; النرويج تبدأ التعدين في أعماق البحار: أخطار بيئية ومخاطر جيوسياسية - طاقة الشرق TAQAMENA

النرويج تبدأ التعدين في أعماق البحار: أخطار بيئية ومخاطر جيوسياسية

في حين كان متوقعاً أن تأخذ دولة ناورو ومن أمامها شركة ذي ميتالز The Metals الكندية زمام المبادرة بـ «غزو» معادن أعماق البحار، تقدمت النرويج «جحافل الغزاة». وأعلنت عزمها البدء بمنح التراخيص لأنشطة التعدين التجاري، متجاوزة بذلك القرارات الدولية بتأجيل هذه الأنشطة، وفاتحة الباب لمفاقمة التوتر في القطب الشمالي والمحيط الهادئ.

يأتي القرار بفتح باب التراخيص في 108 آلاف ميل مربع من المياه البحرية، بعد توافق جميع الأحزاب النرويجية. وذلك بالرغم من الاعتراضات العنيفة لنشطاء البيئة. حيث وصف مارتن ويبلر، الباحث في مؤسسة العدالة البيئية قرار الحكومة بـ «النفاق» لأنه «يتعارض مع إعلان حرصها الدائم على تطبيق أعلى المعايير البيئية، كما يتعارض مع كل المعطيات العلمية والنصائح التي قدمت لها». ولكن الأهم أن القرار يتعارض مع القرار الصادر عن الهيئة الدولية لقاع البحار (ISA) في اجتماعها الأخير في يوليو 2023، بتأجيل التعدين التجاري لمدة سنتين. وإلى حين استكمال دراسات الأثر البيئي وتقييم حجم الأضرار المتوقعة. ولذلك نص القرار النرويجي على شرط قيام الشركات المعنية بإجراء دراسات بيئية تفصيلية قبل بدء الاستخراج.

اندفاعة النرويج غير بريئة

اعتبرت بعض المصادر أن اندفاعة النرويج قد لا تكون بريئة، وهناك من ينظر إليها في سياق الصراع المفتوح مع روسيا ومن ورائها الصين. لأن المناطق الغنية بالمعادن النادرة هي موضع نزاع حدودي وصراع سياسي حاد. وتتركز هذه المناطق في صدع كلاريون كليبرتون في المحيط الهادئ، ومنطقة أرخبيل سفالبارد في القطب الشمالي. ويشهد هذا الأرخبيل توتراً متصاعداً على حقوق التعدين مع روسيا. وتشترك فيه كل من الدانمارك وفرنسا وأيرلندا وإيطاليا وهولندا والسويد وبريطانيا وأميركا.

إقرأ: حرب معادن الأعماق: هل يكون صدع كليبرتون، إقليم دونباس نرويجي

ما يزيد الشكوك بعدم البراءة هو أن شركة لوكهيد مارتن lockheed martin  الأميركية، قامت في شهر مارس 2023، ببيع شركتها البريطانية UK Seabed Resources (UKSR) التي تمتلك أكبر ترخيصين في منطقة كلاريون كليبرتون بمساحة 4.5 مليون كيلومتر مربع. وكانت الجهة الشارية هي شركة لوك مارين مينيرالز النرويجية Loke Marine  Minerals التي تأسست في العام 2019. علماً ان هذه المنطقة تحتوي على حوالي 21 مليار طن من عقيدات المنغنيز ومليارات أخرى من بقية المعادن النادرة. فهل يكون التخلي الأميركي عن الترخيص من باب «عفة النفس» والحرص على البيئة. أم أنه من باب «إدارة الصراع عن بعد».

الأسباب الحقيقية لعدم حماسة الغرب

بات معروفاً ان عدم حماسة أميركا والدول الغربية الكبرى لبدء التعدين التجاري يرجع في حقيقته إلى التنافس والصراع مع الصين. فالشركات الأميركية لا يحق لها قانوناً التقدم بطلبات الترخيص للتعدين التجاري، لأن الولايات المتحدة  ليست عضواً في هيئة الأمم المتحدة لقاع البحار (ISA) فهي لم تنضم أصلاً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. كما ان غالبية الشركات والدول الغربية تحتاج إلى مزيد من الوقت لتجهيز أساطيل التعدين وتركيب التحالفات بين الشركات. وهو أمر قطعت الصين شوطاً طويلاً فيه. ولذلك فإن معارضة الولايات المتحدة وبقية الدول الأوروبية يأتي في سياق حرصها على عدم إعطاء الصين فرصة السيطرة على المعادن النادرة في أعماق البحار لتضاف إلى سيطرتها على هذه المعادن في البر.

 إقرأ: «حرب الأعماق» للفوز بمليارات الأطنان من المعادن النادرة

… والأسباب المعلنة

كما يمكن إرجاع عدم حماسة هذه الدول إلى الأسباب المعلنة، والتي اعتمد عليها مجلس الهيئة الدولية لقاع البحار في اجتماع يوليو لتأجيل تقديم تراخيص التعدين التجاري. حيث جاء القرار كحل وسط بعد خلافات عاصفة بين تيارين؛ الأول معارض للتعدين التجاري، وتقوده أميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية. والثاني مؤيد، تقوده الصين والنرويج وغالبية الدول الجزرية. ومن أبرز الأسباب المعلنة:

معدات جاهزة للتعدين
  • التخوف من التداعيات على البيئة، وقيام نحو 600 عالم من 44 دولة بتوقيع عريضة تطالب بحظر التعدين بانتظار تكوين معلومات علمية كافية ودقيقة. وقال أدريان غلوفر المكلف من الحكومة البريطانية بدراسة الأثر البيئي للتعدين: ” لا نعرف ما يجب حمايته وكيفية القيام بذلك. فالتنوع البيولوجي في أعماق المحيط مجهول لنا بنسبة 90 في المئة”.
  • عدم إنجاز القانون الدولي واللوائح التنظيمية والمعايير التي تحكم التعدين التجاري في المياه الدولية. والذي كان مقرراً أن تنجزه هيئة الأمم المتحدة لقاع البحار في العام 2023، وتم تأجيل الموعد حتى العام 2025.
  • عدم وجود آلية واضحة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة التاريخي القاضي باعتبار ثروات قاع البحار «تراث مشترك للبشرية». وألزم شركات التعدين بوضع جزء من أرباحها في صندوق خاص تابع للأمم المتحدة لمساعدة دول العالم الفقيرة.
  • عدم وجود نظام لتقاسم الأرباح بين الشركات والدول في العقود المتعلقة بالمياه الخاضعة للولاية القضائية الوطنية. والذي يفترض أن يحفظ حقوق الدول بشكل أكبر من نظام التعدين الأرضي أو استخراج النفط والغاز.
  • مسألة التعويضات في حالات الكوارث والأضرار اللاحقة بقاع البحر.

هل تشكل «غزوة» النرويج مجرد «استطلاع بالنار»؟ أم تكون الطلقة الأولى في حرب معادن أعماق البحار التي ستكون أشد و«أعمق» من حروب معادن البر؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى