتصفيق العالم.

وهناك عشرات الأسئلة حول ما حدث صبيحة ذلك اليوم، وحول الجهات المشاركة علناً أو سراً، وحول عمليات القتل غير المفهوم للمدنيين، والتي يبدو أن مقاتلي القسام لم يشاركوا فيها او كانت مشاركتهم فردية ومحدودة. وللتوضيح فقط، لنلاحظ كيف يتم «الاستخدام الرشيد» لورقة القدرات العسكرية في تعاطي حزب الله مع فتح جبهة جنوب لبنان. لأن إيران ليست بوارد إحراقها. ولذلك فالمرجح أن يتواصل «الاستخدام الرشيد» للقوة العسكرية على جبهة الجنوب.

الإنقسام الفلسطيني وإعادة هيكلة السلطة 

النتيجة الأولية وبغض النظر عن تطورات الحرب، هي أن ورقة حماس وكتائب القسام قد أحرقت. وأسقطت من أيدي طهران التي كانت تمثل الراعي العسكري لها. وعادت بالتالي إلى أيدي الراعي العقائدي ـ المالي أي تركيا وقطر، وجانباً منها إلى أيدي الراعي أو الحاضن الأمني أي مصر. وإذا كانت حماس هي الضحية الاولى لهذه الحرب، فإن نتنياهو واليمين المتطرف الرافض لأي بحث بتسوية عادلة للفلسطينيين سيكون الضحية الأهم.

أما القوى الإقليمية المعنية مثل السعودية ودول الخليج ومصر وتركيا، فالمرجح أن تكون الرابح الأكبر. خاصة إذا تمكنت من فرض معادلة التطبيع مقابل حل الدولتين وتنفيذ مبادرة السلام العربية. وهو الحل الذي تؤيده أيضاً واشنطن.

وليبقى التحدي الكبير هو نجاح القوى الفلسطينية بإعادة الإمساك بزمام المبادرة. أولاً بإنهاء حالة الانقسام والقطيعة بين الضفة والقطاع. وثانياً بإعادة هيكلة وتأهيل منظمة التحرير لتضم حركة حماس وكافة الفصائل بدون استثناء. ومن ثم إعادة إنتاج سلطة وطنية جامعة والخروج من تلك التصنيفات والاصطفافات المعلبة. وبالمناسبة ألم يحن الوقت لكي تضغط الدول العربية لإطلاق سراح قيادات فلسطينية قد تلعب دور مهماً في المرحلة المقبلة، مثل مروان البرغوتي وأحمد سعدات.

الغاز الضحية الثالثة بعد حماس ونتنياهو

صناعة النفط والغاز في إسرائيل ستعاني من عمليات إقفال طويلة. بدأت في حقل تمار وتمتد تدريجياً مع تطور الأعمال العسكرية إلى الحقول الشمالية.

غاز لبنان في وضع قانوني ملتبس، وبات ملفاً منسياً على «رفوف مكاتب توتال»

ولكن صناعة النفط والغاز في لبنان وغزة، فستكون في طليعة ضحايا الحرب على المدى المتوسط. ففي لبنان تتمثل المشكلة بأن البلوكات الجنوبية التي تعتبر الأكثر قابلية لوجود مكامن ضخمة، تعتبر بحكم المصادرة أو ملفاً منسياً «على الرف في مكاتب توتال». ففي البلوك 9 مثلاً، أوفى الكونسورتيوم (توتال، إيني، قطر للطاقة)، بالتزاماته التعاقدية. وقام بحفر بئر «تبين أنها لا تحتوى سوى الماء». ولن يتم حفر أي بئر في المدى المنظور، وإلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

أما البلوكين الجنوبيين، 8 و 10 فقد وضعا بشحطة قلم من وزير الطاقة على ذات «الرف في مكاتب توتال». وتم ذلك من خلال الإعلان المفاجئ وغير المبرر من قبل الوزر، بإقفال دورة التراخيص الثانية. حيث سارع الكونسورتيوم ذاته للتقدم بعرضين للمزايدة على هذا البلوكين قبل ساعة واحدة من انتهاء المهلة القانونية. ولا يكفي أبداً القول ان الوزارة غير ملزمة بقبول العرضين ويمكنها رفضهما. فالرفض يجب أن يكون معللاً خاصة إذا كانت الشركات مستعدة للتفاوض بشأن الشروط.

ولوضع هذه الخطوة في سياقها السياسي، وتبيان أهميتها وخطورتها، نشير إلى ان البلوكات الجنوبية الثلاثة باتت في وضع قانوي ملتبس. وأنه لا يمكن للحكومة اللبنانية الاستعانة بشركات أخرى للتنقيب أو العمل في هذه البلوكات. أما “فك اسرها” فيتطلب إطلاق دورة تراخيص جديدة، بدل الدورة التي اقفلها الوزير. وإطلاق الدورة الجديدة لا يتم إلا بقرار من مجلس الوزراء. والجميع يعرف ان مجلس الوزراء لن يجتمع لفتح دورة تراخيص قد تتقدم لها شركات صينية أو ماليزية او روسية وبشروط مغرية. عاقل يحكي وعاقل يفهم.

ما ينطبق على لبنان ينطبق على حقل غزة مارين في فلسطين. فقد نجحت مصر بانتزاع هذه الحقل من أيدي الاسرائيليين في عملية قانونية سياسية معقدة تمت في فبراير 2021. وقضت بمقايضة حاجة اسرائيل لتصدير الغاز عبر محطات التسييل المصرية. مقابل موافقتها على قيام شركة «إيغاز» المملوكة للحكومة المصرية بالمشاركة في امتياز الحقل إلى جانب صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتّحاد المقاولين CCC. وتقدر احتياط الحقل بنحو 1 تريليون قدم مكعب، تغطي حاجة فلسطين لمدة 20 عاماً. وكان وزير البترول المصري المهندس طارق الملا قد توقع مطلع الشهر الجاري، إنجاز عمليات التطوير والحفر في حقل غزة مارين خلال أقل من عامين. ولكن نتائج الحرب قد تتطلب من الوزير الملا الذي تولى«هندسة» الاتفاقية، إعادة النظر بموعد الإنجاز .

الخلاصة: مساران متوازيان لا يلتقيان:

  1. المبادرة العربية للسلام، مع حفارات نفط وممرات تجارة واستثمار.
  2. مواصلة “الحفلة التنكرية” لتحرير فلسطين، مع بوارج وحروب وزواريب تهريب بين الكيانات المذهبية والعرقية المتقاتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى